ألغت لجنة الانتخابات في قرغيزستان نتائج الانتخابات البرلمانية، الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020، بعد ساعات من اقتحام المتظاهرين المبنى السياسي الرئيسي في البلاد، بدعوى التلاعب في الأصوات الانتخابية، ما دفع البلد الواقع وسط آسيا نحو أزمة قيادة واضحة وحالة من الفوضى، كما تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية.
ماذا حدث؟
صوّر رئيس قرغيزستان، سورونباي جينبيكوف، تلك الاضطرابات التي أعقبت الانتخابات على أنها محاولة للانقلاب في بلد تراه موسكو جزءاً أصيلاً من محيطها السياسي، بينما تربطه علاقات متزايدة مع الصين من خلال الاستثمارات الصينية في البلاد. وتزعم جماعات المعارضة في قرغيزستان أنها تمتلك القوة الآن بعد سيطرتهم على المبنى المعروف بـ"البيت الأبيض"، الذي يضم المجلس التشريعي للبلاد ومكاتب رئيس الجمهورية. وبدأ قادة المتظاهرين في الإعلان عن تغييرات في المناصب السياسية، مستبدلين الموالين لهم بأنصار جينبيكوف.
ونهب المتظاهرون المكاتب الحكومية وألقوا الكثير من الوثائق الحكومية وأثاث المكاتب وغيرها من محتويات المكاتب في الشوارع. وأصدر جينبيكوف، الذي تولى السلطة منذ 2017، أوامره لقوات الأمن بعدم إطلاق النار على المتظاهرين. بينما أعلن وزير الصحة في قرغيزستان وفاة شخص واحد وإصابة أكثر من 600 آخرين في احتجاجات يوم الإثنين 5 أكتوبر/تشرين الأول 2020.
وأسفر اجتماع برلماني طارئ أمس الثلاثاء عن تعيين السياسي المعارض سادير جاباروف رئيساً جديداً للوزراء، ما يجعل سيطرة جينبيكوف على البلاد أكثر هشاشة. ويُذكر أن انتفاضات عامي 2005 و2010 أطاحت برؤساء سابقين للبلاد.
ما أهمية قرغيزستان؟
تتأثر قرغيزستان، مثل الكثير من دول وسط آسيا، بضغوط التنافس المستمر بين موسكو وبكين. وترى روسيا أن الجمهورية السوفييتية السابقة جزءاً من المحيط التاريخي والسياسي لبلادها. وتحتفظ روسيا بقاعدة جوية في قرغيزستان، التي تمثل أهمية كبيرة بعد قرار برلمان قرغيزستان عام 2014 بإغلاق قاعدة أمريكية تستخدم للأغراض اللوجستية والتزود بالوقود.
كما تعتمد قرغيزستان، التي تشارك حدودها مع الصين، على التبادل التجاري مع بكين، وتدين لبنك التصدير والاستيراد الصيني بحوالي 1.8 مليار دولار، أي ما يقرب من نصف الدين الخارجي لقرغيزستان. وخلال اجتماع الشهر الماضي، طلب جينبيكوف من وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، تأجيل السداد بسبب جائحة فيروس كورونا، وفقاً لموجز قرغيزستان الرسمي عن تلك المحادثات.
ما موقف روسيا من هذه الاضطرابات؟
في موسكو، دعت وزارة الخارجية الروسية جميع الأطراف في قيرغيزستان إلى إيجاد مخرج من الأزمة "من خلال المفاوضات، وبدون استخدام القوة".
وقال وزير الخارجية الروسي في بيان الثلاثاء: "تهتم روسيا بالاستقرار السياسي الداخلي في قيرغيزستان، شريكها وحليفها الاستراتيجي، وبأمن ورفاهية جميع الأفراد في هذا البلد، الذين تعتبرهم أصدقاء لها".
ويجر ما يحدث في قرغيزستان روسيا إلى اضطراب سياسي آخر في المناطق التي ترتبط فيها موسكو بعلاقات عميقة، في أعقاب الاحتجاجات في روسيا البيضاء بعد نتائج الانتخابات المتنازع عليها في أغسطس/آب وتجدد الصراع الممتد لأكثر من 30 عاماً بين أرمينيا وأذربيجان.
وكتب ديمتري ترينين، مدير مركز كارنيغي في موسكو، على تويتر أن تلك التطورات تُظهر "مدى هشاشة دول الاتحاد السوفييتي السابق" و"تحد من دور روسيا باعتبارها قوة إقليمية مؤثرة". وانحسر نفوذ واشنطن في قرغيزستان منذ أغلق رئيس البلاد في 2014، ألمازبيك أتامباييف، منشأة عسكرية أمريكية بالقرب من العاصمة بيشكيك كانت تدعم العمليات الأمريكية العسكرية في أفغانستان.
