برنامج الصواريخ الباليستية لدى إيران يمثل نقطة رئيسية في نزاعها مع الولايات المتحدة، وتعتمد طهران بالأساس على كوريا الشمالية في تطوير البرنامج، فكيف يؤثر انضمام الصين "لمحور الصواريخ" مؤخراً على الأوضاع في الشرق الأوسط؟
تحالف إيراني-كوري منذ أربعة عقود
ويعود تاريخ البرنامج الصاروخي الإيراني إلى ثمانينات القرن الماضي، أي بعد الثورة التي قام بها آية الله الخوميني وأطاحت بالشاه، وكانت كوريا الشمالية هي حجر الزاوية لذلك البرنامج الذي شهد تطوراً كبيراً منذ وقتها وحتى اليوم.
وفي هذا السياق، نشرت مجلة The National Interest الأمريكية تقريراً حول دور الصين في تطوير برنامج إيران الصاروخي، وانعكاسات رفع حظر الأسلحة الأممي عن طهران هذا الشهر من ناحية وبدء سريان اتفاقية التحالف الاستراتيجي بين الصين وإيران الشهر المقبل وما يعنيه ذلك بالنسبة لمحور الصواريخ الثلاثي.
وقد باعت كوريا الشمالية لإيران صاروخاً باليستياً متوسط المدى يمكن بسهولة تطويره إلى صاروخ عابر للقارات، أي طويل المدى، حيث إنه يعمل من خلال محرك أوكراني التصميم أصبح يمثل الأساس لصاروخ باليستي قاعدته تزن 80 طناً، وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على الشركات المنتجة لأجزاء ذلك الصاروخ حول العالم في مطلع عام 2016.
لكن ما تكشف مؤخراً من أدلة حول تلك القصة يشير إلى أن الصين لعبت دوراً في تصنيع إيران لذلك الصاروخ، وهو ما جعل المحللين العسكريين يعيدون مراجعة تاريخ العلاقة بين كوريا الشمالية وإيران في مجال الصواريخ الباليستية، بحثاً عن دور صيني كان مخفياً من قبل.
البرنامج الصاروخي والاتفاق النووي
وكانت تقارير إعلامية عام 2013 قد تحدثت عن تطوير كوريا الشمالية لمروحية صاروخية تزن 80 طناً ويساعدون الإيرانيين على السير في نفس الاتجاه، بغرض تطوير أداء صاروخ باليستي متوسط المدى وتحويله إلى صاروخ عابر للقارات، وفي عام 2015 تم الكشف عن تطورات أخرى، من خلال الصحافة التي رصدت عدة شحنات لأجزاء من تلك المعدات من كوريا الشمالية إلى إيران، خلال مفاوضات الاتفاق النووي الذي تم توقيعه لاحقاً في نفس العام.
وفي هذا الإطار، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شركات وأفراد إيرانيين بسبب خرق العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية وذلك عام 2016، أي بعد توقيع الاتفاق النووي، وتمت بالفعل زيارات من جانب مسؤولين إيرانيين وكوريين إلى طهران وبيونغ يانغ وكان الهدف هو تمكن إيران من تصنيع ذلك الصاروخ الباليستي على أراضيها.
وفي عام 2017، أجرت كوريا الشمالية اختباراً لصاروخ باليستي سمته هواسونغ-12 اتضح أن محركه أوكراني حصلت عليه بيونغ يانغ بصورة غير قانونية بسبب العقوبات المفروضة عليها، كما اتضح من مواصفاته أنه هو ذات التصميم الذي تحدثت عنه تلك التقارير الصحفية على مدى أربع سنوات، ومن ثم أجرت كوريا الشمالية اختبارات لاحقة في 2017 على نماذج أكثر تطوراً من ذات الصاروخ، ليرتفع مداه من 4500 كلم إلى صاروخ عابر للقارات، وفي تقدير محللين عسكريين يمكن أن يضرب هواسونغ-14 ألاسكا، وهواسونغ-15 قادر على إصابة الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية.
