الرسوم المسيئة مقابل حرية التعبير.. هل يمكن وضع تشريع يجرّم معاداة المسلمين؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/10/29 الساعة 11:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/29 الساعة 15:10 بتوقيت غرينتش
غضب المسلمين من الرسوم المسيئة للرسول

"إهانة الأديان والرموز الدينية المقدسة تثير الكراهية والتطرف العنيف، مما يؤدي إلى استقطاب وتفكك المجتمع".. هل يعني هذا التصريح من جانب الأمم المتحدة أن الوقت قد حان لإصدار تشريع عالمي يجرم الإساءة لنبي الإسلام؟

بماذا طالب شيخ الأزهر؟

أمس الأربعاء 28 أكتوبر/تشرين الأول، طالب شيخ الأزهر أحمد الطيب المجتمع الدولي بإقرار تشريع يجرم معاداة المسلمين والتفرقة بينهم وبين غيرهم في الحقوق والواجبات، وقال في كلمة خلال احتفالية وزارة الأوقاف المصرية بذكرى المولد النبوي الشريف: "من المؤسف وغاية الألم أن نرى الإساءة للإسلام والمسلمين فى عالمنا اليوم وأصبحت أداة لحشد الأصوات في أسواق الانتخابات"، موضحاً أن "هذه الرسوم المسيئة والتي تتبناها بعض الصحف وبعض السياسات، تمثل خرقاً لكل الأعراف الدولية والقانونية وعداء صريحاً للدين الإسلامي".

شيخ الأزهر أحمد الطيب/ رويترز

وأضاف أن "الأزهر الشريف يرفض بقوة مع كل دول العالم الإسلامي هذه السياسات المسئية التي تسيء في الحقيقة للمسلمين وكل المسلمين"، مؤكداً أن "هؤلاء يجهلون عَظَمَة النبي محمد".

ماذا قالت الأمم المتحدة؟

وفي اليوم نفسه، حذّر الممثل الأممي السامي لتحالف الحضارات ميغيل أنخيل موراتينوس من مغبة "إهانة الأديان والرموز الدينية المقدسة"، مؤكداً أن "حرية التعبير ينبغي أن تحترم بالكامل المعتقدات الدينية لجميع الأديان".

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون/رويترز

تصريحات موراتينوس جاءت في بيان وزَّعه مكتب أمين عام الأمم المتحدة على الصحفيين بمقر المنظمة الدولية في نيويورك، بشأن تداعيات الغضب المتصاعد في العالم الإسلامي تجاه ما يرونه إصراراً فرنسياً على مواصلة نشر الرسوم المسيئة للرسول محمد والتي يعتبرها الرئيس إيمانويل ماكرون ومَن يؤيدون موقفه يندرج تحت حرية التعبير.

ففي 21 أكتوبر/تشرين الأول الجاري قال ماكرون إن فرنسا لن تتخلى عن "الرسوم الكاريكاتيرية"، ما ضاعف موجة الغضب في العالم الإسلامي، وأُطلقت في بعض الدول حملات مقاطعة للمنتجات والبضائع الفرنسية، سرعان ما تحولت إلى موقف رسمي أيضاً يُدين تلك الرسوم.

وقال الممثل السامي في بيانه إنه "يتابع بقلق عميق التوترات المتزايدة وحالات عدم التسامح التي أثارها نشر الرسوم الكاريكاتيرية الساخرة التي تصور النبي محمد، والتي يعتبرها المسلمون مهينة للغاية"، وحذّر من مغبة أن تثير "إهانة الأديان والرموز الدينية المقدسة الكراهية والتطرف العنيف مما يؤدي إلى استقطاب وتفكك المجتمع".

ودعا موراتينوس إلى ضرورة "الاحترام المتبادل لجميع الأديان والمعتقدات، وإلى تعزيز ثقافة الأخوة والسلام"، وتابع مؤكداً أنه "ينبغي ممارسة حرية التعبير بطريقة تحترم بالكامل المعتقدات الدينية لجميع الأديان.. كما أن أعمال العنف لا يمكن ولا ينبغي ربطها بأي دين أو جنسية أو حضارة أو جماعة عرقية".

