أدى مايك بنس، نائب الرئيس دونالد ترامب، بشكل جيد في مواجهة كامالا هاريس، نائبة جو بايدن، في المناظرة بينهما، لكن يبدو أن ترامب بات بحاجة لمعجزة حقيقية لتحقيق حلمه والبقاء رئيساً فترة ثانية.
مناظرة ساخنة لكنها "مهذبة"
جاءت المناظرة الوحيدة بين النائبين ساخنة كما كان متوقعاً، لكنها كانت منظمة إلى حد بعيد رغم بعض المقاطعات من المرشحين، لكن قياساً على المناظرة الأولى التي جرت بين دونالد ترامب وجو بايدن واتسمت بالفوضوية ووصفت بأنها المناظرة الرئاسية الأسوأ على الإطلاق، اعتبر غالبية المراقبين والمشاهدين أن مناظرة بنس وهاريس جاءت "مهذبة" على سخونتها وأهميتها.
وفي العادة لا تكون المناظرة بين المرشحين لمنصب نائب الرئيس الأمريكي مهمة من الأصل، لكن هذه المرة اكتسبت مناظرة بنس وهاريس أهمية خاصة لعوامل متعددة أولها خروج المناظرة الرئاسية الأولى بشكل سيئ لم يمكن أي من المرشحين من توضيح موقفه وشرح برنامجه من القضايا والملفات الأساسية، وهو ما جعل البعض ينتظرون مناظرة المرشحين لمنصب النائب لعل وعسى تكون الصورة أوضح.
ثم جاءت إصابة ترامب بفيروس كورونا وما صاحب ذلك من اكتساب معركة الوباء أهمية خاصة للتأثير على الناخبين وإصرار هاريس على إضافة حاجز زجاجي وما صاحبه من جدل ليجعل المناظرة مادة شيقة للمشاهدة، فالمسرح الذي أقيمت فيه المناظرة عكس بالفعل صورة حية للوباء الذي أودى بحياة أكثر من 215 ألف أمريكي وأصاب ملايين آخرين.
فيروس كورونا أبرز الحاضرين
وهكذا جاءت انطلاقة المناظرة بهجوم مباشر ومركز صاحبه أداء جسدي منضبط من جانب هاريس على بنس ورئيسه ترامب بشأن الفشل الذريع في حماية أرواح الأمريكيين وهي المهمة الأولى والأهم لأي قيادة في البلاد في زمن الوباء.
وجاء هجوم هاريس جريئاً على حملة انتخابية وإدارة تورّطت في آلاف الأكاذيب أو الادعاءات المُضلِّلَة، بحسب صحيفة The Guardian البريطانية، وبسؤال كامالا عمّا إذا كانت ستأخذ لقاح "كوفيد-19" إذا أصبح متاحاً، أجابت: "إذا أخبرنا اختصاصيو الصحة العامة، والدكتور أنتوني فاوتشي، إذا أخبرنا الأطباء أننا يجب أن نأخذه، فسأكون في مقدمة الصف للحصول عليه بلا شك. لكن إذا أخبرنا دونالد ترامب أنه يجب علينا أن نأخذه، فلن آخذه".
وكانت اللحظة الأكثر سخونة في ملف الوباء عندما سأل بنس: "سيناتورة، أناشدك التوقف عن لعب السياسة بأرواح الناس. الحقيقة هي أننا سنحصل على لقاح، وفي اعتقادنا، قبل نهاية هذا العام. وستكون لديه القدرة على إنقاذ أرواح لا حصر لها من الأمريكيين. وتقويضك المستمر للثقة باللقاح أمر غير مقبول".
وعلى الرغم من أن بعض المحللين قد استفزهم عبارة بنس "أناشدك التوقف عن لعب السياسة بأرواح الناس" على أساس أن هذا بالتحديد ما يفعله ترامب في معركة الوباء منذ بدايتها حتى بعد تعرضه شخصياً للإصابة به، فإن كامالا ابتسمت وهزّت رأسها بسخرية، وبعدها، قدمت تحذيراً لا يُنسى عن جهود إدارة ترامب المُنسَّقة لإلغاء قانون الرعاية الصحية الذي تبناه باراك أوباما.
وقالت كامالا: "إذا كانت لديك حالة مرضية مسبقة -مثل أمراض القلب أو السكري أو سرطان الثدي- فهم قادمون من أجلك. وإذا كنت تحب شخصاً لديه حالة مرضية مسبقة، فسيسعون خلفه. وإذا كان عمرك أقل من 26 عاماً، ولا زلت مشمولاً في التأمين الصحي لوالديك، فسيستهدفونك أيضاً".
وكانت هذه على الأرجح أكثر عبارة مؤثرة تستحق الاستشهاد بها من بين المناظرة التي اتسمت بلباقة أعلى من عرض الرعب الذي حدث في كليفلاند الأسبوع الماضي، فعندما قاطع ترامب منافسه مثل المنشار، قال بايدن في النهاية: "هلا صمت يا رجل؟". لكن كامالا أعدت توبيخاً أكثر أناقة: "السيد نائب الرئيس، أنا أتحدث".