ما الذي أدى إلى اندلاع الاحتجاجات؟
اندلعت الاحتجاجات بعد فوز الأحزاب الموالية للرئيس جينبيكوف الموالي لروسيا بأغلبية الأصوات في انتخابات 4 أكتوبر/تشرين الأول 2020. زعمت المعارضة حدوث تلاعب في عملية التصويت من خلال شراء الأصوات وترهيب الناخبين. وذكر مراقبون دوليون أن تلك المزاعم ذات مصداقية.
وفي اليوم التالي للانتخابات، فرقت الشرطة آلاف المتظاهرين في العاصمة بيشكيك باستخدام القنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع ومدافع المياه. وعن الاجتماع البرلماني الطارئ يوم الثلاثاء، قال المتحدث باسم البرلمان، إبراهيم نوراكوم يولو، على فيسبوك إنه سيعقد في فندق بسبب تعرض مبنى البرلمان "للنهب".
اقتحم المتظاهرون مقر الأمن القومي وأطلقوا سراح الرئيس السابق أتامباييف، وأعلن حزبه أن الشعب "أطاح بالسلطات الإجرامية". وكان قد حُكم أتامباييف بالسجن لمدة طويلة هذا العام بسبب تهم فساد عقب خلافه مع الرئيس الحالي جينبيكوف. وأُلقي القبض على الرئيس السابق بعدما دعا إلى الإطاحة بجينبيكوف.
فقدان السيطرة
وزعمت جماعات المعارضة أنها سيطرت أيضاً على مبانٍ حكومية أخرى، من بينها وزارة الداخلية ومكتب عمدة العاصمة. وأعلن العمدة استقالته الثلاثاء، وفقاً لوكالة الأنباء الروسية Interfax.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية إن وزير الداخلية، كاشكار جونوشاليف، لم يحضر إلى مقر عمله يوم الثلاثاء، وفقاً لوكالة Reuters. وأعلن السياسي المعارض، كورسان أسانوف، توليه منصب القائم بأعمال وزير الداخلية، في دلالة واضحة على فقدان جينبيكوف سيطرته على مقاليد الأمور.
وذكرت الخدمة الإعلامية لوزارة المالية في قرغيزستان الثلاثاء توقف كل المعاملات المالية التي تُجرى عبر وزارة المالية. ودعت المعارضة إلى الإطاحة بجينبيكوف، لكن الرئيس أشار إلى أنه لا ينوي التنازل عن السلطة. وقال جينبيكوف: "في الليلة الماضية، حاولت قوى سياسية معينة الاستيلاء بشكل غير قانوني على السلطة. لقد تذرّعوا بنتائج الانتخابات من أجل الإخلال بالنظام العام في البلاد". وأضاف أنه دعا لجنة الانتخابات المركزية إلى إجراء تحقيق شامل في كل مزاعم الانتهاكات وإلغاء نتيجة الانتخابات إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ وألغت لجنة الانتخابات نتائج الانتخابات البرلمانية بالفعل.
المعارضة تعلن توليها السلطات وحلّ البرلمان
من جهته أعلن مجلس التنسيق الشعبي الذي شكلته أحزاب معارضة عدة في قرغيزستان، الأربعاء، أنه اضطلع بجميع سلطات الدولة وحلّ البرلمان، في خلاف مع حلفائه السابقين الذين يسعون لنقل السلطة من خلال المجلس التشريعي.
وسيطرت جماعات المعارضة على معظم الأجهزة الحكومية، الثلاثاء، بعد اقتحام مبانٍ حكومية خلال الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات، لكن الرئيس سورونباي جينبيكوف تشبث بالسلطة، بينما تهدد الاضطرابات بدفع البلاد إلى الفوضى. فيما أعلنت لجنة الانتخابات المركزية إلغاء نتائج الانتخابات، في خطوة يبدو أنها لم تحقق الهدف المرجوّ وهو السيطرة على الوضع ومنع انزلاق الأمور وتدحرجها نحو سيناريو أسوأ بالنسبة للسلطة الحاكمة، في بلد له تاريخ من الاضطرابات السياسية.
وحضّت الولايات المتحدة، الثلاثاء، كلّ الأطراف في قرغيزستان على ضبط النفس وإيجاد حلّ سلمي، مبدية قلقها حيال ممارسات شابت الانتخابات وأدت إلى احتجاجات كبرى. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية لوكالة "فرانس برس": "ندعو كل الأطراف إلى نبذ العنف وحل النزاع القائم حول الانتخابات بالوسائل السلمية".