تنظر حلوة أبوراس بأسىً نحو التلال المواجهة لمنزلها. تحتوي المنحدرات القريبة على أشجار الزيتون الخاصة بها، لكن في وجود مستوطنة إيلي الإسرائيلية بالقرب منها، فإن أرضها كما لو كانت على بعد سنين ضوئية.
تصيح قائلةً: "أعجز عن الوصول إلى أرضي وهذا ظلم. عن أي سلامٍ يتحدثون؟ السلام معناه أن أستعيد أرضي المسروقة".
تستعد حلوة أبوراس، الفلاحة الفلسطينية ابنة الـ77 من قرية الساوية الفلسطينية الواقعة على الضفة الغربية الشمالية المحتلة، لموسم حصاد الزيتون، الذي يبدأ هذا الأسبوع في فلسطين. إلا أنها غير واثقة بأن السلطات الإسرائيلية ستتيح لها الوصول إلى أرضها، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
ويُعد موسم الزيتون من مصادر الرزق الأساسية لآلاف الأسر الفلسطينية في الأراضي المحتلة، لكنهم يواجهون عوائق من جراء الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك القيود التي فرضتها إسرائيل على الوصول إلى الأرض وهجمات المستوطنين.
ولكثيرين من أمثال حلوة أبوراس، مازال الشك قائماً فيما إذا كان سيتسنَّى لهم مجرد الوصول إلى أشجارهم هذا العام، إذ إن الصعوبات المعتادة لم تزدد إلا تضاعفاً بسبب جائحة فيروس كورونا.
قيود الوصول
منذ اتفاقية أوسلو الموقعة عام 1993، قُسِّمت الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق تُعرف باسم المناطق (أ) و(ب) و(ج). وتمثل هذه المناطق نحو ثلثي الضفة الغربية المحتلة، وهي واقعة تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي بالكامل. بينما يقارب عدد المستوطنات الإسرائيلية 200 مستوطنة في الضفة الغربية، يسكن بها ما يزيد عن 600 ألف مستوطنٍ في انتهاكٍ للقانون الدولي.
وقد شهد سكان هذه المناطق من الفلسطينيين مصادرة أراضيهم أو تحديد وصولهم إليها، بينما أصبحوا عرضةً لهجمات المستوطنين.
وتحدُّ مستوطنتان قرية الساوية الواقعة بمحافظة نابلس: إلي شرقاً، وريحاليم شمالاً.
في 1984، صادرت السلطات الإسرائيلية أكثر من 1,500 دونم (370 فداناً) من أراض تابعةٍ لمواطني قرية الساوية، ومنها 10 دونمات (2.5 فدان) تنتمي إلى عائلة أبوراس. ومنذ ذلك الحين، حُرم ملَّاك الأراضي الفلسطينيون هؤلاء من حق زراعة ممتلكاتهم، التي تحوي "أفضل أنواع الزيتون والتين والعنب"، كما أوضحت السيدة العجوز لموقع Middle East Eye.
وفي 1991، صادرت السلطات الإسرائيلية مئات الدونمات الأخرى من الساوية بغرض تأسيس مستوطنة ريحاليم. وقد أثر ذلك في الفلسطينيين بالقرية التي يسكن بها نحو 2,300 نسمة، من ضمنهم حلوة أبوراس، التي حُرمت من الوصول إلى 11 دونماً آخر من أرضها بسبب قربها من المستوطنة.
نظرياً، يُسمح لملَّاك الأراضي الفلسطينيين بالوصول إلى ممتلكاتهم المصادَرة في المنطقة (ج) وفق التنسيق مع إسرائيل مرتين سنوياً: في الربيع خلال موسم الحراثة، وفي الخريف خلال موسم حصاد الزيتون.
وفي حواره مع Middle East Eye، يقول عرفات أبوراس، نجل حلوة: "يسمح لنا الجيش الإسرائيلي بدخول ممتلكاتنا مرتين سنوياً، لكن الأرض تحتاج إلى 4 أو 5 أيام عمل. وعادةً ما نستعين بمتطوعين فلسطينيين وأجانب على حصد الزيتون، لكن كثيراً ما يظل عدد كبير من أشجار الزيتون بلا حصادٍ نظراً لضيق الوقت المتاح لنا".
وتضيف حلوة أبوراس أنه في البداية، كانت أراضي العائلة بالقرب من ريحاليم محظورةً تماماً عليهم.
وتقول: "قدمنا شكوى لمكتب التنسيق (الإسرائيلي)، وقدمنا إلى محكمة إسرائيلية وثائق لإثبات أحقيتنا في الأرض، وقد حكمت بأن ندخل أرضنا مرتين فقط سنوياً. لكن حتى هذا القرار الظالم لم يُطبَّق".
وتسترجع حلوة قائلةً: "في 2007، حاولت دخول أرضي بالقرب من مستوطنة ريحاليم، لكن جاء المستوطنون وضربوني، وسرقوا معداتي للزراعة وحماري، وطردوني من أرضي".
لكن لم تكن هناك أي محاسبة للمعتدين.
ومنذ 2006، لم تحصد حلوة ثمرة تين واحدةً من أراضيها، ولم تحصد من الزيتون إلا أقل القليل. وقد جفت أشجارها بسبب الإهمال ومياه المجارير الموجَّهة عمداً من المستوطنة نحو البساتين الفلسطينية.
