جاءت مصر في صدارة الدول المقترضة لتحصل على لقبي أكبر مقترض عربي في عام 2020 وأكبر مقترض شرق أوسطي وشمال إفريقي في عام 2019، يأتي ذلك في ظل اتباع النظام المصري منهجية الاقتراض المفتوح بغرض وضع مسكنات للاقتصاد المصري دون إيجاد حلول جذرية لقضية الدين العام.
وأشار البنك الدولي مؤخراً إلى حصول مصر على نحو 23.4 مليار دولار خلال عام 2020 من أصل 77.6 مليار دولار حصلت عليها 10 دول عربية، لتصبح بذلك مصر أكبر مقترض عربي من البنك الدولي للعام الجاري.
كما كشف تقرير حديث للبنك الدولي أن مصر أكبر بلد مقترض في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال عام 2019، بسبب استحواذها على 34% من إجمالي ديون المنطقة.
وأوضح تقرير البنك الدولي لإحصاءات الديون الدولية، أن تراكم الديون في مصر أدى إلى ارتفاع إجمالي الديون في المنطقة بنسبة 5.3%، وهي أكبر قفزة منذ عام 2009.
وزاد دين مصر الخارجي بنسبة 14.9% في عام 2019 ليسجل 115.1 مليار دولار، مقارنة بـ100.1 مليار دولار في عام 2018.
وتعد أحدث أدوات الاقتراض التي استخدمتها الحكومة المصرية هي السندات الدولية الخضراء التي أدرجتها في بورصة لندن في 15 أكتوبر/تشرين الأول الجاري بقيمة 750 مليون دولار، بعد أن كان مقرراً لها أن تكون قيمتها 500 مليون دولار.
وفقدت مصر 220 مليار جنيه (14 مليار دولار) من إيراداتها خلال العام المالي الماضي 2020/2019 بسبب جائحة كورونا.
وبحلول منتصف مايو/أيار الماضي، بلغ عجز الموازنة العامة للدولة في مصر نحو 75 مليار جنيه (4.78 مليار دولار).
أين تذهب تلك القروض؟
وفي ظل تدفق تلك القروض دون وجود تغير ملموس في واقع المجتمع المصري يتساءل المواطن المصري عن منافذ تلك القروض.
وبحسب الخبير الاقتصادي، عبدالحافظ الصاوي، فإن القروض الخارجية يستخدم جزء منها في دعم احتياطي النقد الأجنبي للبلاد، وجزء آخر يتم توجيه إلى سداد القروض قصيرة الأجل والتي تقدر بنحو 11 مليار دولار، بغرض تدوير القروض قصيرة الأجل، كما يتم توجيه الجزء الثالث إلى مشروعات العاصمة الإدارية وبعض مشروعات الطرق أو الكباري أو الأنفاق والتي تسرف فيها الحكومة المصرية بشكل كبير.
وأضاف الصاوي، لـ"عربي بوست"، أن القروض سواء الداخلية أو الخارجية أصبحت عبئاً على الحكومة المصرية نظراً إلى أنها تُنفق في مجالات ليس لها عائد يمكنها من خلاله سداد الأقساط والفوائد المترتبة على تلك القروض، وبالتالي على الدولة توجيه القروض إلى المشروعات الإنتاجية والاستثمارية حتى تستطيع أن تسدد ما عليها من التزامات تجاه الدائنين، ويكون لها عائد إيجابي من خلال خلق فرص عمل وزيادة الناتج المحلي الإجمالي وتنوعه وزيادة القيمة المضافة في المجتمع.
وفي 27 سبتمبر/أيلول الماضي، تحدث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن أن حجم الإنفاق على مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة بلغ 380 مليار جنيه (24.2 مليار دولار) خلال الـ7 سنوات الماضية. كما أشار إلى أنه خلال الـ6 أشهر الماضية فقط، تم إنشاء 22 كوبري في شرق القاهرة، بطول 400 كيلو.
ومؤخراً قرر السيسي إنشاء 15 كوبري بتكلفة 1.5 مليار جنيه كمرحلة أولى أعلى المجاري المائية لعبور المواطنين كبديل للعبارات التي تنقل المواطنين وإلغاء العبارات بشكل نهائي.
وشهد الاحتياطي الأجنبي للبلاد تراجعاً ملحوظاً، حيث بلغ 38.4 مليار دولار بنهاية سبتمبر/أيلول 2020، في مقابل 45 مليار دولار في فبراير/شباط 2020، أي تراجع بنحو 15%.
وكشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري (حكومي)، عن صعود معدل البطالة في سوق العمل المصرية، إلى 9.6% من إجمالي قوة العمل خلال الربع الثاني من 2020، ارتفاعاً من 7.7% في الربع الأول.
من جانبه قال أستاذ إدارة التغيير والتخطيط الاستراتيجي بمعهد كامبردج للدراسات الدولية، حسام الشاذلي، إن عدم إنعكاس تلك القروض على مسار الإصلاح الإقتصادي في مصر يبدو جليا، مشيراً إلى أن جذب الاستثمارات الأجنبية وارتفاع مستوى معيشة المواطن هما مؤشران رئيسيان يمكننا من خلالهما قياس مدى نجاح المنظومة الاقتصادية إلا أن هذا لم يحدث في مصر، في وقت يعيش نحو أكثر من 60% من المصريين تحت خط الفقر وفقا للبنك الدولي.
وأشار الشاذلي لـ"عربي بوست" إلى أنه لا يجب أن نتجاهل الاستثمارات عالية الخطورة التي تجذبها المنظومة الاقتصادية للسيسي فنجد على سبيل المثال مشروع الوحدة السكنية للشباب باستثمارات إماراتية قدرت بأكثر من 40 مليار دولار، وانتهت بإعلان إفلاس الشركة الإماراتية "أرابتك" وفروعها في مصر الشهر الماضي مع عدم تسلم وحدة بنائية واحدة من المشروع المزعوم.
وفي 30 سبتمبر الماضي، أعلنت شركة "أرابتك" القابضة، المدرجة بسوق دبي المالي، حل الشركة والتقدم بطلب للمحكمة المختصة لإعلان إفلاس الشركة وتصفيتها، وكان من المفترض أن يتسلم المصريون مساكنهم في نهاية العام الجاري.
إلى أي مدى تفاقمت تلك القروض؟ ومن يتحمل تلك الفواتير؟
ارتفع الدين المحلي في مصر إلى نحو 4.3 تريليونات جنيه في سبتمبر/أيلول 2019 ، ويعد اعتماد حكومة السيسي على الاقتراض المحلي أمراً سلبياً كونه يزاحم القطاع الخاص في الاقتراض من الجهاز المصرفي ما يؤدي إلى تراجع الاستثمارات المحلية الجديدة وعدم قدرة الاستثمارات القائمة على التوسع، ما يعني مزيداً من الركود الاقتصادي.
بينما ارتفع الدين الخارجي إلى نحو 111 مليار دولار في مارس/آذار، إلا أن مصر اقترضت من صندوق النقد الدولي نحو 8 مليارات دولار، بالإضافة إلى نحو 5 مليارات دولار من سوق السندات الدولية، وقروض أخرى من مؤسسات إقليمية ودولية، وهو ما يرفع قيمة الدين الخارجي لنحو 126 مليار دولار، ما يعني أن حجم الاقتراض الخارجي ارتفع بنحو 80 مليار دولار منذ عام 2013.
وفي ظل تراكم هذا الكمّ من الديون لا يستطيع صانع السياسة الاقتصادية تمويل قطاعات مهمة وضرورية مثل التعليم والصحة والبنية الأساسية؛ نظراً لأن فوائد الديون تمثل نحو 50% من إجمالي الإيرادات العامة، وبالتالي تظل النسبة الباقية عاجزة بشكل كبير عن تغطية بنود النفقات العامة، والتي تمثل احتياجات حتمية، مثل الأجور، والدعم، والسلع والخدمات الحكومية، ولا يتبقى للاستثمارات إلا ما قد يمثل نسبة من 8% إلى 10% من قيمة النفقات العامة، فيبدأ متخذ القرار في الاستدانة لسد العجز وهكذا.
وهذا ما أكده الصاوي، مشيراً إلى أن قيمة الأقساط السنوية التي تدفعها الدولة المصرية تبلغ نحو 555 مليار جنية (35.34 مليار دولار)، كما تدفع فوائد عنها بقرابة 569 مليار جنيه مصري (36.24 مليار دولار)، متوقعاً أن تلك الأرقام قابلة للزيادة خلال الفترة القادمة نظراً لأن الدولة ليس لديها برنامج للتوقف عن الاقتراض.
وأكد الصاوي أن الحكومة المصرية ستظل تسير نحو مزيد من القروض في ظل عدم وجود قيادة صحيحة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، مضيفاً أن فاتورة تلك القروض سيتحملها الجيل الحالي والقادم في ظل عجز الحكومة في تدبير موارد محلية أو جذب استثمارات أجنبية مباشرة ليتم الاستعاضة بها عن الديون الخارجية.