هاريس الفائزة لكن السباق لم يتأثر كثيراً
وقد أظهرت استطلاعات رأي أجرتها شبكة CNN بين من شاهدوا المناظرة أن هاريس فازت بها على حساب بنس بنسبة 55% مقابل 38%، لكن بالطبع مثل تلك الاستطلاعات ليست حاسمة أو نهائية، فهي من ناحية لا تشمل جميع الناخبين بل تستهدف فقط عينة من هؤلاء الذين شاهدوا المناظرة بالفعل ومن ناحية أخرى لا توجد أداة لقياس من فاز ومن خسر في المناظرات بشكل عام وهو ما ينعكس على إعلان حملة ترامب-بنس فوز المرشح الجمهوري والأمر نفسه ينطبق على حملة بايدن-هاريس.
لكن في ضوء تأخر ترامب ووضعه السيئ في استطلاعات الرأي قبل أقل من شهر على يوم التصويت 3 نوفمبر/تشرين الثاني، كان كثير من الجمهوريين يأمل أن تكون المناظرة التي أجريت الأربعاء 7 أكتوبر/الأول بداية رحلة استعادة الأمل في الفوز بفترة ثانية وهو ما لم يحدث على ما يبدو.
فقد أظهرت استطلاعات الرأي تقدم بايدن على ترامب بنسبة تراوحت بين 12 نقطة بحسب CNN و10 نقاط بحسب FoxNews، وذلك على مستوى الولايات جميعاً، بل إن بعض الاستطلاعات أعطت بايدن بالفعل 290 صوتاً في المجمع الانتخابي مقابل 186 فقط ضمنها ترامب حتى اليوم، وهو ما يعني -إن صدقت تلك الاستطلاعات- أن الأمور باتت شبه محسومة لصالح بايدن وأن ترامب بات بحاجة إلى معجزة حقيقية كي يبقى في البيت الأبيض فترة ثانية.
ومجموع أصوات المجمع الانتخابي 538 يحتاج المرشح للفوز بـ270 منها كي يعلن فوزه بالرئاسة، ورغم أن استطلاعات الرأي في نفس الفترة من الانتخابات السابقة كانت تظهر تقدم المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون على منافسها وقتها دونالد ترامب ثم جاءت النتيجة بفوز ترامب بالرئاسة، وهو ما يعول ترامب وحملته على تكراره أمام بايدن هذه المرة، إلا أن بعض الجمهوريين بدأ يساورهم الشك في إمكان حدوث تلك المعجزة نظراً للاختلافات الكثيرة هذه المرة.
لماذا الأمور مختلفة هذه المرة؟
فترامب الآن رئيس لديه سجل وقائمة من القضايا يحتاج للدفاع عنها وأهمها وأبرزها وأكثرها تأثيراً في الناخبين لا يمكن الدفاع عن سجله فيه من الأساس، والمقصود هنا حرب الوباء الذي فشل فيها ترامب وإدارته بصورة جعلت الولايات المتحدة ضمن أسوأ الدول في التعامل مع الجائحة التي قتلت أكثر من مليون شخص حول العالم خمسهم تقريباً في الولايات المتحدة وحدها.
والنقطة الثانية هي أن الاقتصاد الأمريكي الآن يمر بفترة كساد تشبه الكساد العظيم في ثلاثينات القرن الماضي بسبب الجائحة، ورغم أن ترامب يلوم "الفيروس الصيني" ويعد باستعادة الاقتصاد عافيته بشكل سريع، إلا أن قراره المفاجئ بوقف المفاوضات مع الكونغرس لتمرير حزمة تحفيز اقتصادي إضافية ربما يكون ضربة قاضية للرئيس نفسه لأن توقف شيكات المعونة لملايين الأسر في هذا التوقيت أمراً سلبياً للغاية وقد يكون سبباً مباشراً في تغيير بعض الناخبين لوجهتهم التصويتية في آخر لحظة.
كما أن بنس نفسه الذي كان مرشحاً كنائب ترامب فاز بشكل واضح في مناظرته أمام تيم كين المرشح لمنصب النائب مع هيلاري كلينتون، لكن مناظرة بنس هذه المرة ضد كامالا هاريس فقد مثلت كما هو متوقع وجهين لأمريكا: الأول لرجل أبيض مسيحي من الطائفة الإنجيلية من ولايات الوسط الغربي، والثاني لسيدة سوداء البشرة تقدمية من ولايات الساحل، في وقت يعصف بالبلاد انقسام لم تشهده في تاريخها منذ الحرب الأهلية، وهو ما يبدو أنه لا يصبّ في صالح ترامب هذه المرة، عكس تأثير خطاب ترامب الشعبوي في الانتخابات الماضية.
لكن تظل نتيجة الانتخابات الأشرس في تاريخ الولايات المتحدة مفتوحة على كل الاحتمالات، خصوصاً وأن ترامب ألمح مراراً إلى أن حسم النتيجة على الأرجح لن يكون من خلال التصويت أو المجمع الانتخابي، بل سيصل الأمر إلى المحكمة العليا، وبعد مناظرة نائبه يبدو أن الأمور لم تتغير كثيراً من حيث تأخر ترامب بشكل واضح في السباق حتى الآن.