أسبوع فقط يفصل العالم عن نتيجة الانتخابات الأمريكية وسط إقبال قد يكون تاريخياً على التصويت، في ظل تنامي إرهاصات سيناريو الفوضى، وسط تساؤل هل يقبل أنصار الرئيس دونالد ترامب هزيمته؟ والإجابة تبدو أنها أقرب للنفي.
إقبال قياسي على التصويت المبكر
حتى اليوم الأربعاء 28 أكتوبر/تشرين الأول، أدلى أكثر من 71 مليون أمريكي بأصواتهم بالفعل قبل أسبوع من يوم الانتخابات المقرر 3 نوفمبر/تشرين المقبل، بينهم نحو 47.7 مليون صوتوا عبر البريد و23.3 مليون تقريباً صوتوا بأنفسهم من خلال التصويت المبكر، بحسب بيانات موقع مشروع الانتخابات.
مقارنة الإقبال على التصويت في الانتخابات الحالية التي يتنافس فيها المرشح الجمهوري دونالد ترامب مع المرشح الديمقراطي جو بايدن، مع الإقبال على التصويت في الانتخابات الماضية بين ترامب ومنافسته هيلاري كلينتون تظهر أن 51.6% من إجمالي من صوتوا عام 2016 قد صوتوا بالفعل، حيث أدلى نحو 139 مليون أمريكي بأصواتهم قبل أربع سنوات، بنسبة إقبال بلغت 55.5%.
وتشير هذه البيانات إلى أن نسبة الإقبال هذه المرة قد تتخطى نظيرتها في أي انتخابات سابقة على مدى قرن من الزمان، قياساً على نسبة الإقبال على التصويت المبكر التي تخطت بالفعل الانتخابات السابقة بأكثر من 30% تقريباً، لكن تظل هذه التوقعات غير مؤكدة بسبب الظرف الاستثنائي هذه المرة المتمثل في تفشي وباء كوفيد-19 الذي قد يكون سبباً مباشراً في ارتفاع الإقبال على التصويت المبكر والتصويت عبر البريد خوفاً من العدوى.
والمقصود هنا أن نسبة التصويت يوم الانتخابات نفسها (3 نوفمبر/تشرين الثاني) لا تزال مجهولة وبالتالي يصعب الجزم بالنسبة النهائية للإقبال قبل انتهاء يوم الانتخابات بالفعل، إضافة إلى احتمال عدم فرز بطاقات التصويت عبر البريد التي قد يتأخر استلامها في بعض الولايات إلى ما بعد يوم الانتخابات.
لماذا يبدو سيناريو الفوضى قائماً بقوة؟
هناك عدة مؤشرات كانت موجودة بالفعل لكنها ازدادت كثافة في الأيام الأخيرة، وقبل رصدها لابد من التوقف قليلاً عند استطلاعات الرأي وتوقعات الفوز بالنسبة للطرفين، حيث تظهر جميع استطلاعات الرأي أن بايدن متقدم على ترامب على المستوى القومي بفارق نقاط لا يقل عن 10، كما أن المرشح الديمقراطي يبدو متقدماً في غالبية الولايات المتأرجحة أو ولايات الحسم بفارق واضح.
لكن تجربة الانتخابات الماضية لا تزال عالقة بأذهان الجميع، فقد كانت هيلاري كلينتون متقدمة أيضاً على ترامب، وإن بفارق أقل من النقاط، لكن ترامب فاز بالرئاسة في المجمع الانتخابي، رغم خسارته التصويت الشعبي، وهذه النقطة تحديداً هي ما يجعل الأمور غامضة وسط حالة من الاستقطاب غير مسبوقة منذ الحرب الأهلية الأمريكية.
ترامب يقول إن الانتخابات مزورة
ومع اقتراب يوم الانتخابات، عاد ترامب للتشكيك في نزاهة التصويت عبر البريد خلال تجمعاته الانتخابية الحاشدة، وسط حماس قاعدته الانتخابية الذي يتحول إلى عنف من البعض أحياناً من خلال منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تؤكد أن فوز الرئيس مضمون "إلا إذا حدث تزوير"، وهو ما أعاد التحذير من شبح سيناريو الفوضى للواجهة.
ونشر موقع Salon الأمريكي تقريراً بعنوان "هل يقبل أنصار ترامب الهزيمة؟ إذا خسر، قد تصبح الأمور قبيحة"، رصد رسائل الرئيس المتكررة لأنصاره بأنه مستحيل أن يخسر، مما يجعلهم متحفزين لردة فعل عنيف تزداد مؤشراته كلما اقترب يوم الحسم واتضح أكثر أن تقدم بايدن ثابت، عكس ما كانت الأمور مع هيلاري كلينتون في المرة الماضية.
وفي هذا السياق، تظهر نتائج بعض استطلاعات الرأي مؤشرات مثيرة ومربكة بصورة غير مسبوقة في أي انتخابات، وهي أن هناك اعتقاداً سائداً بين ناخبين من الحزبين بأن ترامب سيفوز بفترة ثانية، بغض النظر عن المرشح الذي سيصوت له صاحب ذلك الاعتقاد.
فرغم أن معدلات شعبية الرئيس طوال فترته الأولى ظلت متدنية في مستوى 40% أو أكثر قليلاً – أمر غير مسبوق على الإطلاق بالنسبة لأي رئيس أمريكي – ورغم تأخره في جميع استطلاعات الرأي خلف بايدن، فإن استطلاعاً أجراه معهد غالوب للأبحاث مطلع الشهر الجاري، أظهر أن غالبية من خضعوا للاستطلاع يعتقدون أن ترامب سيفوز بفترة ثانية.
