اقتربت ساعة الصفر في الانتخابات الأمريكية التي لا ينتظر نتيجتها فقط الأمريكيون، بل العالم أجمع، لأسباب ليست خافية على أحد، ورغم أن هناك 50 ولاية ستقرر مصير ساكن البيت الأبيض القادم، سواء أكان الرئيس الحالي دونالد ترامب أو منافسه جو بايدن، فإن سبعاً منها فقط تسمى الآن بولايات الحسم، فما خريطة تلك الولايات، وفرص كلٍّ منهما في كلٍّ منها؟
التصويت بدأ بالفعل ونهايته 3 نوفمبر
التصويت في الانتخابات الأمريكية قد بدأ بالفعل في بعض الولايات، وسينتهي التصويت الشعبي يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، أي بعد أقل من شهر، وبالتالي فإن غالبية الناخبين قد حسموا أمرهم بالفعل، وتظل أقلية من الناخبين المستقلين، عادة ما يتأخرون في حسم موقفهم حتى اللحظات الأخيرة، والأمر نفسه ينطبق على الولايات.
وينفرد النظام الانتخابي الأمريكي بعدد من الآليات تجعله وحيداً في العالم؛ فالصوت الشعبي أو الاقتراع الحر المباشر ليس هو الحاسم في تحديد الفائز، بل يحدد النتيجة النهائية المجمع الانتخابي -اختراع أمريكي لا مثيل له في أي دولة أخرى- وقد يحدث أن يفوز أحد المرشحين بمنصب الرئيس رغم حصوله على عدد أقل من أصوات الناخبين من منافسه الخاسر، وهذا تحديداً ما حدث مع ترامب نفسه قبل أربع سنوات، حيث فازت منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون بغالبية الأصوات الشعبية، لكنها خسرت الرئاسة بأصوات المجمع الانتخابي.
ولكل ولاية من الولايات الأمريكية الخمسين عدد من الأصوات في المجمع الانتخابي، تتناسب مع تمثيل كل ولاية في الكونغرس بمجلسيه؛ النواب والشيوخ، وبالتالي فإن العدد الإجمالي للمجمع الانتخابي وهو 538 صوتاً ليس موزعاً بالتساوي بين الولايات، والآن وقد اقتربت ساعة الحسم فإن الأمور تبدو واضحة في 43 ولاية، وتظل 7 ولايات متأرجحة، وهي تمثل محطة الحسم لترامب وبايدن وإن تفاوتت نسبة تأثير كل منها.
ولاية بنسلفانيا
تمثل فرصة ولاية بنسلفانيا في أن تصبح الولاية الحاسمة في أشرس انتخابات رئاسية على الإطلاق نحو 28.3%، بحسب تقرير لموقع بيزنس إنسايدر الأمريكي، بعنوان "الولايات السبع التي على الأرجح ستحسم الانتخابات لترامب أو بايدن"، والولاية هي مسقط رأس بايدن، الذي نشأ في سكرانتون، ويأمل بالطبع أن يزيد ذلك من فرصه في إزاحة ترامب من البيت الأبيض.
وتمتلك الولاية 20 صوتاً في المجمع الانتخابي، وفي الانتخابات الماضية انحازت لترامب على حساب كلينتون بفارق 0.7% فقط، لكن استطلاعات الرأي الحالية تظهر أن فرص بايدن في الفوز بأصوات الولاية في المجمع الانتخابي تتخطى 75%، وهذه الاستطلاعات إن تحققت بالفعل فسوف تعني خسارة مؤكدة لترامب، الذي يحتاج بشدة لبنسلفانيا إن أراد الفوز.
ولاية فلوريدا
وتمثل فرصة ولاية فلوريدا في أن تكون الحاسمة في السباق 14.3%، وقد نقل ترامب مقر إقامته رسمياً إلى الولاية عام 2019، حيث يمتلك منتجع مار ألاغو الفاخر في بالم بيتش، رغم أنه عاش طوال حياته في نيويورك، وتلك دلالة واضحة على إدراك ترامب لمدى أهمية فلوريدا في الانتخابات التي يمثل فوز ترامب بها الشيء الأكثر أهمية في حياته، وقد برهن على ذلك بعد إصابته بفيروس كورونا وإصراره على الظهور منتصراً على المرض المعدي، بصورة أثارت انتقادات صارخة، وصلت إلى حد وصفه بالجنون من جانب بعض الأطباء.
