بالنسبة لمعظم الناس، فإن فيروس كورونا المعروف باسم كوفيد-19 هو مرضٌ قصير الأجل وذو أعراض خفيفة، لكن بعض الناس يعانون من أعراض المرض، التي تشمل الإجهاد المستمر، والألم المتواصل، وضيق التنفس لشهور، كما يقول موقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وتستنزف الحالة المعروفة بـ"كوفيد طويل الأمد" طاقة الأشخاص وتؤثر على حياتهم، وبات شائعاً حالياً سماع قصصٍ عن تعرض بعض الأشخاص للإنهاك بعد سيرهم لفترة قصيرة.
حتى الآن، كان التركيز منصباً على إنقاذ حياة الأشخاص خلال الجائحة، لكن يتزايد الإدراك بأن بعض الأشخاص يواجهون تداعيات طويلة الأجل بعد إصابتهم بكوفيد-19.
غير أن هناك أسئلة بدائية -مثل لِمَ يصاب بعض الناس بكوفيد طويل الأمد وما إذا كانوا سيتعافون تماماً من آثاره- لا يزال يحيطها الغموض.
ما هو "كوفيد طويل الأمد"؟
لا يوجد تعريف طبي أو قائمة بأعراض مشتركة مع كل المرضى، يمكن أن يعيش شخصان مصابان بكوفيد طويل الأمد تجربتين مختلفتين تماماً، لكن أكثر الأعراض شيوعاً هو الإجهاد المعيق للحركة.
وتشمل الأعراض الأخرى: ضيق التنفس، والسعال المستمر، وآلام المفاصل، وآلام العضلات، ومشكلات في السمع والرؤية، وفقدان حاستي الشم والتذوق، بالإضافة إلى إصابة القلب، والرئة، والكلى، والأمعاء بأضرارٍ. ووردت معلومات عن تعرض الصحة العقلية لبعض المصابين لإضرار من بينها الاكتئاب، والقلق، وصعوبة التفكير بوضوح.
ويمكن أن يدمر كوفيد طويل الأمد جودة حياة الأشخاص تماماً، إذ قالت جايد جراي كريستي، إحدى المصابين: "وصل إجهادي لدرجةٍ لم أشعر مثلها مسبقاً"؟
ولا يقتصر كوفيد طويل الأمد على الأشخاص الذين يحتاجون بعض الوقت للتعافي بعد دخولهم غرف العناية المركزة. حتى الأشخاص الذين يعانون من أعراض خفيفة نسبياً يمكن أن يظلوا يعانون من مشكلات صحية حادة ومستمرة.
وقال ديفيد سترين، الأستاذ في جامعة إكستر، والذي يرى مرضى مصابين بكوفيد طويل الأمد في عيادته المتخصصة في متلازمة التعب المزمن، لموقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC: "ليس لدينا شك في وجود كوفيد طويل الأمد".
كم عدد الأشخاص المصابين بكوفيد طويل الأمد؟
تابعت دراسة أُجريت على 143 شخصاً في أكبر مستشفى في روما، ونُشرت في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية، حالة المرضى بعد خروجهم من المستشفى.
وأظهرت الدراسة أن 87% منهم ظلوا يعانون من عرضٍ واحد على الأقل قرابة شهرين، بعد خروجهم من المستشفى، ولا يزال أكثر من نصفهم يعانون من الإجهاد. غير أن مثل هذه الدراسات تركز فقط على قلة من الناس، الذين كانوا بحاجة إلى تلقي العلاج في المستشفى.
وجد تطبيق تتبع أعراض كوفيد -الذي يستخدمه قرابة 4 ملايين شخص في المملكة المتحدة- أن 12% من الأشخاص لا يزالون يعانون من أعراض المرض بعد مرور 30 يوماً على الإصابة. وتشير بيانات التطبيق الأخيرة، التي لم تُنشر بعد، إلى أن واحداً من بين كل 50 شخصاً (2%) من جميع المصابين ظلوا يعانون من أعراض كوفيد طويل الأمد بعد مرور 90 يوماً.
هل يجب أن تصاب بأعراض حادة للمرض حتى تعاني من كوفيد طويل الأمد؟
يبدو أن الأمر لا يتوقف على هذا. لا يزال نصف الأشخاص المشاركين في دراسةٍ في العاصمة الأيرلندية دبلن يعانون من إجهاد بعد مرور 10 أسابيع على إصابتهم بفيروس كورونا، وكان ثلثهم غير قادر على العودة إلى العمل.
وبشكل قاطع لم يجد الأطباء علاقة بين حدة المرض واستمرار الإعياء، لكن الإجهاد المفرط هو عرض واحد من أعراض كوفيد طويل الأمد. يعتقد كريس برايتلينج، الأستاذ في جامعة ليستر ورئيس المحققين في مشروع PHOSP-Covid الذي يتتبع رحلة تعافي المرضى، أن الأشخاص الذين عانوا من الالتهاب الرئوي ربما تكون لديهم مشكلات أكثر بسبب تعرض رئتهم لأضرارٍ.
كيف يتسبب الفيروس في حالة كوفيد طويل الأمد؟
هناك الكثير من النظريات، لكن لا توجد إجابات حاسمة، ربما يكون الفيروس قد خرج من معظم أجزاء الجسم، لكنه لا يزال موجوداً في بعض التجاويف الصغيرة.