وما تكشف مؤخراً هو أن هناك اتفاقاً بالفعل ينص على أن تبيع كوريا الشمالية تكنولوجيا ذلك الصاروخ إلى إيران، وتم الاتفاق بوساطة صينية.
تحالف استراتيجي صيني-إيراني
وانتهى الشهر الجاري (أكتوبر/تشرين الأول) حظر بيع الأسلحة لإيران المفروض منذ سنوات طويلة من جانب الأمم المتحدة، وهو ما فتح الباب أمام تفعيل البنود العسكرية في اتفاق التحالف الاستراتيجي بين إيران والصين، ومدته ربع قرن، ويدخل حيز التنفيذ بعد أيام، في نوفمبر/تشرين الثاني.
ويبدو أن التحالف الاستراتيجي يشمل في بعض بنوده نصوصاً توفر بموجبها كوريا الشمالية أسلحة وتكنولوجيا عسكرية متقدمة لإيران مقابل نفط تحتاجه بيونغ يانغ بشدة بالطبع، وضمن هذه الاتفاق ستقوم كوريا الشمالية ببيع تكنولوجيا ومعدات تصنيع صواريخ هواسونغ لطهران، وهو ما يؤكد التقارير التي تحدثت عن تطور برنامج الصواريخ الباليستية لإيران بصورة كبيرة منذ توقيع الاتفاق النووي.
ومع دخول الصين المتوقع بصورة علنية أكثر بداية من الشهر المقبل، يزداد القلق من البرنامج الصاروخي لإيران، وهو ما يمثل شرطاً أساسياً فرضه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على طهران إذا ما أرادت توقيع اتفاق نووي جديد بعد أن سحب بلاده من الاتفاق الحالي الذي وقعه سلفه باراك أوباما، لكن الاتفاق يظل قائماً حيث لم تنسحب منه بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا وإيران بعد.
عقبة أكثر تعقيداً
وبانضمام الصين –بصورة شبه رسمية– لما بات يعرف بمحور الصواريخ (إيران وكوريا الشمالية وبينهما الصين)، يبدو أن عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي أصبحت شبه مستحيلة، حتى لو فاز جو بايدن بالرئاسة على حساب دونالد ترامب، لأن تفكيك البرنامج الصاروخي الإيراني سيظل على الأرجح شرطاً لن يتمكن بايدن وإدارته من التغاضي عنه لعدة أسباب.
أول هذه الأسباب هو تمسك إسرائيل والسعودية بهذا الشرط، متذرعتين بالدور الذي تلعبه إيران في المنطقة من خلال وكلائها كحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن من ناحية، ومن ناحية أخرى إصرار تل أبيب على أن برنامج إيران الصاروخي يمثل تهديداً مباشراً لا يمكن أن تسمح باستمرار وجوده، حسب تصريحات بنيامين نتنياهو. والسبب الثاني هو مدى الأهمية التي بات يمثلها هذا البرنامج الآن، ليس فقط بالنسبة لإيران بل أيضاً بالنسبة للصين بعد كوريا الشمالية.
ومع رفع حظر السلاح من جانب الأمم المتحدة، رغم العقوبات الأمريكية السارية، أصبحت الصين تحديداً أكثر رغبة في الاستفادة من حاجة إيران للأسلحة ولتكنولوجيا ومعدات تصنيع الصواريخ الباليستية على وجه الخصوص، وهو ما يعني أن بكين دخلت ولو بشكل غير مباشر على خط البرنامج الصاروخي لإيران كأحد المستفيدين من استمراره.
كل هذه المعطيات المتشابكة تجعل مصطلح "محور الصواريخ" مرشحاً لأن يصبح أحد أبرز عناصر التوتر في المنطقة والعالم في الفترة القصيرة المقبلة، بغض النظر عمن سيسكن البيت الأبيض في الأعوام الأربعة المقبلة.