لسنوات استطاع النظام المصري، القادم في أعقاب أزمة صيف 2013، "تطويق" دعوات جماعة الإخوان، الأكثر تنظيماً في البلاد، و"إحباط" أي مسار للخروج في مظاهرات معارضة، معتمداً على 9 "تكتيكات"، أبرزها التوقيفات والحبس الاحتياطي والانتشار الأمني.
وعقب الإطاحة بالرئيس الأسبق الراحل، محمد مرسي، في 3 يوليو/ تموز 2013، عرفت مصر مظاهرات مؤيدة ومعارضة لهذه الخطوة، مع استمرار الأخيرة بقيادة الإخوان عبر الدعوة للاحتجاج أسبوعياً، قبل أن "تُطوق" بمواجهات أمنية وقضائية، وتكاد تكون تلاشت حالياً، مع دعوات للاحتجاج شبه سنوية من رافضين للنظام، تذهب هي الأخرى في دائرة عدم القدرة على الحشد.
وفي 20 سبتمبر/ أيلول 2020، انطلق احتجاج محدود بقرى مصرية ضد النظام، بدعوة تكررت للعام الثاني من محمد علي، وهو مقاول معارض متواجد خارج البلاد، قبل أن يدعو "علي" لمواصلة الاحتجاج كل ليلة، وسط انتشار أمني كبير تلاشت إثره قدرة الفعاليات المعارضة في الظهور بالميادين الرئيسية.
بينما استطاع النظام ومؤيدوه حشد أعداد كبيرة في ليلة واحدة، الجمعة الماضي، مع احتفاء مبكر بنصر حرب أكتوبر/ تشرين أول 1973 ضد إسرائيل، عبر احتفالات في أغلب محافظات مصر، أحياها مطربون مشهورون، بمشاركة آلاف، مع تغطية إعلامية واسعة.
ووفق رصد وتقديرات مراقبين، نفذ نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، الحاكم منذ 2014 والذي كان وزيراً للدفاع حين أعلن قرار الإطاحة بمرسي، "تكتيكات" عديدة لتحجيم التظاهر ضده، وصولاً لتلاشيه و"إخماده"، ضمن ما يراه مؤيدون "حرصاً على استقرار البلاد"، ويعتبره معارضون "مساساً بالحريات وحقوق الإنسان".
ولم يستطع معارضون، في القلب منهم الإخوان، ترجمة كلمات حركاتهم وشعاراتهم إلى تكتل يمثل "رقماً في معادلة تغيير"، لاسيما مع "انطفاء" جذوة دعواتهم إلى الحراك بالداخل، واكتفائهم بتصعيد من الخارج، عبر وسائل إعلام ومنصات التواصل، بشكل سنوي يمثل "تنفيثاً" لمصريين غاضبين، من دون أن يتحول لمشهد "تغيير" حقيقي.
وعادة ما يرى تكتل المعارضة في الخارج، مع تقبل نظيره في الداخل التعايش مع النظام، أن الأزمة ليست لديه ولا بدعواته، ويعتقد أن القيود المفروضة داخل مصر هي التي تحول دون مشاركة الملايين في احتجاجات.
ووفق رصد الأناضول وتقديرات مراقبين، فإن النظام المصري استطاع فرض "تكتيكات" أمام دعوة 20 سبتمبر/ أيلول الأخيرة تعد امتداداً لأخرى تكررت في السنوات السبع الماضية.
وتتمثل محاور "إخماد" النظام للدعوات الاحتجاجية، لاسيما الأخيرة، ضده، على النحو التالي:
1- قانون التظاهر
إحدى أهم الأدوات هي تمسك النظام الدائم بورقة قانونية مهمة، وهي عدم خرق قانون التظاهر، الذي تم إقراره في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، ويرى معارضون وناشطون حقوقيون أنه يفرض "قيوداً"، بينما يعتبر المقربون من السلطة أنه "يحقق استقراراً يحول دون الذهاب لفوضى".
والرسالة المباشرة من التمسك المتكرر بتطبيقه هي أن من يخرق هذا السياق القانوني للتظاهر سيقع في قبضة الأمن والتحقيقات القضائية. وهذا مصدر "قلق" لمعارضين داخل مصر، حرصوا، وفق ما نقلته تدوينات وتغريدات، على الدعوة إلى الحذر أثناء المشاركة في أي احتجاج.
