من السودان إلى فندق “بارك إن” الأسكتلندي.. القصة المأساوية لطالب لجوء عادي تحول إلى قاتل

عربي بوست
تم النشر: 2020/10/21 الساعة 08:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/21 الساعة 12:29 بتوقيت غرينتش
اللاجئ السوداني بدر الدين عبدالله آدم، مواقع التواصل

في الجمعة الأخيرة من يونيو/حزيران، في ساعة الظهيرة، غادر بدر الدين عبدالله آدم غرفته بفندق "بارك إن" في مدينة غلاسغو الأسكتلندية، وسار إلى الاستقبال، وطعن ستة أشخاص. وُضع طالب اللجوء القادم من السودان، البالغ من العمر 28 عاماً، في الفندق ضمن استجابة طارئة من الحكومة البريطانية لجائحة فيروس كورونا. طعن الرجل وتسبب في جروحٍ خطيرة لثلاثة مقيمين آخرين بالفندق، واثنين من طاقم العمل، وشرطي وصل إلى موقع الحادث. وأرداه ضباط الشرطة المسلحون قتيلاً بعدها بفترة وجيزة.

تقول صحيفة The Guardian البريطانية إن هذه الواقعة حدثت بينما كانت أسكتلندا ما زالت تحت إغلاق صارم، ونقلتها في البداية بعض المنابر الإعلامية باعتبارها هجوماً إرهابياً محتملاً، غير أن الشرطة نفت هذا التفسير لاحقاً. وسرعان ما انكب النشطاء اليمينيون على هذه الواقعة ليزعموا أن أسكتلندا مهددة بسبب تدفق المهاجرين "غير الشرعيين".

بدر الدين عبدالله آدم، مواقع التواصل

وضع مزرٍ يعيشه طالبو اللجوء في المملكة المتحدة

لكن واقعة بارك وإن سلطت الأضواء على الوضع المزري الذي يقع فيه طالبو اللجوء في المملكة المتحدة، فإن الحكومة تقترح إجراءات أكثر صرامة لردعهم. آدم واحد من ثلاثة طالبين للجوء ماتوا في غلاسغو منذ بدء الجائحة، في سلسلة من الأحداث التي هزت المدينة وجعلت النشطاء والسياسيين يطالبون بتحقيق عام.

يقول "ب" لاجئ سوري عمره 30 عاماً تحدث إلى مجلة الأوبزرفر بشرط عدم ذكر اسمه، إنه بحلول نهاية مارس/آذار كان واحد من بضع مئات من طالبي اللجوء في غلاسغو، سمعوا طرقاتٍ مفاجئة على أبوابهم. أُرسل ب. إلى أكبر مدينة في أسكتلندا بعد أن وصل إلى المملكة المتحدة في الخريف السابق. 

تستضيف غلاسغو نحو 10% من 35 ألف شخصٍ يطلبون اللجوء في المملكة المتحدة كل عام، بموجب سياسة جديدة معروفة باسم "التفريق". ومثل الآخرين ممن وصلوا مؤخراً إلى بريطانيا، كان ب. يعيش في شقة صغيرة خاصة به لها غرفتان في نُزل. وكان له حمامه الخاص ويتمتع بالخصوصية.

لكنه وجد ذات يوم على الباب موظفاً من مجموعة Mears المتعاقدة مع وزارة الداخلية البريطانية، وتُدير تسكين طالبي اللجوء في غلاسغو. قال ب. للأوبزرفر: "لقد قال لي (عليك أن تجهز نفسك، سننقلك إلى فندقٍ بسبب فيروس كورونا)". وفي أنحاء المدينة، كان مئات آخرون يتلقون مكالمات ودعوات شبيهة، إذ نقلت Mears نحو 350 طالب لجوء، أغلبهم من الواصلين الجدد الذين يعيشون في أماكن سكن مؤقتة، إلى ستة فنادق. وأُخطر البرلمان في جلسة استماع في يونيو/حزيران أن الكثير منهم لم يتلقوا أي رعاية أو ملاحظة، ومن بينهم نساء حوامل وناجون من الاتجار والتعذيب.

"وجدت أمامي وضعاً مروعاً"

نظرياً، كان مبرر ذلك القرار هو الحفاظ على أمن وسلامة الناس في أثناء الجائحة. لكن ب. يقول إنه حين وصل إلى محل إقامته الجديدـ الذي يقدم غرفة مع الإفطار، وجد "وضعاً مروعاً". أُلقي أكثر من مئة شخص في هذا المكان بصورة مفاجئة ليعيشوا مع بعضهم بعضاً، يتشاركون الغسالات ويصطفون من أجل الحصول على الوجبات. وقبل نقلهم إلى هذا المكان، أغلبهم كان يتلقى إعانة اللجوء التي قدرها 37.5 جنيه إسترليني في الأسبوع، لكن وزارة الداخلية أوقفت هذه الإعانة لأن المكان يوفر لهم الطعام.

