كان فوز الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالانتخابات الأمريكية السابقة في 2016 رغم حصوله على أصواتٍ أقل من منافسته هيلاري كلينتون بأكثر من مليون ونصف المليون صوت، كاشفاً لعديد من عيوب النظام الانتخابي الأمريكي.
وهذه العيوب أغلبها تحابي الجمهوريبن والبيض وتظلم الديمقراطيبن والأقليات، لاسيما الأمريكيون الأفارقة.
وفي هذا التقرير نرصد أبرز عيوب النظام الانتخابي الأمريكي، ولماذا يعطي هذا النظام ميزة نسبة للجمهوريين على حساب الديمقراطيين، ويؤدي إلى تهميش شديد للأقليات ولبعض الولايات.
عيوب النظام الانتخابي الأمريكي.. لماذا يظلم المجمع الانتخابي الأفارقة وكاليفورنيا؟
المجمع الانتخابي هو هيئة من الناخبين تم إنشاؤها بموجب دستور الولايات المتحدة، وتشكل كل أربع سنوات، لغرض وحيد هو انتخاب رئيس ونائب رئيس الولايات المتحدة. تتكون الهيئة الانتخابية من 538 ناخباً، والأغلبية المطلقة للأصوات الانتخابية، 270 أو أكثر، مطلوبة للفوز في الانتخابات.
ويتطلب من كل هيئة تشريعية للولاية تحديد كيفية اختيار ناخبي تلك الولاية .
ويعتبر مدى ملاءمة نظام المجمع الانتخابي مسألة نقاش مستمر في الولايات المتحدة. ويجادل المؤيدون له بأنه عنصر أساسي للفيدرالية الأمريكية، ويعزز الاستقرار السياسي، ويحافظ على الدور الدستوري للولايات في الانتخابات الرئاسية، ويعزز نظاماً حزبياً سياسياً واسع النطاق ودائماً ومعتدلاً بشكل عام.
يجادل النقاد بأن الهيئة الانتخابية أقل ديمقراطية من التصويت الشعبي المباشر الوطني وتخضع للتلاعب من أعضاء المجمع الانتخابي، كما يجادل المعارضون بأن النظام يتعارض مع الديمقراطية التي تسعى جاهدةً من أجل معيار "شخص واحد، صوت واحد"، لأنه يمكن أن يحبط الاختيار الرئاسي من قِبل الناخبين بأغلبية وطنية.
يمكن أن تكون هناك انتخابات يفوز فيها مرشح واحد بالتصويت الشعبي بينما يفوز آخر بالتصويت الانتخابي، كما حدث في انتخابات عامي 2000 و2016.
يتمتع المواطنون الأفراد في الولايات الأقل كثافة سكانية والتي تضم 5% من الهيئة الانتخابية، بقوة تصويتية أكبر نسبياً من تلك الموجودة في الولايات الأكثر اكتظاظاً بالسكان، وبإمكان المرشحين الفوز من خلال تركيز مواردهم على "الولايات المتأرجحة" قليلاً.
عدد الناخبين في كل ولاية يساوي مجموع عضوية الولاية في مجلسي الشيوخ والنواب.
يوجد حالياً 100 عضو في مجلس الشيوخ (كل ولاية لها شيخان)، و435 ممثلاً في مجلس النواب (توزيع عدد النواب حسب عدد السكان).
وهذا يعطي ميزة للولايات الجنوبية والوسطى الأكثر ريفية والأقل من حيث عدد السكان، والتي تعطي أصواتها للجمهوريين، غالباً، على حساب الولايات الغنية كبيرة السكان مثل كاليفورنيا ونيويورك وألينوي (بينما تكساس ولاية كبيرة تنتخب الجمهوريين عادة).
يظهر هذا الظلم للولايات الحضرية الكبيرة الأكثر تقدماً، واضحاً في ولاية كاليفورنيا التي تعد معقل الديمقراطيين، إذ لدى كاليفورنيا 55 عضواً في المجمع الانتخابي بنسبة 10.22 % من أعضائه البالغ عددهم 583، بينما سكانها يمثلون 12.03% من إجمالي عدد سكان الولايات المتحدة، وهي نسبة تعادل سدس سكانها، وبالنظر إلى حدة المنافسة الانتخابية وأن الأمر يشمل ولايات أخرى، يعد الفارق كبيراً لصالح الجمهوريين.