2- التوقيفات
أبرز المحاور التي تبنى على ورقة قانون التظاهر، وتتجلى في ظهور دعوات عبر منصات التواصل من معارضين من داخل مصر إلى رفض دعوة الاحتجاج الأخيرة، خشية أن تكون سبباً في زيادة الموقوفين، كما حدث في دعوة محمد علي، العام الماضي، مع توقيف المئات.
وبالفعل، ورغم أن الفعاليات الأخيرة كانت في قرى وليس ميادين رئيسية وبعيدة عن الانتشار الأمني قليلاً، إلا أنها خلفت موقوفين أيضاً.
وفي 27 سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت النيابة المصرية، في بيان، إخلاء سبيل 68 طفلاً من المتهمين في قضية مرتبطة بـ"أحداث شغب"، مع التحقيق مع آخرين لم تذكر عددهم. بينما تحدثت منظمات حقوقية غير حكومية خارج مصر عن توقيف مئات.
وعلى مدار السبع سنوات الأخيرة، تعد التوقيفات أبرز تكتيكات "إخماد" الاحتجاجات، إذ توجد المئات من القضايا في مصر تتركز على توقيفات جاءت بعد خروقات لقانون التظاهر، تحول بعضها، بحسب أوراق قضايا، لمواجهات وقتلى ومصابين.
لا يوجد إحصاء رسمي بعدد الموقوفين جراء المظاهرات، غير أن تقديرات غير رسمية تعتبرهم بالآلاف في قضايا "مُلفقة"، مقابل إصرار رسمي على رفض وصف الموقوفين بأنهم "سياسيون"، بل "جنائيون متهمون في قضايا إرهاب وخرق للقانون ويُحاكمون أمام قضاء نزيه ومستقل"، وفق السلطة.
3- تمديد الحبس الاحتياطي
تمديد فترات الحبس الاحتياطي، الذي برز خلال السنوات الأخيرة، كان لافتاً في قضايا مرتبطة بمظاهرات أيضاً، وكان بمثابة "صدمة" لمعارضين وحقوقيين، إذ كان يتجاوز أحياناً الفترة الأقصى وهي عامان، مع إمكانية إحالة المتهم فور إخلاء سبيله إلى قضية أخرى.
وقضية الصحفي، محمود حسين، المحبوس احتياطياً منذ 2016 في مصر، هي أبرز مثال، وهو ما جعل الحبس الاحتياطي، وفق حقوقيين، "سيفاً مسلطاً على أي معارض للنظام"، وبات ورقة قانونية، مثل قانون خرق التظاهر، لدى السلطة، تُستخدم لتحجيم أي احتجاج، بحسب ما يراه معارضون وتنفيه السلطات القضائية.
4- الانتشار الأمني
مع كل دعوة إلى احتجاج، لاسيما في السنوات الأخيرة، كان الانتشار الأمني هو إحدى أوراق النظام المهمة لضبط إيقاع الشارع، فيما يراه المؤيدون تأكيداً لـ"فرض الهيبة والاستقرار والأمن"، ويعتبره المعارضون "ترهيباً كبيراً".
ومع الانتشار الكبير لقوات الشرطة بمختلف محافظات مصر، كان المردود اللافت في الدعوة الأخيرة للاحتجاج هو خلو الميادين الرئيسية والاحتجاج في القرى، التي عادة لا تشهد انتشاراً أمنياً كبيراً كالمدن.
5- الحشود والاحتفالات
عنصر مهم في أدوات النظام المصري لفرض ما يراه "استقراراً في البلاد"، ويعتبره معارضوه "قمعاً لهم وإهداراً لفرص متساوية في الخروج للميادين".
وشهد الجمعة الماضي إقامة احتفالات بنصر أكتوبر/ تشرين الأول 1973 مبكراً عن موعدها بأيام، وبالتزامن مع دعوات للخروج في احتجاج، فأخذت الأولى رعاية النظام في ميادين رئيسية وتأميناً أمنياً واسعاً، وحضوراً كبيراً من مؤيدين للنظام، مع تغطية إعلامية لافتة.
وغالباً ما يركز النظام حالياً على فعاليات أغلبها مرتبطة بمناسبات وطنية للحشد، على خلاف سنوات الحشد والحشد المقابل التي تلت صيف 2013.