وأعلن البنك المركزي المصري منتصف الشهر الجاري طرح أذون خزانة "قروض قصيرة الأجل" بقيمة 21 مليار جنيه لصالح وزارة المالية بهدف سد عجز الموازنة العامة للدولة.
ونقلت صحيفة "البورصة" المحلية في وقت سابق من الشهر الجاري، عن مصادر حكومية، تأكيدها أن مصر تتجه لتوقيع اتفاقية الشريحة الأولى من قرض 500 مليون دولار بقيمة 250 مليون دولار مع وكالة اليابان للتعاون الدولي (جايكا)، قبل نهاية العام الجاري.
وتجري الحكومة أيضاً مباحثات مع الوكالة الفرنسية للتنمية للحصول على قرض بقيمة 150 مليون يورو (نحو 175 مليون دولار) على شريحتين، مع توقيع الاتفاقية في الربع الأول من عام 2021، وفقاً للصحيفة نفسها.
وأرجع الشاذلي أسباب سياسة الإقتراض التي باتت هي عصب النظام الحاكم في مصر، إلى غياب الرؤية الاقتصادية المتوازنة وعشوائية تحديد الأولويات حيث يذهب الجزء الأكبر من القروض لمشاريع التسليح وبناء العاصمة الإدارية ومشاريع البنية التحتية غير ذات الاولوية.
بالإضافة إلى غياب المشاريع الصناعية ومشاريع ربط التكنولوجيا بالإنتاج والمشاريع الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة من على الخريطة الاستراتيجية للمنظومة الاقتصادية المصرية، مما ينذر بتفاقم حالة الفقر وتدني مستوى جودة الحياة والمعيشة ومستوى الخدمات الأساسية للمواطنين كالصحة والتعليم والأمن الغذائي وغيرها.
ونوه الشاذلي إلى أن أكثر من 90% من تلك القروض تأتي ضمن القروض طويلة الأجل، ما يجعل تبعات تلك القروض وأخطارها تقع على عاتق أجيال قادمة من المصريين.
ما هو تأثير تراجع المستوى المعيشي على عجلة التنمية في مصر؟
وعلى الرغم من هذا الارتفاع في حجم الدين إلا أن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء كشف في بيانه الجديد الصادر في 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مدى تدني المستوى المعيشي للأسر المصرية، حيث قال إن "50% من الأسر تلجأ إلى الاستلاف من الآخرين لسد نفقاتها واحتياجاتها، وتلجأ إلى الاعتماد على أرخص أنواع الأغذية، وتخفيض استهلاكها من اللحوم والطيور والأسماك" في مواجهة أثار أزمة كورونا.
وخلال السنوات الأربع السابقة خفض مصريون من الطبقة المتوسطة إجمالي نفقاتهم الشهرية، عقب إجراءات قاسية اتخذتها الحكومة، ومنها رفع الدعم وزيادة فواتير الكهرباء والغاز والمياه وأسعار المحروقات وخدمات النقل.
واعتبر الصاوي أن تراجع مستوى المعيشة للأسر المصرية سيؤدي إلى تراجع مستويات التعليم فيها ومستوى الرعاية الصحية نظراً لارتفاع معدلات الفقر وعدم حصول هذه الأسر على ما يلزمها من رعاية حقيقية، ما يعني أن الافراد الذين ينتمون إلى تلك الأسر لن يكون لديهم المستوى الكافي من التعليم أو الرعاية الصحية، وبالتالي عند التحاقهم بسوق العمل سيكونون في إطار العمالة غير الماهرة أو الشبه ماهرة وبذلك تكون إضافتهم للاقتصاد المصري ضعيفة.
كما أن انخفاض المستوى المعيشي للأسر يؤدي بلا شك إلى انعدام مستويات الادخار لديها بشكل كبير وهو ما نلمسه في مستويات الادخار القومي لمصر والتي تصل أحياناً إلى 9% في أحسن أحوالها، ما يؤثر بالسلب على التنمية بشكل كبير لأن انخفاض معدل الادخار يؤدي إلى انخفاض معدل الاستثمار وإلى حاجة الدولة إلى تمويل احتياجاتها للمشروعات العامة بالاقتراض سواء من السوق المحلي أو الخارجي.
وبحسب تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "الإسكوا" في يونيو/حزيران 2020، فإن معدل الفقر بالدول العربية سيرتفع إلى 32.4% في عام 2020، وسيصل عدد الفقراء في الوطن العربي خلال عام 2021 إلى حوالي 116 مليون نسمة يقيم أكثر من 80% منهم في مصر، اليمن، سوريا والسودان.