هل تأهبت إسرائيل لضرب القاهرة بقنبلة نووية عام 1973؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/10/26 الساعة 08:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/27 الساعة 05:48 بتوقيت غرينتش
رئيسة وزراء إسرائيل عام 1973 غولدا مائير/ أرشيفية

وضعت رئيسة الوزراء غولدا مائير سرباً من ثماني طائرات شبح F-4 إسرائيلية محمّلة بالقنابل النووية على أهبة الاستعداد، لإسقاط هذه القنابل على القاهرة ودمشق إن دخلت جيوش العرب إسرائيل، بحسب تقرير أمريكي عن ترسانة تل أبيب النووية.

التقرير نشرته مجلة National Interest الأمريكية بعنوان: "ليس سراً.. إسرائيل لديها غواصات مسلحة بصواريخ نووية"، ألقى الضوء على استراتيجية الدولة العبرية المعروفة باسم "الغموض النووي".

ترسانة نووية أكبر من الصين

إسرائيل لم تعترف رسمياً على الإطلاق بامتلاك أسلحة نووية، لكن على الصعيد غير الرسمي، ترغب تل أبيب في أن يعرف الجميع أنها تمتلكها، ولا تتردد في توجيه تهديداتٍ مبطنة باستعمالها في مواجهة المخاطر الوجودية. وتتراوح التقديرات لحجم الترسانة النووية لتل أبيب من 80 إلى 300 سلاحٍ نووي، والأخير يتجاوز الترسانة النووية للصين.

طائرة F-4 الإسرائيلية

في البداية، اعتمدت القدرات النووية الإسرائيلية على القنابل النووية المُلقاة من الجو وصواريخ جيريكو الباليستية، وعلى سبيل المثال، حين هاجم الجيشان المصري والسوري إسرائيل في حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973، وضعت رئيسة الوزراء غولدا مائير سرباً من ثماني طائرات شبح F-4 إسرائيلية محملة بالقنابل النووية على أهبة الاستعداد، لإسقاط هذه القنابل على القاهرة ودمشق إن دخلت جيوش العرب إسرائيل.

ضرب أي محاولة لامتلاك سلاح ردع

ومع أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تمتلك السلاح النووي في الشرق الأوسط، تنشغل تل أبيب بالخوف من احتمالية أن تتمكن دولة معادية يوماً ما من شن ضربة لتدمير صواريخها النووية وطائراتها على الأرض قبل شن إسرائيل ضرباتها الانتقامية، وحالياً هناك دولتان معاديتان فقط يمكنهما الحصول على هذه الإمكانات: إيران وسوريا.

من أجل عرقلة مثل هذه الاستراتيجيات، استهدفت إسرائيل بشراسة برامج التكنولوجيا النووية والصواريخ في العراق وسوريا وإيران، بالغارات الجوية وعمليات التخريب وحملات الاغتيال، لكنها طورت أيضاً إمكانياتٍ لشن ضربة ثانية، متمثلة في سلاحٍ قابل للبقاء يعِد بتنفيذ ضربة انتقامية نووية بغض النظر عن مدى نجاح الهجمة الأولى للعدو.

غواصة إيرانية / ذا ناشيونال إنتريست

تشغل أغلب القوى النووية غواصات محملة بالصواريخ الباليستية ذات الرؤوس النووية، يمكنها أن تبقى لأشهر مغمورة في صمتٍ تحت سطح الماء وتطلق في أي وقتٍ صاروخاً باليستياً يعبر المحيط ويدمر المراكز الكبرى للعدو عن بكرة أبيها، ولأن احتمالية العثور على كل الغواصات قبل أن تشن ضربتها ضعيفة للغاية، فهي تمثل عامل ردع ممتاز لمجرد التفكير في شن ضربة أولى على إسرائيل.

لكن الغواصات المزودة بالرؤوس النووية والصواريخ الباليستية المُنطلقة من الغواصات باهظة الثمن للغاية بالنسبة لبلدٍ صغير مثل إسرائيل، لذا وجدت الإسرائيليون بديلاً أقل تكلفة.

اعتذارٌ غير تقليدي من برلين

في حرب الخليج عام 1991، اتضح أن العلماء الألمان والشركات الألمانية لعبت دوراً في تزويد عدة حكوماتٍ عربية بالصواريخ الباليستية وتكنولوجيا الأسلحة الكيميائية، وهي التكنولوجيا التي مكّنت صدام حسين من قصف إسرائيل بصواريخ سكود، وهذا الأمر كان مسألة سببت توتراً في العلاقات بين إسرائيل وألمانيا منذ وقتٍ طويل، ومنذ أوائل الستينات نفذت عناصر إسرائيلية محاولات اغتيال وعمليات خطف وقصف استهدفت علماء الأسلحة الألمان العاملين لحساب الحكومات العربية.

وضع المستشار الألماني آنذاك هلموت كول خطة لتعويض إسرائيل عن الأضرار التي تسببت فيها ألمانيا، وفي الوقت نفسه تشغيل شركات بناء السفن الألمانية التي تُعاني بسبب تراجع الإنفاق على الدفاع بعد الحرب الباردة. بدءاً من السبعينيات، بدأت شركة بناء السفن الألمانية HDW في صنع غواصات كهربية تعمل بالديزل من طراز Type 209 لتصديرها، وما زالت نحو 60 منها  في الخدمة في أنحاء العالم. إحدى تلك الغواصات، واسمها سان لويس، تمكنت من إيقاع سفن البحرية الملكية البريطانية في كمينها مرتين في حرب الفوكلاند، لكنها فشلت في إغراق أيٍّ منها بسبب أعطال الطوربيدات.