ورغم أن بعض مقاطعات جنوب فلوريدا مثل ميامي تعتبر معاقل ديمقراطية تقليدية، فإن كثيراً من المقاطعات الأخرى تميل نحو الجمهوريين، وهو ما يجعلها ولاية متأرجحة بامتياز في جميع الانتخابات؛ ففي الانتخابات الماضية انحازت فلوريدا بفارض هامشي لصالح ترامب، شأنها شأن بنسلفانيا.
ويتمتع بايدن بدعم أكبر بين الناخبين الأكبر سناً، وهي الفئة العمرية التي صوتت بنسبة 82% في فلوريدا في الانتخابات الماضية، وهو ما يمثل نقطة تفوق للمرشح الديمقراطي، إلا أن ترامب يتمتع بشعبية أكبر بين الناخبين الهسبانيين (من أصول إسبانية)، وهؤلاء يمثلون نسبة كبيرة من سكان فلوريدا، وأظهرت استطلاعات رأي مؤخراً تفوق ترامب على بايدن بين الناخبين من أصول إسبانية وكوبية أيضاً في فلوريدا.
لكن بشكل عام، تُظهر استطلاعات الرأي على مستوى الولاية تقدم بايدن على ترامب، ما يجعل فرصة الديمقراطي في الفوز بأصوات الولاية في المجمع الانتخابي نحو 62.5%، رغم أن فرص ترامب في الفوز بالرئاسة حتى في حالة خسارته فلوريدا لا تتعدى 10%.
وتمتلك فلوريدا 29 صوتاً في المجمع الانتخابي، وقياساً على الانتخابات الرئاسية في آخر 5 مرات يتضح أن من يفوز في فلوريدا يصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، حدث ذلك مع ترامب ومع باراك أوباما في فترتيه الأولى والثانية، ومع جورج بوش الابن في فترته الثانية، وفي الأولى بينه وبين الديمقراطي آل جور، جاءت النتيجة متعادلة تماماً، وحدثت واقعة التأخير في إعلان النتائج ووصول الأمر للمحكمة العليا التي رفضت إعادة فرز الأصوات في فلوريدا، وأهدت الفوز للجمهوري بوش.
ولاية ويسكونسن
تبلغ فرصة ولاية ويسكنسن في أن تكون الحاسمة في الانتخابات 13.4%، ويرجع ذلك للأحداث الساخنة التي شهدتها، في أغسطس/آب الماضي، بعد أن قتلت الشرطة في كينوشا جاكوب بليك المواطن من أصل إفريقي، ما أدى لتفجر الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد، في مايو/أيار، بعد مقتل جورج فلويد، وتحول التعامل معها لقضية مركزية في الانتخابات بين ترامب الرافض لها والمنادي بفرض "النظام والقانون"، ونشر الجيش لقمعها من جهة، وبايدن المساند لحركة حياة السود مهمة التي تطالب بالمساواة بين البيض والسود بشكل كامل القضاء على جميع أشكال العنصرية في البلاد من جهة أخرى.
واشتعلت الاحتجاجات أكثر بعد أن أطلق مراهق أبيض النار على المتظاهرين وقتل اثنين وتمت إدانته، واستغل ترامب تلك الأحداث في ويسكنسن للترويج لشعاره فرض النظام والقانون، وهو تكتيك انتخابي استخدمه رئيس جمهوري آخر، هو ريتشارد نيكسون أثناء حملته عام 1968، وزار ترامب وبايدن الولاية مؤخراً لمحاولة استمالة الناخبين المتأرجحين هناك.
وأظهرت استطلاعات رأي أجرتها مؤسسات في الولاية، أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، تفوقاً لبايدن بعشر نقاط بين الناخبين المحتملين، وهو ما جعل محللين يقدرون فرصته في الفوز بأصوات الولاية في المجمع الانتخابي البالغة 10 أصوات، وهي ولاية أيضاً متأرجحة للغاية فاز بها ترامب بفارق ضئيل بالانتخابات الماضية، وفاز بها أوباما في فترتيه، وفاز بها بوش الابن بفترتيه، وهي في ذلك تشبه فلوريدا إلى حد التطابق ربما.
ولاية ميشيغن
تمتلك ميشيغن فرصة 9% في أن تكون أصواتها في المجمع الانتخابي حاسمة لإعلان فوز ترامب أو بايدن، وفي ظل وجود حاكم ديمقراطي هو غريتشن ويتمر، تتسم الأمور هناك بالاشتعال التام بينه وبين ترامب، بعد أن قرر الحاكم تمديد إجراءات مكافحة تفشي وباء كورونا في الولاية، واعتراض بعض سكانها لدرجة اقتحام مسلحين لمبنى برلمان الولاية، بعد أن غرد ترامب بضرورة "تحرير" الولاية.