قال تيم سبيكتور، الأستاذ في كلية كينغز كوليدج في لندن: "إذا كان هناك إسهال طويل الأمد ستجد الفيروس في الأمعاء. وإذا كان هناك فقدان لحاسة الشم ستجد الفيروس في الأعصاب، لذا قد يكون هذا ما يسبب المشكلة".
قد يصيب فيروس كورونا عدداً واسعاً ومتنوعاً من خلايا الجسم، ويولد رد فعل نشطاً من الجهاز المناعي، ما قد يلحق أضراراً في أجزاء مختلفة بالجسم.
وتذهب إحدى النظريات إلى أن الجهاز المناعي لا يعود إلى طبيعته بعد الإصابة بكوفيد- 19، ويتسبب هذا في اعتلال الصحة.
ربما تغيّر العدوى في الطريقة التي تعمل بها الأعضاء في أجسام بعض الأشخاص. ويتضح هذا للغاية في حالة الرئة إذا أصيبت بندوب جراء الفيروس، عانى أشخاص من مشكلات طويلة الأمد بعد الإصابة بفيروس سارس أو ميرس، كلاهما نوعان من فيروس كورونا.
لكن يمكن أن يتسبب كوفيد-19 في تغيّر التمثيل الغذائي في الجسم، هناك حالات لأشخاص أصبحوا غير قادرين على التحكم في مستوى السكر في الدم بعد إصابتهم بمرض السكري جراء الإصابة بكوفيد-19، وأدى فيروس سارس إلى تغيير الطريقة التي يعالج بها الجسم الدهون لمدة 12 عاماً على الأقل.
وهناك علامات مبكرة تشير إلى حدوث تغيّر في بنية الدماغ، لكن لا تزال هذه العلامات قيد التحقيق. كما أن كوفيد-19 يفعل أشياء غريبة في الدم، بما في ذلك تكوين جلطات غير عادية، وإتلاف شبكة القنوات التي تحمل الدم في مختلف أنحاء الجسم.
هل هذا أمر غير اعتيادي؟
إن الإجهاد المستمر بعد الإصابة بالفيروس أو الكحة المستمرة بعد الإصابة مُوثَقّة بشكل جيد وشائعة -لقد أصبنا جميعاً، غالباً، بعدوى ما وتطلب الأمر وقتاً طويلاً للتعافي تماماً من أعراضها.
يعاني واحد من بين كل 10 أشخاص يصابون بالحمى الغدية من إجهاد يستمر لشهور. وهناك اقتراحات تشير إلى أن الإنفلونزا، وخاصة بعد جاحة عام 1918، ربما تكون مرتبطة بأعراض مشابهة بمرض باركنسون.
هل سيتعافى الناس بشكلٍ كامل؟
يبدو أن عدد الناس المصابة بفيروس كوفيد طويل الأمد يتناقص بمرور الوقت. لكن الفيروس ظهر فقط في نهاية عام 2019، قبل أن ينتشر عالمياً في بداية العام الجاري، لذا هناك نقص في البيانات طويل الأمد.
قال برايتلينج: "لقد طلبنا تتبع حالة الناس المصابة بالفيروس لمدة 25 عاماً. آمل، بالطبع، أن يعاني عدد صغير للغاية من الأشخاص من مشكلات صحية بعد مرور عام على الإصابة، لكن قد أكون مخطئاً". لكن هناك مخاوف من أنه حتى وإذا كان الناس يتعافون حالياً فقد يواجهون مخاطر صحية طوال حياتهم.
الأشخاص، الذين يعانون من متلازمة التعب المزمن، هم الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس مجدداً، وهناك مخاوف من العدوى المستقبلية قد تؤدي إلى تدهور الأعراض فجأة.
وقال سترين: "إذا سار كوفيد طويل الأمد على نفس النمط، أتوقع حدوث بعض التعافي، لكن إذا كان الأمر يتطلب فقط الإصابة بفيروس كورونا آخر لظهور أعراض المرض مجدداً، فقد يحدث هذا كل شتاء". وحذرت منظمة الصحة العالمية من أن انتشار الالتهاب بسبب فيروس كورونا قد يؤدي إلى تعرض الأشخاص إلى أزمات قلبية في سنٍّ مبكرة.
ما الذي ينبغي عليّ فعله إذا كانت أعتقد أنني أعاني من كوفيد طويل الأمد؟
في بريطانيا تم التركيز على هذه الحالات مبكراً، ولدى هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية خطة تسمى "خطة تعافيك من كوفيد"، تحتوي على نصائح خاصة لهؤلاء الذين كانوا بحاجة إلى تلقي علاج في المستشفى. وتوصي الخطة بثلاثة أشياء للحفاظ على طاقتك:
- تنظيم وتيرة نشاطك اليومي حتى لا تضغط على نفسك بمجهود زائد، واحرص على الحصول على الكثير من الراحة.
- نظّم أيامك بحيث توزع أكثر المهام المتعبة أو التي تتطلب الكثير من المجهود عبر الأسبوع.
- رتب أولوياتك، فكر فيما تحتاج إلى فعله وما يمكن تأجيله.
- ونصحت الخطة بالتواصل مع المستشفى أو الطبيب العام الذي تتابع معه إذا لم تتعافَ بالسرعة التي تتوقعها.