قرار الحكومة الإسرائيلية بناء آلاف من الوحدات السكنية الجديدة في الضفة الغربية المحتلة، بالتزامن مع تصديق الكنيست على اتفاق التطبيع مع الإمارات، هو بمثابة "دس بنيامين نتنياهو إصبعه في أعين أصدقائه الجدد في الخليج"، وهذا توصيف منظمة إسرائيلية للقرار، فماذا عن رأي عرّابي التطبيع؟
اجتماعات متوقفة منذ 8 أشهر
في البداية لابد من الإشارة إلى أن مجلس التخطيط الأعلى في الإدارة المدنية، وهو لجنة تمتلك جميع صلاحيات التخطيط الاستيطاني بالضفة الغربية المحتلة، اجتمع وصدَّق على بناء أكثر من 4000 وحدة سكنية جديدة وحصل القرار على موافقة الكنيست بالفعل، وسيتم التنفيذ على مراحل.
اجتماعات مجلس التخطيط الأعلى كانت متوقفة منذ 8 أشهر، ولم يتم الاجتماع الأخير إلا بعد حصول المجلس على موافقة نتنياهو، واللافت هنا أن الكنيست صدق على القرار في اجتماعه الأربعاء 13 أكتوبر/تشرين الأول، فيما خُصصت إحدى الجلسات في اليوم التالي- أي الخميس- لمناقشة اتفاق التطبيع مع الإمارات والتصديق عليه.
بناء وحدات جديدة في المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية المحتلة كان متوقفاً، بسبب الجدل السياسي في إسرائيل وفشل نتنياهو في الحصول على أغلبية برلمانية تمكِّنه من تشكيل الحكومة خلال ثلاثة انتخابات عامة في أقل من عام، وفي النهاية اضطر إلى تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب أزرق أبيض، وكان من المفترض ألا يتم اتخاذ قرارات كالتي تم اتخاذها دون توافق داخل الائتلاف الحاكم، وهو ما يبدو أنه لم يحدث.
ضم بحكم الأمر الواقع
منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية غير الحكومية المعارضة للاستيطان انتقدت قرار بناء الوحدات وقالت: "قبيل الموافقة على اتفاق السلام مع الإمارات في الكنيست (البرلمان)، يدس نتنياهو إصبعه في أعين أصدقائه الجدد بالخليج"، وتابعت وفق ما نقلته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية: "دفع (بناء) آلاف الوحدات (الاستيطانية) في عمق الضفة الغربية هو بمثابة ضم بحكم الأمر الواقع".
الأردن كان الدولة العربية الوحيدة التي انتقدت القرار الإسرائيلي بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، داعياً إلى ضغط دولي لوقف الاستيطان، وذلك عبر بيان للمتحدث باسم الخارجية الأردنية، ضيف الله الفايز، وصف فيه الخطوة الإسرائيلية بأنها "أحادية، لا قانونية، تقوض فرص حل الدولتين".
وشدد على "ضرورة وقف الممارسات الاستيطانية كافة، سواء كان بناؤها أو توسعتها أو مصادرة الأراضي، وفقاً لالتزامات إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال"، داعياً المجتمع الدولي إلى اتخاذ مواقف "حاسمة"، للضغط على إسرائيل "لوقف ممارساتها التي تقوض جهود السلام وفرصه".
وبالطبع لم يصدر أي تعليق رسمي أو حتى إعلامي من الإمارات بشأن استئناف بناء المستوطنات في الضفة الغربية بعد شهر واحد من توقيع اتفاق التطبيع بين البلدين والذي برره المسؤولون في الإمارات وعلى رأسهم ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، بأنه "نجاح للدبلوماسية الإماراتية في منع ضم أراضي الضفة الغربية" في إطار صفقة القرن.
وكان هذا المبرر هو السلاح الذي شهره المدافعون عن التطبيع في وجه المنتقدين له، رغم أن نتنياهو قال عشية الإعلان عن اتفاق التطبيع، إن إسرائيل لم تتراجع عن الضم وإنه ما زال على الطاولة، لتخرج حجة المدافعين بأنه تم تعليقه لأجل غير مسمى.
كيف قوَّى التطبيع من موقف نتنياهو؟
لكن الواضح أن كون قرار توسيع المستوطنات في الضفة الغربية يعتبر رسالة لا تحتمل التأويل من نتنياهو للمطبّعين الجدد بأنه لا وزن لهم من الأساس، وأن رئيس الوزراء المتهم بالفساد واستغلال السلطة والرشوة يفعل ما يريده، لم تجد من يستمع إليها في أبوظبي أو المنامة ولا حتى في الرياض.
ففي اليوم نفسه وفي مؤتمر صحفي عقده وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان، في الرياض، مع انطلاق الحوار الاستراتيجي بين البلدين، أعرب بومبيو عن شكره للمملكة على ما قدمته في سبيل "إنجاح الاتفاقات الإبراهيمية"، في إشارة إلى اتفاقات تطبيع الإمارات والبحرين مع إسرائيل.
بومبيو قال أيضاً إن بلاده تأمل أن تنظر السعودية في "تطبيع علاقاتها مع إسرائيل"، داعياً الرياض إلى "تشجيع الفلسطينيين للعودة إلى طاولة الحوار والمفاوضات مع إسرائيل"، وهذه الدعوة في حد ذاتها تدعو إلى الدهشة، فماذا سيفعل الفلسطينيون على طاولة الحوار إذا كانت إسرائيل تواصل ضم الأراضي المحتلة بالفعل؟
لكن كثيراً من المراقبين يرون أن اتفاقيات التطبيع التي وقعتها الإمارات والبحرين مع إسرائيل بالبيت الأبيض، في 15 سبتمبر/ أيلول الماضي، كانت أحد الأسباب وراء إقدام نتنياهو على استئناف بناء المستوطنات في الضفة الغربية بعد أن كان ذلك متوقفاً، بسبب الضغوط الداخلية والخارجية.
فنتنياهو الآن يريد أن يستثمر شعبيته ليس فقط بين اليمين المتطرف والمستوطنين والأحزاب الدينية، بل أيضاً بين أنصار اليسار من الإسرائيليين، عن طريق تأكيد أنه الوحيد القادر على بناء المستوطنات وضم مزيد من أراضي الضفة الغربية، وفي الوقت نفسه توقيع اتفاقيات تطبيع مع الدول العربية تجني من ورائها إسرائيل مليارات الدولارات في صورة استثمارات بجميع المجالات.
وفي ظل عدم وجود أي رد فعل عربي ولو في صورة تصريحات مستنكِرة للاستيطان، تكون رسالة نتنياهو، المحاصَر بالمظاهرات اليومية المطالبة باستقالته، قد حققت الهدف منها، ويظل مدى نجاحه في ذلك رهناً بالداخل الإسرائيلي نفسه بعد أن ضمن مساندة أصدقائه الجدد من المطبّعين العرب على طول الخط.