"حرية الدين أو المعتقد وحرية التعبير هي حقوق مترابطة ومتشابكة ويعزز بعضها بعضاً، وهي حقوق متجذرة في المادتين 18 و19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. والتمسك بهذه الحقوق الأساسية وحمايتها هي المسؤولية الأساسية للدول الأعضاء".

الرسوم المسيئة ليست حرية تعبير بقوانين الغرب

قبل الإجابة عن كيفية إصدار تشريع يجرم معاداة المسلمين، على غرار معاداة السامية أو التشكيك في الهولوكوست، دعونا نتوقف عند أصل قضية الرسوم التي نشرتها صحيفة دانماركية مغمورة قبل أكثر من 15 عاماً لنرصد آراء كبرى المؤسسات الصحفية الغربية في إعادة نشر تلك الرسوم أو نشرها من الأصل وهل يقع ذلك في نطاق حرية التعبير أم لا.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش/رويترز

على مدى أكثر من 15 عاماً، منذ نشر صحيفة يولانديس بوستين الدانماركية تلك الرسوم الساخرة التي اعتبرها المسلمون حول العالم مسيئة للنبي محمد (عليه الصلاة والسلام)، رفضت كبريات الصحف والمؤسسات الإعلامية في الغرب إعادة نشر تلك الرسوم، وربما يكون موقف أكبر وكالة أنباء في العالم الأسوشيتدبرس الأمريكية هو الأكثر حسماً للجدل، حيث إن السياسة التحريرية الثابتة للوكالة تنص على أن نشر أي صورة أو مادة مرتبط بتصنيفها من ناحية هل تمثل قيمة مضافة أو أنها مجرد استفزاز.

وموقف هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) هو عدم نشر تلك الرسوم مطلقاً، تماشياً مع سياسة عدم نشر رسوم للرسول محمد (عليه الصلاة والسلام)، احتراماً لمعتقدات المسلمين، كما تفعل مع جميع الديانات والمعتقدات الأخرى، في إطار احترام رموز تلك الأديان.

وبعد تعرض مجلة تشارلي إيبدو الفرنسية لمجزرة راح ضحيتها 12 محرراً وإصابة 11 آخرين في 7 يناير/كانون الثاني من جانب إرهابيين لا يزال من بقي منهم حياً قيد المحاكمة حتى اليوم، ورغم ما أثارته الجريمة البشعة من استنفار في الغرب وتنامي المطالبات بأن تعيد جميع الصحف في الغرب نشر تلك الرسوم تضامناً مع المجلة الساخرة وتأكيداً على التمسك بحرية التعبير، لم يتغير موقف كبريات الصحف والمؤسسات الإعلامية انطلاقاً من نفس المبدأ الأصلي وهو أن تلك الرسوم لا تقع في نطاق حرية التعبير.

ومن ناحية القانون، أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قبل عامين حكماً برفض استئناف سيدة نمساوية على قرار محكمة محلية في النمسا بإدانة السيدة بالإساءة للنبي محمد وتغريمها، بحسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، وتمثل حيثيات قراره المحكمة أرضية قانونية صلبة في الجدل الدائر حالياً بشأن الرسوم المسيئة للرسول.

والخلاصة هنا هي أن نشر الرسوم المسيئة للرسول يمثل عملاً استفزازياً، ولا يقع في إطار حرية التعبير، وفي نفس الوقت لا يمكن أن يعتبر ذلك مبرراً لذبح المدرس في فرنسا، أو قتل المحررين في شارلي إيبدو، وهذا ما أكده زعماء المسلمين في فرنسا وفي الدول العربية والإسلامية، سواء كانوا سياسيين أو رجال دين، وبالتالي فإن المسلك القانوني لوقف نشر تلك الرسوم يمكن وصفه بأنه حقٌّ للمسلمين حان الوقت لأن يحصلوا عليه من خلال تشريع يجرِّم معاداة المسلمين.

تحميل المزيد