6- التجاهل والهجوم
لا يركز إعلام النظام المصري في استراتيجيته على لفت الأنظار إلى دعوات الاحتجاج ضده، إذ يميل إلى التجاهل، مع تصعيد الهجوم بطريقة متوالية ومتصاعدة حال استشعر تغيراً بقواعد المشهد.
وأحياناً تنتظر وسائل إعلام معارضة لتسلط الضوء على أي هجوم أو التقليل من دعواتهم في الإعلام الرسمي أو الموالي للسلطة، في محاولة لنيل شرعية الاعتراف بوجود حراك مناهض.
وذلك المحور لجأ إليه النظام المصري، في السنوات القليلة الأخيرة، مع بسط نفوذه في البلاد، وبات صوت الاحتجاج من الداخل أقل حدة من عام 2013 وما تلاه.
7- معارك "الهاشتاغات"
يستند النظام المصري، ضمن محاور تعامله مع دعوات الاحتجاج، إلى خوض معارك منصات التواصل و"الهاشتاغات" (الوسوم)، لفرض وجهة نظره في الفضاء الإلكتروني، خشية سيطرة الفريق المعارض، وتأكيد أي نفوذ.
وقبيل 20 سبتمبر/ أيلول الماضي، ظهر تنافس محموم بين "الهاشتاغات" المؤيدة والمعارضة للنظام، وسعى كل فريق للوصول إلى الوسم الأعلى تفاعلاً في "تويتر".
وتباينت نتائج المعارك الفضائية، فتارة يستحوذ "هاشتاغ" المعارضة على "الترند"، وتارة أخرى "يسيطر" مناصرون للنظام، في جولات تكون نتائجها استهلاكاً لأوقات وتفريغاً لطاقات غضب أو إثارتها.
8- دعم داخلي وخارجي
أبرز المحاور التي يستند إليها النظام المصري، هي أن لديه، وفق مراقبين، تأكيداً بوجود دعم "داخلي وخارجي"، وبالتالي لن تهزه "دعوات لا تزال تبدو محدودة، ولا تشكل خطراً عليه، ولم تحسم تربيطات داخل منظومة النظام تمكنها من تحقيق أي أهداف".
ومع كل دعوة للاحتجاج تستنفر مؤسسات وقوى مؤيدة للنظام في دعمه، وأبرزها كان انتقاد مشيخة الأزهر لما اعتبرتها دعوات "هدامة"، والتحذير من الاستجابة لها، بالتزامن مع احتجاجات محدودة بالقرى.
ووفق مراقبين، لا يزال النظام المصري يمتلك دعماً خارجياً، لاسيما من دول كبرى، بينها الولايات المتحدة وروسيا والصين بخلاف إسرائيل، وهو ما يفوت فرصة أن يكون هناك "تغيير جذري حقيقي"، أو يجهض أي تفكير لأي تحرك من داخل النظام.
وعادة ما يشكك معارضون في ذلك الدعم، ويرددون أن الشعب قادر على تغيير قواعد اللعبة حال سُمح له بالخروج للشوارع.
9- خفوت صوت المعارضة داخلياً
يعد خفوت صوت المعارضة وذهاب ضجيجها محوراً مهماً في أوراق تأمين النظام لجبهته الداخلية، خاصة بعد تراجع ملحوظ لدعوات الإخوان، وحديثها الأخير عن أنها لن تتقدم أو تتأخر عن الشعب وستنزل (تحتج) متى نزل المصريون.
وبالتالي فإن سعي قوى المعارضة الحقيقية أو "الديكورية" من أجل البقاء، لتفادى سنوات الضربات "المؤلمة"، و"القيود" المتصاعدة ضدها، يعطي النظام المصري دعماً غير مباشر وغير مقصود، في تأمين استقراره، الذي يقول مؤيدون إنه استقرار للبلاد، رداً على اتهامات حقوقية محلية ودولية في هذا الصدد، تطالب برحيل النظام لتحقيق استقرار حقيقي.
وأمام المعارضة، لاسيما في الخارج، عقبات بينها غياب مشروع جامع للوحدة، وعدم امتلاكها حاضنة شعبية مؤثرة يمكن البناء عليها في الداخل، فضلاً عن تداعيات قيود الملاحقة، غير أنها تبقى الصوت الأعلى حتى الآن في مواجهة النظام المصري، في ظل حملاتها المتواصلة على منصات التواصل "لا غير".