منذ رفض فلسطين تولي رئاسة الدورة الحالية لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، اعتذرت 5 دول أخرى والبحث عن رئيس ما زال مستمراً، فهل حان وقت إعلان وفاة الكيان الذي لم يعد له دور ولا حتى من ناحية الشكل؟
لماذا اعتذرت فلسطين؟
كانت فلسطين ترأس الدورة الحالية (رقم 154) لجامعة الدول العربية، لكنها تخلت عن حقها في ذلك بعد أن أسقطت الجامعة في 9 سبتمبر/أيلول الماضي، قراراً قدمته في اجتماع وزراء الخارجية يدين اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل.
مشروع القرار الفلسطيني الذي تم إسقاطه أو رفضه جاء منطلقاً من شعار "الأرض مقابل السلام" الذي تبنته الجامعة العربية بالإجماع من قبل، وهو مبادرة سعودية بالأساس قدمها الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، وعرفت باسم المبادرة العربية لتسوية الصراع بين إسرائيل وفلسطين، وهي ببساطة ترهن تطبيع العلاقات بين الدولة العبرية والدول العربية بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، سواء القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة أو هضبة الجولان السورية.
وبالتالي فإن ما أقدمت عليه الإمارات والبحرين بتوقيع اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، يوم 15 سبتمبر/أيلول الماضي، هو مخالفة صريحة وانتهاك واضح للإجماع العربي في ذلك الملف، ومن ثم جاء مشروع القرار الذي قدمته فلسطين لوزراء الخارجية العرب في الدورة الحالية لجامعة الدول العربية، مطالباً بإدانة التطبيع الإماراتي والبحريني ممثلاً للحد الأدنى من دور الجامعة في اتخاذ مواقف تعبر عن رفض الاستهانة بالثوابت المتفق عليها.
أي دول أخرى اعتذرت؟
وبعد إسقاط قرار إدانة التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، قال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي إن "تخلي فلسطين عن حقها في ترؤس مجلس الجامعة العربية في دورتها الحالية، جاء بعد اتخاذ الأمانة العامة للجامعة موقفاً داعماً للإمارات والبحرين، اللتين عقدتا اتفاقاً مع إسرائيل".
وأضاف المالكي وقتها في مؤتمر صحفي أن بعض "الدول العربية المتنفذة رفضت إدانة الخروج عن مبادرة السلام العربية، وبالتالي لن تأخذ الجامعة قراراً في الوقت المنظور، لصالح إدانة الخروج عن قراراتها".
وطبقاً للترتيب الأبجدي، كان الدور على قطر لتحل محل فلسطين في رئاسة الدورة الحالية، لكن يوم 25 سبتمبر/أيلول الماضي، قالت المندوبة العامة القطرية لدى الجامعة العربية، في رسالة لإدارتها: "نعتذر عن استكمال الدورة المذكورة، التي تخلت عنها دولة فلسطين، مع التمسك بحق قطر في الرئاسة المقبلة للدورة الـ155 مارس/آذار 2021″، وفق إعلام محلي قطري.
وبعد ذلك بخمسة أيام، قالت مصادر إعلامية إن الكويت اعتذرت عن تسلم رئاسة الدورة الحالية لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، بحسب وكالة الأناضول، وهو موقف مفهوم في إطار الموقف المعلن للكويت، التي أكدت التزامها بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ودعم خياراته، وتأييدها لكافة الجهود الهادفة إلى الوصول إلى حل عادل وشامل، يضمن إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
وشدد مجلس الوزراء الكويتي، في بيان صحفي قبل أيام من الاعتذار، على أن القضية الفلسطينية مركزية، باعتبارها "قضية العرب والمسلمين الأولى"، وعلى الرغم من عدم التطرق لاتفاقات التطبيع التي تم توقيعها بالفعل، فإن اعتذار الكويت عن تولي رئاسة الجامعة العربية في هذا التوقيت رسالة لا تحتاج لتفسير.
