منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إصابته بفيروس كورونا الجمعة 2 أكتوبر/تشرين الأول، قبل شهر فقط من التصويت في أشرس انتخابات رئاسية في تاريخ البلاد الحديث، قفزت معركة الوباء القاتل إلى صدارة أجندة الملفات الانتخابية، فكيف صبَّ ذلك التحول في صالح المرشح الديمقراطي جو بايدن بصورة لم يكن يحلم بها هو نفسه؟
تضارب المعلومات وعدم الشفافية
النقطة الأولى التي برزت منذ الإعلان عن إصابة ترامب وزوجته ميلانيا بالعدوى هي ذلك الغموض والرسائل المتناقضة والمرتبكة التي غلفت صحة الرئيس، في وقت كان لتلك الأخبار تأثير مباشر ليس فقط على الأوضاع بشكل عام داخل الولايات المتحدة بل حول العالم أيضاً، من هبوط حاد للبورصات والأسواق المالية إلى أسعار النفط وغيرها من الأمور الاقتصادية بشكل عام.
وجاء إقرار طبيب البيت الأبيض شون بي. كونلي بأن مستويات الأكسجين في دم ترامب انخفضت في الأيام الأولى وأصيب بحمى شديدة صباح الجمعة واعترافه بأن حالة الرئيس كانت أسوأ مما تم الكشف عنه في مناسبة سابقة، ليضيف مزيداً من الغموض حول الحالة الصحية للرئيس.
فتلك الإفادة الطبية جاءت الأحد، بعد يوم كامل من تقارير متضاربة من البيت الأبيض أثارت غموضاً واسع النطاق عن الحالة الصحية للرئيس، فقد صرح مسؤول كبير، مساء الجمعة، بأن حالة ترامب الصحية مقلقة، عكس التقارير الأولية التي أدلى بها كونلي، ليتضح لاحقاً أن ذلك المسؤول هو مارك ميدوز رئيس موظفي البيت الأبيض نفسه.
وقد استشاط ترامب غضباً من ميدوز وتصريحاته بشأن وضع الرئيس الصحي، بحسب تقرير لشبكة CNN، وهو ما يوضح مدى حرص ترامب نفسه على ألا يبدو ضعيفاً في مواجهة الوباء الذي طالما قلل الرئيس من خطورته على مدى الشهور الطويلة الماضية، حيث أمضى ترامب معظم شهور العام الحالي وهو يهون من خطر وباء كوفيد-19 الذي أصاب نحو 7.4 مليون أمريكي وأودى بحياة أكثر من 209 آلاف وألحق أضراراً جسيمة باقتصاد البلاد خسر بسببها ملايين الأمريكيين وظائفهم.
تصرف "جنوني" يزيد الطين بلة
وأراد ترامب على ما يبدو أن يبدد الشكوك بشأن حالته الصحية، خصوصاً بعد نقله إلى مستشفى والتر ريد العسكري في واشنطن مساء السبت، فبث مقطع فيديو تحدث فيه عن "معجزات إلهية" وأن حالته الصحة ممتازة ملوحاً بمفاجأة، والتي كانت عبارة عن تصرف وصفه طبيب مقيم في المستشفى بأنه غير مسؤول ومجنون.
والحديث هنا عن ظهور ترامب بشكل مفاجئ في موكب سيارات خارج المستشفى لتحية مؤيديه، حيث ظهر الرئيس (74 عاماً) وهو يضع كمامة ويلوح بيده لمؤيديه من المقعد الخلفي لمركبة سوداء وسط موكب سيارات أمام مركز والتر ريد الطبي العسكري خارج واشنطن، ولوَّح مؤيدو الرئيس بأعلام حملته الانتخابية مرددين "أمريكا.. أمريكا".
هذا التصرف أثار عاصفة من الانتقادات بالطبع، فالمرض الناتج عن فيروس كورونا شديد العدوى، مما يعني أن الرئيس خاطر بصحة مرافقيه ولم يستمع لتعليمات الأطباء المعالجين بهدف توصيل رسالة سياسية، وهو ما يبدو أنه ارتد عليه وأتى بنتائج عكسية.
