"الأولاد الفخورون" (Proud Boys) جماعة يمينية متطرفة أصبحت حديث الساعة في الولايات المتحدة بعد أن وجَّه لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسالة مباشرة أثناء المناظرة الأولى، فما قصة تلك الجماعة؟ وماذا تريد؟ وما علاقتها بالمسلمين والأمريكيين من غير البيض؟
مَن هم "الأولاد الفخورون"؟
إحدى مجموعات اليمين المتطرف الساعين لفرض سيطرة الرجل الأبيض، تأسست عام 2016 بالتزامن مع ترشح دونالد ترامب للرئاسة وقتها، ومؤسسها هو جافين ماكينيس ناشط يميني متطرف يحمل الجنسية الكندية والبريطانية، ولا تضم الجماعة في عضويتها سوى الرجال البيض، وصنفها مكتب التحقيقات الفيدرالي عام 2018 "جماعة متطرفة"، وتصفها منظمة ضد التشهير الحقوقية بأنها "جماعة كارهة للنساء معادية للمسلمين وللهجرة"، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
ويتركز وجود الجماعة في الولايات المتحدة، خصوصاً في الولايات الغربية، كما أن لها تواجداً في بعض البلاد الأخرى ككندا والمملكة المتحدة وأستراليا، وعلى الرغم من شهرتها التي اكتسبتها من الأحداث الدموية التي شارك فيها أعضاؤها وتنظيمها الأقرب للميليشيات المسلحة، فإن عدد المنتمين لها فعلياً يظل غامضاً ويعتبر الكثيرون أن أعضاء الجماعة ربما لا يزيدون على بضعة آلاف أو أقل.
والانضمام للأولاد الفخورين له طقوس محددة وقسم يتعهد به العضو الجديد: "أنا شوفيني غربي فخور أرفض الاعتذار عن تأسيس العالم الحديث"، ثم يمر العضو بعملية تأهيل عنيفة، وفي هذا السياق كشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أن العنف سمة جوهرية في الجماعة، وتوجد أربعة مستويات من العضوية، أولها ترديد الشعار الداعم لقيم الجماعة بصوت عالٍ ورسم وشم الجماعة والمشاركة في المظاهرات، بينما المستوى الأعلى فهو خاص بمن يشاركون في أحداث العنف نيابة عن الجماعة.
وللجماعة علم خاص لونه أسود بخيوط ذهبية ومرسوم عليه ديك ينظر نحو الغرب، وشعارهم "الغرب هو الأفضل"، ولهم مؤتمر سنوي انعقد مؤخراً في لاس فيغاس بعنوان "مهرجان الغرب"، ورغم أن ماكينيس أصر، أمس الأربعاء 30 سبتمبر/أيلول، على أنه لا يوجد للجماعة "جيش سري" وميليشيات تنتظر أوامر الرئيس للانخراط في حرب شوارع، فإنه استدرك: "لو استمرت الاحتجاجات العنيفة في البلاد، فإن الأمريكيين سوف يقولون إنهم سئموا حرق مدنهم وسيبدأون المقاومة".
ويصر مؤسس الجماعة المتطرفة على أن عدد الأعضاء فيها يزيد على 5 آلاف، وأن لهم تواجداً بجميع الولايات الأمريكية، إضافة إلى فروع في أكثر من 12 دولة، لكن الخبراء الذين تحدثت معهم الصحيفة الأمريكية قالوا إن العدد أقل من ذلك، وإنه لا يزيد عن 3000 ولا يقل عن ألف.
والانضمام للأولاد الفخورين له طقوس محددة وقسَم يتعهد به العضو الجديد: "أنا شوفيني غربي فخور أرفض الاعتذار عن تأسيس العالم الحديث"، ثم يمر العضو بعملية تأهيل عنيفة.
ماذا قال ترامب عنهم في المناظرة؟
رداً على سؤال لمدير المناظرة كريس والاس بشأن مدى استعداد الرئيس لإدانة جماعات اليمين المتطرفة، قال ترامب: "أنا مستعد لذلك"، دون أن يدين أحداً، وأضاف: "أنا مستعد لعمل أي شيء. أريد أن أرى السلام"، وعندما ردد والاس السؤال وانضم له بايدن، بدا واضحاً أن ترامب لا يريد توجيه إدانة لجماعات اليمين وحول دفة الحديث إلى "أنيفا واليسار".
"ماذا تريد أن تسميهم؟ اذكر اسماً محدداً. ما الجماعة التي تريدني أن أدينها؟"، فرد بايدن: "الأولاد الفخورون"، وهنا قال ترامب: "أيها الأولاد الفخورون، تراجعوا وكونوا مستعدين"، مضيفاً: "لابد أن يفعل أحد شيئاً بخصوص أنتيفا واليسار لأن هذه ليست مشكلة اليمين بل مشكلة اليسار".