كيف صُنع النظام لإقصاء الأفارقة عندما كانوا عبيداً وما زال يفعل ذلك حتى اليوم؟
كان أحد أسباب وضع هذا النظام وتفضيله على نظام الانتخاب العام في المؤتمر الدستوري الذي عُقد في عام 1787، أنه رغم أن التصويت الشعبي نظر إليه الآباء المؤسسون لأمريكا على أنه سيكون مثالياً، فإنه سيكون من الصعب الحصول على توافق في الآراء بشأنه بالنظر إلى انتشار العبودية في الجنوب.
والمفارقة أن نظام المجمع الانتخابي أدى إلى احتساب أعداد العبيد ضمن سكان كل ولاية دون أن يكون لهم حق التصويت.
وبشكل ما، ما زال هذا الوضع الذي يهمش أصوات الأفارقة قائماً.
فأعداد الأقلية الزنجية في ولايات الجنوب تؤدي إلى زيادة الوزن النسبي لهذه الولايات بالمجمع الانتخابي، في حين أن أصواتهم ليست لها قيمة، لأنهم ببساطة يمثلون في ولايات الجنوب أقل من نصف السكان، وأغلب السكان البيض بولايات الجنوب محافظين ويصوتون للحزب الجمهوري، خاصة في الانتخابات الرئاسية.
ومن ثم عندما يحصل المرشح الرئاسي الجمهوري على أغلبية أصوات الولايات الجنوبية، كما يحدث عادةً، ينال كل أصواتها في المجمع الانتخابي رغم أن الأفارقة الذين يمثلون نسبة تقارب الثلث في بعض الولايات الجنوبية، يصوتون للمرشح الديمقراطي.
والنتيجة أن ظاهرة فوز المرشح بأصوات غالبية الناخبين وهزيمته في المجمع الانتخابي تتكرر، خاصة مع الديمقراطيين.
ففي عام 2000، تمكن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش (من الحزب الجمهوري) من الفوز في السباق الرئاسي الأمريكي، على الرغم من حصوله على 543.000 صوتاً أقل من منافسه "آل غور" (مرشح الحزب الديمقراطي)، ولكن بوش فاز في نهاية المطاف برئاسة أمريكا.
وفي انتخابات 2016 كان الوضع سافراً، حيث كشفت الإحصاءات النهائية المتعلقة بانتخابات الرئاسة الأمريكية أن المرشحة الديمقراطية الخاسرة هيلاري كلينتون تقدمت من حيث أصوات الناخبين على منافسها الجمهوري دونالد ترامب بأكثر من 1.5 مليون صوت ولكنها خسرت من حيث عدد أصوات المندوبين.
وعادة فإن مندوبي الكلية الانتخابية ليسوا مجبرين قانونياً على الالتزام بانتخاب المرشح الذي صوّت له غالبية المقترعين في الولاية، إلا أنهم يلتزمون بذلك في الغالب الأعم من الحالات، وهناك 24 ولاية تعاقب المندوبين عديمي الولاء.
والنتيجة رغم أن الناخبين السود يمثلون نحو 13% من إجمالي الناخبين البالغ عددهم نحو 233 مليون ناخب في عام 2018، أي إن إجمالي الناخبين السود يبلغ نحو 30 مليوناً، ولكن بسبب توزُّع نسبة كبيرة منهم في ولايات الجنوب التي تصوت للجمهوريين، فإن أصوات ملايين- إن لم يكن عشرات الملايين- من السود لايظهر لها أثر في المجمع الانتخابي.
ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك.
لكل ولايةٍ الحقُّ في تحديد نظام الانتخابات داخلها.. تقييد تسجيل الناخبين
إضافة إلى عيوب المجمع الانتخابي، فإن لكل ولايةٍ الحق في تحديد نظام التصويت، الأمر يؤدي إلى نظم انتخابية في بعض الولايات تهمش الأقليات.