في إبريل/نيسان، زاد عدد المقيمين بالفندق إلى أكثر من 500، مع استمرار إرسال طالبي اللجوء إلى غلاسغو. ج.، شاب إيراني وصل إلى المدينة في إبريل/نيسان، قال للأوبزرفر بشرط عدم ذكر اسمه بأنه شعر بالارتياح في البداية لأنه وجد مكاناً آمناً بعد أن خاض رحلة "مؤلمة" إلى المملكة المتحدة. لكنه سرعان ما بدأ يشعر أن مكان الإقامة أشبه بـ"سجنٍ حسن المظهر". وقال ج. وب. إن الطعام كان يصل أحياناً غير مطهي جيداً، وهذا أدى إلى احتجاجات من المقيمين. وقال متحدث باسم شركة Mears للأوبزرفر إن الوجبات تُعد حسب التوجيهات الغذائية لهيئة الخدمات الصحية الوطنية.

انهيار طالبي اللجوء

لكن وفقاً لطالبي اللجوء اللذين تحدثا إلى الأوبزرفر، الخوف والضبابية بسبب هذا الموقف الجديد بدأت تؤثر على الصحة العقلية للمقيمين. قال ب. إن بعض أصدقائه تذكروا تجارب اعتقالهم، إما في الدول التي هربوا منها وإما في رحلتهم الشاقة إلى المملكة المتحدة. ويقول جاك ماكلويد، 21 عاماً، وعمل لعدة أشهر في تقديم الطعام إلى المقيمين بالفنادق الستة: "يمكنك أن تراهم ينهارون أمامك". وكان بالمكان مديرون للتسكين والرفاه، من موظفي Mears، لكن العديد من طالبي اللجوء الذين تحدث إليهم ماكلويد كانوا يشعرون بأنهم وحدهم تماماً.

تعرض العديد من طالبي اللجوء لانتهاكات قبل وصولهم إلى بريطانيا، وتحدثت الأوبزرفر إلى عددٍ من الأشخاص الذين عملوا مع اللاجئين في غلاسغو، ووصفوا كيف أن الأوضاع في الفندق زادت من حدة الصدمات النفسية الموجودة عند هؤلاء. ديلان فتوحي، ناشط مقيم بغلاسغو ويساعد في تنظيم توزيع الأغذية في أثناء الإغلاق، وأسس منذ ذلك الحين جمعية "لاجئون من أجل العدالة". قال: "اعتدنا سماعهم يعبرون عن أفكارهم الانتحارية". وقال المتحدث باسم Mears إن جميع المقيمين بالفندق متاحٌ لهم دعم الصحة العقلية من خلال فريقٍ مخصص تابع للخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا. لكن في أثناء الإغلاق الذي تسببت فيه جائحة فيروس كورونا، تعثر عمل الفريق بسبب نقل بعض هؤلاء العاملين إلى المستشفيات لمواجهة فيروس كورونا.

المأساة تتكرر

في الخامس من مايو/أيار، عُثِر على عدنان علبه، سوري يبلغ من العمر 30 عاماً، ميتاً في غرفته بمنزل الضيافة McLays، أحد الفنادق الستة. وفقاً لأصدقائه، اعتُقل علبه وتعرض للتعذيب في ليبيا أثناء رحلته إلى أوروبا، وكان يعاني من إلحاح التجربة البشعة على ذاكرته. استجابةً لذلك، أرسل مجلس اللاجئين الأسكتلندي، وهي منظمة خيرية رائدة في مجال اللاجئين في أسكتلندا، رسالة إلى وزارة الداخلية البريطانية تطالب باتخاذ تحركات عاجلة "لتقليل مخاطر حدوث مأساة أخرى" في الفنادق. ولم تتلق الجمعية أي رد. واطلعت مجلة الأوبزرفر على نسخة من الرسالة بتاريخ 14 مايو/أيار، لكن متحدثًا باسم وزارة الداخلية نفى أن تكون الوزارة قد تلقت الرسالة.

ثم جاءت واقعة الطعن في يونيو/حزيران، بعد ستة أسابيع من موت علبه، ليبدأ حينها نقل بعض الأشخاص من الفنادق: تم إغلاق بارك إن بعد الواقعة بمدة قصيرة، وأعيد تسكين الكثير من المقيمين فيه في شقق. لكن لماذا رأت وزارة الداخلية والشركة المتعاقدة أنه من الضروري وضع كل هذا العدد من الناس في مكانٍ واحد؟

في تصريحات عامة، قالت Mears إن الأسباب كان بعضها متعلقاً بالصحة والسلامة، فتسكين عددٍ كبير من الأشخاص مع بعضهم يقلل من عدد الرحلات التي يتعين على الموظفين قطعها في أثناء الإغلاق، ويسهل على العاملين الصحيين زيارة طالبي اللجوء.

تحميل المزيد