ماذا يعني ذلك؟ القصة هنا تتعلق بمعنى "فوز" في ذهن غالبية الأمريكيين؛ الديمقراطيون يعتقدون أن ترامب لا يلعب بنزاهة وأنه على الأرجح سيخسر التصويت الشعبي لكنه يسعى للتأثير على المجمع الانتخابي ليفوز وحتى إن فشل سيلجأ للمحكمة العليا، وفي ظل وجود سابقة بالفعل على هذا السيناريو عام 2000 فاز من خلالها جورج بوش الابن بالرئاسة بحكم المحكمة العليا على حساب منافسه الديمقراطي آل غور، فإن هذا الاعتقاد لا يبدو بعيداً عن الواقع.
أما الجمهوريون أو بمعنى أدق أنصار ترامب بالتحديد، فإنهم يعيشون في عالم خاص بهم يتقدم فيه ترامب في جميع استطلاعات الرأي ولا توجد أي فرصة لمنافسه "جو النائم" للفوز إلا من خلال التزوير وهو ما لن يسمحوا به، وهذا العالم ببساطة هو ما يخبرهم بتفاصيله ترامب نفسه كل يوم دون الحاجة لأدلة أو حقائق.
هل يتأخر إعلان النتيجة؟
على الأرجح فإن نتيجة الانتخابات لن تظهر ليلة 3 نوفمبر/تشرين الثاني في جميع الولايات، فبعض تلك الولايات لن تبدأ فرز الأصوات إلا بعد انتهاء عملية التصويت والبعض الآخر يسمح باستلام بطاقات التصويت عبر البريد حتى يوم 6 نوفمبر، وهو ما يعني أن النتيجة النهائية للتصويت الشعبي قد تتأخر أياما وليس شهوراً كما يزعم ترامب، وهذه الأيام تمثل مصدر القلق الرئيسي من شبح سيناريو الفوضى.
فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته رويترز أن 4 من كل 10 من الأمريكيين لن يقبلوا هزيمة مرشحهم في هذه الانتخابات، وقال 22% من المستطلعين الديمقراطيين إنهم سيحتجون في الشوارع إذا فاز ترامب حتى لو وصل الأمر للعنف، و16% من أنصار ترامب أكدوا نفس السيناريو في حالة هزيمته.
لكن في حالة فوز ترامب بنفس سيناريو الانتخابات الماضية – خسارة التصويت الشعبي بفارق 2% والفوز بالمجمع الانتخابي بأكثر من 300 صوت من 538 – ربما تخرج مظاهرات احتجاجية من بعض الديمقراطيين كما حدث في المرة الماضية، لكنها على الأرجح لن تكون ضخمة أو على مستوى البلاد وسيسطر الإحباط أكثر ويتوجه الغضب ناحية استطلاعات الرأي أكثر منه ناحية أنصار ترامب.
أما في حالة خسارة ترامب بفارق كبير في صندوق الانتخابات، لكنه وجد وسيلة ما "للفوز" من خلال الدعاوى القضائية وصولاً إلى المحكمة العليا التي تسيطر عليها أغلبية يمينية، فالمتوقع هنا أن تدخل البلاد في أزمة دستورية لم تشهد لها مثيلاً منذ الحرب الأهلية ولا يبدو أن هناك أحداً قادراً على توقع نهاية مثل هذا السيناريو.
ميليشيات ترامب على أهبة الاستعداد
تعيش القاعدة الانتخابية لترامب هذه الأيام في سيناريو واحد وهو أن الرئيس سيحقق انتصاراً ساحقاً في صناديق الاقتراع على حساب جو بايدن و"الإعلام الكاذب" واستطلاعات الرأي "الموجهة"، وبين هذه القاعدة توجد ميليشيات ترامب أو جيش ترامب المستعدون لتنصيبه رئيساً بالقوة، بحسب التغطية الإعلامية لمؤتمراته الانتخابية الحاشدة.
وربما يبدو الأمر خيالاً علمياً بالنسبة للقارئ العربي، فالولايات المتحدة ديمقراطية راسخة وفكرة الحرب الأهلية ورفض هزيمة مرشح أمور يصعب تصديق وجودها هناك، لكن ميليشيات أو جيش ترامب حقيقة كشفت عن وجودها بصورة متزايدة وباء كورونا ورفض إجراءات الإغلاق، والاحتجاجات ضد التمييز العنصري منذ مقتل جورج فلويد أواخر مايو/أيار، ومؤخراً التخطيط لخطف وإعدام حاكمة ولاية ميتشيغان الديمقراطية.
فتلك الجماعات اليمينية المتطرفة، ومنها ميليشيات Proud Boys التي رفض ترامب انتقادهم في المناظرة الرئاسية الأولى مع بايدن بل وقال لهم نصاً "استعدوا"، لا يصدقون شيئاً سوى ما يقوله لهم "قائدهم وقدوتهم" الرئيس دونالد ترامب الذي "جعل أمريكا عظيمة" والذي يريد أن يجعلها "عظيمة مرة أخرى" في مقابل "جو بايدن الفاسد نائب باراك أوباما الفاشل"، بحسب هؤلاء الذين يتواجدون دائماً في تجمعات ترامب الانتخابية ويتحدثون لوسائل الإعلام وبصفة خاصة شبكة Fox News اليمينية الداعمة للرئيس.