هيلموت كول / أرشيفية

وعرض كول على إسرائيل دفع ثمن بناء غواصتي Type 209 كبيرتين، تحت اسم غواصة الدولفين، وجاءت كل غواصة دولفين مجهزة بست أنابيب عادية لإطلاق طوربيدات DM2A4 الثقيلة الموجهة بالألياف الضوئية، بقطر 533 ملليمتراً، إضافة إلى أربع أنابيب ضخمة بقطر 650 ملليمتراً، وهذه نادرة في الغواصات الحديثة. يمكن استعمال هذه الأنابيب في نشر القوات الفدائية البحرية لغرض مهام الاستطلاع والتخريب، وقد لعبت دوراً كبيراً في عمليات الغواصات الإسرائيلية.

لكن أنابيب الطوربيدات الأكبر حجماً لها وظيفة أخرى مفيدة، إذ إنها مخصصة لتسع صواريخ كروز مُنطلقة من الغواصات كبيرة الحجم بما يكفي لتحمل رؤوس نووية. وفي حين ينطلق الصاروخ الباليستي في قوسٍ إلى السماء قبل أن يهبط إلى الأرض، ويطير بسرعاتٍ أعلى من سرعة الضوء في العديد من الأوقات، فإن صواريخ الكروز أبطأ بكثير ويطير بالقرب من سطح الأرض.

ورفضت الولايات المتحدة في التسعينات تزويد إسرائيل بصواريخ كروز من طراز توماهوك المخصصة للغواصات، بسبب قاعدة نظام الحد من تكنولوجيا الصواريخ، الذي يحظر نقل صواريخ كروز يجاوز مداها 300 ميل.

إسرائيل طورت صواريخ كروز

بدلاً من ذلك، مضت تل أبيب قدماً وطورت صواريخها الخاصة. في عام 2000، التقطت رادارات البحرية الأمريكية تجارب إطلاق لصواريخ كروز للغواصات في المحيط الهندي، سقطت على هدف يبعد 920 ميلاً. ويُعتقد أن هذا السلاح هو صاروخ Popeye Turbo، وهو نسخة من صاروخ كروز جوي سرعته أقل من سرعة الصوت، يُزعم أن بإمكانه حمل رأس نووي وزنه 200 كيلوطن. لكن صفات هذا الصاروخ مغرقة في السرية، وبعض المصادر تشير إلى أن الغواصات الإسرائيلية تستعمل نوعاً مختلفاً تماماً. ربما تكون إسرائيل قد استعملت غواصة دولفين في قصف ميناء اللاذقية في سوريا بصاروخ كروز تقليدي في 2013 بسبب تقارير عن وجود شحنة من صواريخ P-800 الروسية المضادة للسفن.

صاروخ باليستي

بعدها اشترى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ثلاث غواصات ألمانية إضافية، ما أثار جدلاً واسعاً لأن الكثيرين شعروا بأن الغواصات الإضافية غير ضرورية، وفي 2012، نشرت مجلة دير شبيغل تقريراً كشف أن المهندسين الألمان كانوا يعرفون جيداً أن دور غواصات دولفين 2 سيكون ضمن نظام إطلاق للأسلحة النووية، ما أثار بعض الجدل من الرأي العام، لأن المستشارة أنجيلا ميركل يُفترض أنها وافقت على بيع هذه الغواصات لنتنياهو مقابل وعودٍ لم تتحقق بأن نتنياهو سيتبنى سياسة أكثر سعياً إلى الصلح مع الفلسطينيين. لكن إسرائيل على كل حال تلقت غواصتين منهما، وتنتظر تسليم الثالثة.

طراز دولفين 2 يزن 2400 طن وهو مبني فوق تصميم غواصة Type 212 المتطورة، التي تتميز بتكنولوجيا الدفع غير المعتمد على الهواء، وتجوب البحر بسرعة تزيد على 25 عقدة. وفي حين تعتمد غواصات الديزل على مولدات صاخبة تستهلك الهواء وتتطلب أن تصعد الغواصة بصفة منتظمة إلى السطح أو تقترب منه للحصول على الهواء، يمكن أن تغوص الغواصات المزودة بتكنولوجيا الدفع غير المعتمد على الهواء دون صخب بسرعات منخفضة لأسابيع في المرة الواحدة.

لكن كما يشير روبرت فارلي، هناك العديد من العقبات الجغرافية التي تقلل من الفائدة العملية لنظام الردع الإسرائيلي البحري. في الوقت الراهن، هناك هدف واحد مقصود، وهو إيران، تلك الدولة التي تقع على بعد مئات الأميال م إسرائيل. وفي حين تقع طهران بالكاد في مدى 930 ميلاً من الغواصة الإسرائيلية في قاعدة حيفا بالبحر المتوسط، سيتعين على الصواريخ أن تطير فوق سوريا والعراق ساعة كاملة، ما يشكل تحدياتٍ ملاحية وعقبات أمام بقاء الصاروخ حتى وصوله إلى هدفه.

تحميل المزيد