فخلال جولة انتخابية في ميشيغان يوم الجمعة، تجنب بايدن توجيه انتقادات مباشرة لمنافسه الذي أصيب بالفيروس وعبر عن تمنياته للرئيس بالشفاء، لكن خروج ترامب من المستشفى بذلك الشكل المسرحي لتحية مؤيديه رفع الحرج عن منافسه الذي وصف تعامل ترامب مع الجائحة بأنه "مناف للمنطق"، واشتدت حدة لهجته في الحديث عن تعامل إدارة ترامب الكارثي مع الوباء.
وقد أعدت شبكة CNN تقريراً بعنوان "رغم دخوله المستشفى، لا زال ترامب لا يأخذ الوباء مأخذ الجد"، استضاف خبراء أوبئة وأطباء ومحللين سياسيين أجمعوا على أن ما أقدم عليه ترامب يبعث برسالة مناقضة تماماً للرسالة التي أراد إيصالها.
ترامب أراد أن يبدو قوياً وأن الوباء ضعيف ويمكن الانتصار عليه، عكس الإرشادات التي يجب على المواطنين اتباعها من عدم مخالطة حامل العدوى وارتداء الأقنعة والتباعد الاجتماعي، فالعدوى قد تكون قاتلة ولا توجد معلومات أكيدة بشأن مدى خطورة الفيروس الذي لا يستثني أحداً من العدوى ولا حالات الوفاة؛ فهو يصيب الرضع والأطفال والمراهقين والشباب وكبار السن من الجنسين، وبالتالي لا مجال للاستهانة به على الإطلاق.
لكن الدكتور جيمس فيليبس الطبيب بمستشفى والتر ريد كان أكثر حدة في انتقاد تصرف الرئيس وقال في تغريدة على تويتر: "كل شخص في السيارة (الليموزين التي استقلها ترامب) أثناء تلك الجولة الرئاسية غير الضرورية بالمرة لابد أن يتم عزله لمدة 14 يوماً، فقد يمرضون وربما يموتون لأجل مسرحية سياسية أمر بها ترامب. هذا جنون".
كيف تبدو حظوظه الانتخابية؟
مرض ترامب قلب حملته الانتخابية رأساً على عقب، وذلك في خضم مسعاه لمواجهة بايدن كان متقدماً عليه بالفعل في استطلاعات الرأي، فقد أظهر استطلاع لرويترز/إبسوس نشر الأحد أن بايدن يتقدم بعشر نقاط على ترامب على مستوى البلاد وهو ما يزيد قليلاً عما كان عليه الأمر خلال الشهرين الماضيين.
وقال نحو 65٪ من الأمريكيين إن ترامب ما كان ليصاب بالمرض على الأرجح لو أخذ الفيروس على محمل الجد وهو رأي أيده نصف الجمهوريين المسجلين الذين استطلعت آراؤهم، وقال 55٪ إنهم لا يعتقدون أن ترامب كان يقول الحقيقة عن الفيروس.
وفي ظل ارتفاع عدد الإصابات في البلاد مع اقتراب موسم الشتاء وهو ما يؤكد تحذيرات من موجة ثانية من الوباء أطلقها سابقاً خبراء الأوبئة في البلاد وعلى رأسهم أنطوني فوتشي الذي لطالما تجاهل ترامب توصياته بل وانتقده بحدة وفكر في إقالته، بحسب تقارير متعددة، يرى كثير من المراقبين أن موقف ترامب – بغض النظر عن وضعه الصحي – أصبح أكثر صعوبة وأن حظوظه في الفوز بفترة رئاسية ثانية ربما تكون قد تحطمت على صخرة الوباء الذي تجاهله ولم يتعامل معه بجدية حتى بعد إصابته هو شخصياً به.