وأنتيفا التي أشار إليها ترامب ووصفها قبل ذلك بأنها منظمة إرهابية محلية عبارة عن "أيديولوجية أو حركة أكثر منها منظمة"، بحسب شهادة حديثة أمام مجلس الشيوخ أدلى بها مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي، بحسب تقرير لشبكة CNN.
تاريخ من العنف وإشارة رئاسية بالاستعداد
وعلى الرغم من أن جماعة الأولاد الفخورين ارتكبت أعمال عنف وتم الحكم على أعضاء منها بالسجن لفترات طويلة، فإنها لم تصبح اسماً معروفاً على مستوى البلاد إلا بعد ذكرها في المناظرة ورسالة الرئيس لها التي اعتبرها البعض إيذاناً "بالاستعداد للحرب".
فبعد دقائق من رسالة ترامب، أصدر رئيس الجماعة الحالي إنريك تاريو أوامره لمصنع إنتاج التي شيرتات الذي يمتلكه في ميامي بطباعة رسالة ترامب على تي شيرت جديد "الأولاد الفخورون: استعدوا"، أما المؤسس السابق ماكينيس فقد اعتبر أن رسالة الرئيس هي أمر بالاستعداد لمحاربة أنيفا، بحسب نيويورك تايمز، رغم أن أنتيفا ليست منظمة ولا جماعة بل حركة يسارية تقود الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد في أعقاب مقتل المواطن الأمريكي من أصل إفريقي جورج فلويد في مايو/أيار الماضي.
وقال ماكينيس للصحيفة: "أعتقد أنه (ترامب) قال لو أن أنيفا بدأت حرق المدن مرة أخرى فعليكم (الأولاد الفخورون) بالتدخل ومحاربتهم"، مضيفاً "أعتقد أنه (ترامب) يقول أقدركم وأقدر دعمكم لي".
وفي ظل تاريخ الجماعة العنيف منذ ظهورها على الساحة مع ترشح ترامب للرئاسة قبل أربع سنوات، ووجود علاقة لأعضائها مع روجر ستون أبرز مساعدي ترامب الذي حكم عليه بالسجن بشأن تورطه في فضيحة تدخل روسيا في الانتخابات الماضية جاءت رسالة ترامب بمثابة تفويض لتلك الجماعة النازية بمواصلة اعتداءاتها وإرهابها في البلاد، بحسب محللين تحدثوا لسي إن إن ونيويورك تايمز وغيرهما من وسائل الإعلام.
فعلى مدى السنوات الأربع الماضية تورّطت الجماعة في مصادمات وحوادث عنيفة في مدن كبورتلاند وأور وبيركلي وكاليفورنيا، إضافة إلى مسيرة نازية في تسارلوتسفيل عام 2017، نظمها أحد أعضاء "الأولاد الفخورون"، لذلك سعى ترامب الأربعاء لوضع مسافة بينه وبين الجماعة، بعد أن انتقده بعض الجمهوريين وأنكر ترامب معرفته بالجماعة، وخرج تاريو محاولاً إنقاذ الرئيس بالقول إن ما قصده ترامب هو أن الجماعة عليها أن "تترك الشرطة تقوم بعملها"، وأنّ "استعدوا" مجرد زلة لسان.
وإذا ذكرنا هنا أن منصات التواصل كفيسبوك وتويتر قامت بحظر حسابات الجماعة لأنها تنادي بالعنف والكراهية، فإن رفض الرئيس إدانتها وربط ذلك بإدانة حركة يسارية لم يثبت تورطها في أي أحداث عنف من جانب قوات إنفاذ القانون، سواء على مستوى الولايات أو على مستوى البلاد، فإن ترامب قد وضع نفسه في مأزق جديد بعد خسارته للمناظرة نفسها، بحسب المحللين.
ففي عام 2017 قامت الجماعة بمسيرة بالدراجات النارية في شوارع إسلامبيرغ في ضواحي نيويورك، حيث كانت عائلات مسلمة قد انتقلت إليها هرباً من العنصرية والعنف في مدينة نيويورك نفسها، بعد أن وجهت جماعة "الأولاد الفخورون" مزاعم كاذبة للمسلمين بأنهم يدربون متطرفين إسلاميين.
وفي أغسطس/آب ألقت الشرطة القبض على كايل ريتينهاوس، بعد أن أطلق النار على مظاهرة في كينوشا بولاية ويسكينسن وقتل اثنين من المتظاهرين، كان رد فعل الجماعة التي رفض الرئيس إدانتها، بل وقال لهم أن يستعدوا، هو طباعة عبارة "ريتينهاوس لم يرتكب خطأ" على القمصان التي يرتدونها في مسيراتهم التي تشبه التحركات العسكرية وتعج بالأسلحة.