وفي السادس من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، انضمت ليبيا للدول الرافضة لتولي رئاسة الدورة الحالية خلفاً لفلسطين، ووفق بيان للمتحدث باسم الخارجية الليبية محمد القبلاوي، أبلغ صالح الشماخي المندوب الليبي بالجامعة العربية، أمانتها العامة، اعتذار بلاده عن رئاسة الدورة الحالية للمجلس، مضيفاً "ليبيا تتطلع لرئاسة مجلس الجامعة في ظروف أفضل، وتتمسك بحقها في الرئاسة وفقاً للنظام الداخلي، وحسب الترتيب المعمول به".
وإضافة إلى فلسطين وقطر والكويت وليبيا، ذكرت وسائل إعلام أن كلاً من جزر القمر ولبنان رفضتا كذلك تولي رئاسة دورة مجلس الجامعة، لكن لم تصدر بيانات رسمية توضح تاريخ الاعتذار أو أسبابه.
موقف غير مسبوق
هذه هي المرة الأولى التي تعتذر فيها 6 دول من أعضاء جامعة الدول العربية عن تولي رئاسة إحدى دوراتها، وذلك منذ الإعلان عن تأسيسها في سبتمبر/أيلول عام 1944، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن هل حان الوقت لإطلاق رصاصة الرحمة على الكيان الذي أصبح مثاراً للسخرية من جانب الشعوب العربية.
لكن الاعتذار في حد ذاته ليس سابقة وإن كان لظروف مختلفة، فقد سبق لليمن أن اعتذر في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016، عن استضافة وترؤس القمة الـ28 لجامعة الدول العربية، بسبب سوء الأوضاع الميدانية والسياسية فيها، وانعقدت في الأردن وفقاً لأحقيتها بذلك حسب الأحرف الأبجدية.
كما اعتذر المغرب في 19 فبراير/شباط 2016، عن عدم استضافة القمة العربية، التي كانت مقررة خلال أبريل/ نيسان من ذات العام بمدينة مراكش (غرب)، وقالت وزارة الخارجية المغربية وقتها إن القرار "تم اتخاذه بناء على المشاورات التي تم إجراؤها مع عدد من الدول العربية الشقيقة"، وأضافت أنه "نظراً للتحديات التي يواجهها العالم العربي اليوم (في حينه)، فإن القمة العربية لا يمكن أن تشكل غاية في حد ذاتها، أو أن تتحول إلى مجرد اجتماع مناسباتي".
هل حان وقت رصاصة الرحمة؟
وبحسب خبراء ومحللين، فإن اعتذار هذه الدول الست كسابقة، يؤشر إلى عجز الجامعة عن التصدي للخلافات والمشاكل المزمنة، وفشلها في القيام بدورها، واتخاذ قرارات تحوز توافق أغلب الدول الأعضاء، وهو ما يعني أن وجودها ذاته أصبح بلا معنى.
وبعد الإعلان عن اعتذار ليبيا، تحولت الجامعة العربية إلى مادة للسخرية والتهكم على منصات التواصل الاجتماعي، وانتشرت رسوم كاريكاتيرية ساخرة ودعوات لإعلان وفاة الكيان الذي أصبح عاجزاً بتلك الصورة.
ولم يتوقف الأمر عند كثير من المغردين العرب، بل دخل على الخط الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين، لكنه لم يدعُ إلى إعلان وفاة الجامعة، بل طالب بأن تتولى إسرائيل رئاستها، بعد أن زعم أن بريطانيا هي من أسست الجامعة!
"إسرائيل هي الحل، وهي المخلص، وهي الرئيس لهذه الجامعة التي أسسها الإنجليز في خضم الحرب العالمية الثانية عام 1944 لتكون البديل للخلافة الإسلامية، وتكون داعمة للحلفاء ضد النازية والفاشية".