وفي أثناء ذلك، يشتكي كثير من سكان الساوية من استغلال المستوطنين حرمانهم من دخول أراضيهم معظم أيام السنة لسرقة محصولهم كل عام. إذ نهب المستوطنون أشجار ثلاثة فلاحين خلال موسم حصاد الزيتون السابق، وفقاً للتقارير.
ورغم تقديم شكوى للسلطات الإسرائيلية، لم يُعوَّض الفلاحون قط عن خسائرهم.
سمحوا لنا بالدخول للأرض ليوم واحد، فوجدنا المستوطنين سرقوا ثمارنا
لطالما اشتكى الفلسطينيون القاطنون بالضفة الغربية من هجمات المستوطنين المتكررة، بما يشمل الاعتداء، والتخريب، وتدمير الأراضي الزراعية الفلسطينية.
ضحى عسوس، صاحبة الـ59 عاماً، هي فلاحة من قرية بورين، الواقعة هي الأخرى بمحافظة نابلس. وتحيط ببورين ثلاث مستوطنات: يستهار، المستوطنة المبنية عام 1984 جنوب القرية، والشهيرة بسكَّانها العنيفين، وهار براخا، المبنية في العام نفسه شمالاً، ومخفر غيفات رونين، الذي أُسس قريباً من هار براخا في التسعينيات.
وتملك ضحى 11 دونماً (2.7 فدان) من الأرض المزروعة بـ200 شجرة زيتونٍ بجوار غيفات رونين مباشرةً. وفي أثناء حرمانها من دخول أرضها معظم أيام السنة، تقول إن المستوطنين قد سرقوا زيتونها وقطعوا أشجارها.
إذ تسترجع ضحى قائلةً: "في العام الماضي، منحنا الجيش الإسرائيلي إذناً ليوم واحد للذهاب إلى أرضنا إبان موسم الحصاد. ووجدنا أن المستوطنين قد سبق أن سرقوا المحصول وقطعوا الأشجار".
وأفادت كذلك أن المستوطنين قد أضرموا النار ببساتين الزيتون الخاصة بها في 2015. وقدَّمت العائلة شكوى، لكن كما جرت العادة، لم تُسفر عن شيءٍ بسبب الحصانة المخيفة للمستوطنين.
هذا وقد أبلغ سكَّان بورين عن حرق 5 آلاف شجرةٍ على أيدي المستوطنين خلال عام 2020 وحده، دون محاسبة ولا واحدٍ من المعتدين.
وتتابع حلوة أبوراس في حديثها إلى Middle East Eye: "نؤمن بأن الجيش الإسرائيلي يتآمر مع المستوطنين لتدمير أشجارنا وسرقة محصولنا. ففي كل عامٍ، يؤجل الجيش إصدار الأذونات، مما يتيح للمستوطنين استغلال هذا وسرقة محصولنا من الزيتون، ثم تخريب الأشجار".
وبحسب منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلي يش دين، فمن ضمن 273 تحقيقاً للشرطة الإسرائيلية في الجرائم التي ارتكبها مدنيون إسرائيليون في حق الفلسطينيين بالضفة الغربية بين عامي 2014 و2019، لم يؤدِّ إلا 9% منها فقط إلى ملاحقة مرتكبي الجرائم قضائياً، بينما أُغلق باقي التحقيقات دون توجيه أية تهم.
وبينما شهدت حلوة أبو راس بنفسها حصانة المستوطنين على مدى وقت طويل، فقد جرَّبت أيضاً كيفية تهرُّب الجيش الإسرائيلي من المحاسبة.
دهسها الجيش
في 2017، دهست سيارة جيب عسكرية حلوة أبوراس في طريقها إلى أرضها، ملحقةً بها إصاباتٍ بالغةً. وظلت في غيبوبة بالعناية المركزة مدة 10 أيام. واستأصل الأطباء طحالها فنجت من الموت بأعجوبة.
وتقول: "لجأنا إلى المحاكم الإسرائيلية للحصول على تعويض ومعاقبة المجرم، لكننا لم نلاق نجاحاً حتى بعد مرور ثلاث سنواتٍ منذ الحادثة".
ويقول الفلسطينيون أن المستوطنين والجيش الإسرائيلي قد استغلوا إجراءات العزل المرتبطة بالجائحة هذا العام للتوسع في الاستيلاء على الأراضي والتخريب.
إذ صرَّحت كل من حلوة أبوراس وضحى عسوس لـMiddle East Eye بأنه في الساوية وبورين كلتيهما، لم يسمح الجيش الإسرائيلي لهما بحراثة الأرض المجاورة للمستوطنات. ولا تعرفان ما إذا كان الجيش الإسرائيلي سيسمح لهما بحصد الزيتون هذا العام، لا سيما في ضوء الاشتباه في التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية.
وترثو حلوة أبوراس خسارة أرضها وأشجارها. وتقول المواطنة الفلسطينية إنها لا تعتمد إلا على الله لرد حقها، لأن الاحتلال الإسرائيلي ونظامه القانوني لن يفعلا ذلك.
وتقول: "أشعر بالأسف على خسارة أرضي، حيث كنت أزرع الشعير والسمسم والقمح وخير أنواع التين"، مواصلةً: "أنا في الـ77 من عمري الآن ولست واثقة بأني سأعيش ما يكفي لأشهد استرجاع أرضي".