وتعتبر طريقة التعامل مع الوباء في ميشيغن من أبرز القضايا الانتخابية، لذلك سعى ترامب إلى مغازلة المواطنين الرافضين لإجراءات العزل، رغم مقتل أكثر من 209 آلاف أمريكي بالوباء وإصابة أكثر من 7 ملايين ونصف المليون به.
ولدى الولاية 16 صوتاً في المجمع الانتخابي، وهي تميل نحو الديمقراطيين في العادة، لكن ترامب حصل فيها على 47.5% في الانتخابات الماضية مقابل 47.3% لهيلاري كلينتون، ويسعى الرئيس لتكرار الأمر هذه المرة، رغم أن استطلاعات الرأي تظهر تقدم منافسه بايدن بثماني نقاط على مستوى الولاية حتى نهايات سبتمبر/أيلول الماضي.
ولاية أريزونا
أريزونا ولاية جمهورية بشكل تقليدي، ولم تصوت لصالح أي مرشح ديمقراطي باستثناء بيل كلينتون في فترته الثانية عام 1996، لكن الفارق الذي فاز به ترامب بأصوات الولاية على حساب هيلاري كلينتون عام 2016 كان 3.5%، وهو الهامش الأقل تاريخياً، وهذا ما جعل الولاية تدخل ضمن ولايات الحسم السبع بنسبة 5.3%.
وعلى الرغم من هجوم ترامب المتكرر على التصويت عبر البريد واعتباره تزويراً، فإن أريزونا تعتمد على التصويت عبر البريد بصورة رئيسية، تتخطى 80% من الناخبين المسجلين، وقد أظهر استطلاع للرأي في الولاية منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، تقدم ترامب على بايدن بفارق 1% فقط، وهو ما يجعل السباق قريباً ومفتوحاً على كل الاحتمالات، عكس الانتخابات السابقة في الولاية.
ولاية أوهايو
استضافت ولاية أوهايو المناظرة الرئاسية الأولى بين ترامب وبايدن، وهي المناظرة التي أجمع المراقبون على أنها كانت الأسوأ على الإطلاق في تاريخ المناظرات الرئاسية، وتمتلك أوهايو 18 صوتاً في المجمع الانتخابي، ما يجعلها من ولايات الوزن الثقيل، وتاريخاً في التصويت متأرجح بين الحزبين الكبيرين؛ فقد فاز بها أوباما الديمقراطي عام 2008 و2012، لكن ترامب الجمهوري حسمها لصالحه بفارق 8 نقاط كاملة على حساب كلينتون.
تلك العوامل جعلت أوهايو إحدى ولايات الحسم بنسبة 3.8%، وأظهرت استطلاعات الرأي تقدم بايدن على ترامب على مستوى الولاية بنسبة 5% بين الناخبين المحتملين، وهو ما يجعل السباق الانتخابي هناك قريباً، ويمكن أن يتحول في اللحظات الأخيرة لصالح أي منهما.
ولاية نورث كارولينا
تاريخياً كانت ولاية نورث كارولينا تصوت لصالح الديمقراطيين حتى الستينات من القرن الماضي حين تحوّلت لصالح الجمهوريين، ولم يختلف الأمر سوى عام 2008 حينما ذهبت أصوات الولاية لأوباما، والسبب الرئيسي هو أن القاعدة الانتخابية الرئيسية فيها من البيض المحافظين أزعجهم تشريع الحريات العامة الذي أقره الديمقراطيون في الستينات، فتحولوا إلى الجمهوريين.
وحتى مايو/أيار الماضي، كانت الولاية مضمونة لصالح ترامب، لكن معركة الوباء في البلاد قلبت الأمور بشكل واضح، وتحول التقدم الكاسح للرئيس الجمهوري إلى سباق متقارب لا يمكن التنبؤ به، ما وضع نورث كارولينا ضمن خريطة ولايات الحسم بنسبة 3.1%، ونظراً لإدراك حملة ترامب لأهمية الفوز بولاية جمهورية تقليدياً وإلا أصبح الفوز بالرئاسة في مهب الريح، زار ترامب الولاية خمس مرات وأولاده زاروها 4 مرات، وزارها مايك بنس نائب الرئيس مرتين في ظرف عدة أسابيع.
وتظهر استطلاعات الرأي في نورث كارولينا تقدم بايدن بنسبة 55% على ترامب، وهو ما يهدد الجمهوريين بفقدان إحدى قلاعهم التقليدية، وذهاب أصوات الولاية الـ15 في المجمع الانتخابي لبايدن، ما قد يعني خسارة السباق في نهاية المطاف.