وأظهر استطلاع لمؤسسة The Atlantic and the Public Religion Research Institute، أن المواطنين السود والإسبان أكثر عرضة من البيض لمواجهة حواجز في صناديق الاقتراع، والخوف من التآكل المستقبلي لحقوقهم السياسية الأساسية.
على سبيل المثال مررت ولاية ألاباما (وهي ولاية جنوبية محافظة تعد معقلاً للعنصرية) قانوناً عام 2011، يتطلب أنواعاً محددة من بطاقات التعريف الشخصية التي يجب أن يقدمها الناخبون.
وأغلقت الولاية مكاتب تسجيل المحركات (DMV) التي تُستخدم كوسيلة لتسجيل الناخبين، في ثماني مقاطعات من أصل عشر كانت بها أعلى نسبة من السكان السود.
في مارس/آذار 2020، أفيد بأن ولاية تكساس تتصدر الجنوب في إغلاق أماكن التصويت، مما يجعل من الصعب على الأمريكيين الأفارقة واللاتينيين ذوي الميول الديمقراطية، التصويت.
فقد تم إغلاق 542 موقع اقتراع بالمقاطعات الخمسين التي شهدت أكبر زيادة في عدد السكان الأمريكيين من أصل إفريقي واللاتينيين بين عامي 2012 و2018، في حين أن تلك التي لديها أقل زيادات بمجموعات الأقليات لديها 34 إغلاقاً فقط.
وفي مقاطعة برازوريا، جنوب هيوستن بتكساس، على سبيل المثال، أغلقت 60% من مراكز الاقتراع.
هكذا ساهم هذا النظام في فوز ترامب
ويكاد يكون من المؤكد أنَّ قمع الناخبين ساعد دونالد ترامب على الفوز بالرئاسة.
وتشير عديد من الدراسات الأكاديمية وأحكام المحاكم إلى أن قوانين الانتخابات المتحيزة عنصرياً، مثل تشريعات تحديد هوية الناخب في أماكن مثل ويسكونسن، فضَّلت المرشحين الجمهوريين في عام 2016. مثل معظم الانتخابات الأخرى في التاريخ الأمريكي، لم تكن هذه معركة عادلة.
فقد أشار 9% من المستجيبين السود و9% من المستجيبين من أصل إسباني إلى أنه في الانتخابات الأخيرة، تم إخبارهم (أو أحد أفراد أسرتهم) بأنهم يفتقرون إلى الهوية المناسبة للتصويت، في حين قال 3% فقط من البيض الشيء نفسه.
وأفاد 10% من المستجيبين السود و11% من المستجيبين من أصل إسباني، أنه تم إخبارهم، بشكل غير صحيح، بأنه لم يتم إدراجهم في قوائم الناخبين، مقابل 5% من المستجيبين البيض.
إجمالاً، عبر كل قضية تم تحديدها على أنها عائق مشترك للتصويت، كان المشاركون من السود والإسبان أكثر عرضة بمرتين أو أكثر، لتجربة هذه الحواجز من البيض.
والأمر الأكثر إزعاجاً هو أن البيانات السابقة لعام 2016 تُظهر أن هناك أسباباً وجيهة لهذه المخاوف. وفي العام نفسه الذي شجبت فيه محكمة فيدرالية قوانين تحديد هوية الناخبين في ولاية كارولينا الشمالية باعتبارها مكائد تمييزية متعمدة "تستهدف الأمريكيين الأفارقة بدقة جراحية تقريباً.
في ولاية ويسكونسن، وجدت دراسة أن عدد الديمقراطيين الذين لم يصوتوا لأنهم يفتقرون إلى بطاقة الهوية الصحيحة، تجاوز عدد الناخبين الذين أدى تصويتهم إلى فوز ترامب، وأن أكبر الانخفاضات في الإقبال كانت بأحياء السود، وهي إشارة واضحة إلى أنَّ قمع الناخبين على أساس العرق كان موجوداً.
وأقر مسؤولون جمهوريون في الولاية بأن قانون هوية الناخبين ربما كان قوياً بما يكفي لتغيير نتيجة الانتخابات الرئاسية في ويسكونسن.