نشرت قوات الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في لبنان "اليونيفيل"، يوم الأحد الماضي، بناءً على طلب من القوات المسلحة اللبنانية، كتيبة تضم قوة متعددة الجنسيات في بيروت، لمساعدة السلطات اللبنانية على إزالة مخلفات انفجار مرفأ بيروت.
وبحسب بيان اليونيفيل، فقد انتشر جنود حفظ السلام التابعون لليونيفيل في العاصمة اللبنانية ومعهم آليات ثقيلة ومعدات أخرى، وكانت قوات اليونيفيل قد قدمت إلى لبنان في أعقاب الحرب بين حزب الله وإسرائيل عام 2006، بناء على القرار الأممي 1701، وظلت باقية حتى الآن.
لكن على جانب آخر أثار انتشار قوات اليونيفيل تساؤلات حول مهام اليونيفيل التي لا يعلمها أحد، فهل أتت إلى مرفأ بيروت، وقد تصل إلى مطار بيروت قريباً، لتحاصر حزب الله وتحجم نفوذه في المرفأ والمطار؟ وهل هناك استهداف للنفوذ التركي في شرق المتوسط؟ أم ستؤدي مهمتها بعيداً عن الصراع الدائر في المنطقة؟
محاصرة حزب الله وتحجيم تركيا
يؤكد مصدر سياسي كبير في لبنان لـ عربي بوست، أن توسيع صلاحيات اليونيفيل له عدة أهداف أبرزها مقاسمة حزب الله في السيطرة على مرافق ومعابر لبنان ومرفأ بيروت، الذي كان منفذاً كبيراً لعمليات التهريب واستيراد السلاح دون رقابة مباشرة من السلطة اللبنانية، بحسب المصدر.
فيما شدَّد المصدر المطلع على أن الرقابة الدولية على منافذ الدولة بدأت من لحظة إعلان العقوبات على الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فينيانوس، اللذين تتهمهما واشنطن من خلال وزارتي المال والنقل بتسهيل حركة تهريب حزب الله، وإعفائه جمركياً من المواد المهربة.
ويؤكد المصدر أن الهدف الثاني هو تحجيم نفوذ تركيا في منطقة شرق المتوسط، فقد باتت تشكل هاجساً لأوروبا عموماً وفرنسا خصوصاً، بعد تزايد نشاطها ونفوذها في المنطقة.
رسالة أمريكية لمن؟
قبل لحظات من مؤتمر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي عقده للحديث حول تطورات الملف اللبناني، جاء البيان الذي وزعته قوات اليونيفيل عن نشر قوة عسكرية لها في مرفأ بيروت.
كان لهذه الخطوة أبعاد كثيرة في ظل تأكيد واشنطن أن اليونيفيل ستخطو الخطوة نفسها في مطار بيروت الدولي، حيث يعتبر مراقبون أنها مشاركة مباشرة لحزب الله في مواضع قوته الحيوية، التي يفرض من خلالها قوته وحضوره السياسي والأمني على مداخل ومخارج لبنان.
وفي السياق، فإن مصادر دبلوماسية تؤكّد لــ عربي بوست أن الخيارات التي تُطرح للبنان بعد إفشال المبادرة الفرنسية تستوجب أقصى درجات التنبه والحذر، وأن كل الاحتمالات مفتوحة، لذلك فإن التدخل الدولي غير مستبعد في حال تطوّرت الأمور نحو المجهول السياسي والأمني المرتبط بالواقع الاقتصادي المنهار.
وتُشدّد المصادر على أن خيار تدويل الأزمة مطروح دائماً، وأن الأمر يحتاج إلى توافق دولي، في حين أن الأمريكيين يركزون حالياً على انتخاباتهم الرئاسية، ما يعني أن أي حديث في هذا الصدد يستوجب تبيان ما سيجري في نتائج الانتخابات الأمريكية، خاصة في ظل التشتت حول إمكانية بقاء ترامب أو فوز بايدن.
تواصل أمريكي فرنسي
تشير المصادر إلى أن البحث كان يدور سابقاً حول توسيع مهام "اليونيفيل" قبل التجديد لها نهاية الشهر الماضي، لكن التطورات التي وقعت في لبنان بعد انفجار المرفأ أخّرت البحث في الأمر، ما يعني أن الأنظار لم تُصرف عن هذه الفكرة.
وبحسب المصدر فإن توسيع مهام قوات الطوارئ الدولية يأتي في إطار شروط واشنطن لمساعدة لبنان، فهو من بين الشروط الأمريكية لتعزيز عملها ونطاق صلاحياتها في لبنان، ولتحقيق ذلك وافقت واشنطن على التجديد للقوات الدولية لسنة جديدة، شريطة وضع خطة خلال 60 يوماً لآلية عمل جديدة لهذه القوات وتوسيع صلاحياتها.
فيما يؤكد المصدر أن ما جرى الآن يعد رسالة لباريس، التي مازالت تعول على تفاهماتها مع طهران وحزب الله لإنجاح مبادرتها التي فشلت نتيجة تعنت الثنائي الشيعي -حزب الله وحركة أمل- وإصرارهما على حصة وزارية بحكومة أديب، ما دفعه للاعتذار عن عدم تشكيل الحكومة.
وتؤكد المصادر أن وزيري الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان والأمريكي مايك بومبيو تواصلا هاتفياً -قبيل المؤتمر الصحفي للرئيس الفرنسي ماكرون- وأن بومبيو أبلغ لودريان أن واشنطن متأكدة من أن إيران وحزب الله يعرقلان المساعي الحقيقية للحل، وعلى المجتمع الدولي ممارسة دور جدي في حماية اللبنانيين.
وأكد بومبيو لنظيره الفرنسي أن واشنطن مازالت تراقب الوضع اللبناني وهي غير راضية على أداء "حزب الله"، وهذا يجعل أمريكا والدول الكبرى تفكّر بحلول غير دبلوماسية، وأنها تتجه نحو تدويل الأزمة اللبنانية بعد فشل الطبقة السياسية في حماية السيادة والعلاقات الخارجية بسبب انحيازها لحزب الله.
فيما تؤكد مصادر سياسية مطلعة أن هناك نقاشاً قديماً يتعلّق بتوسيع مهام "اليونيفيل" في منطقة جنوب نهر الليطاني، وانتشارها على طول السلسلة الشرقية والحدود الشمالية مع سوريا.
إضافةً إلى ضبط المعابر الشرعية مثل المطار والمرافئ، وعلى رأسها مرفأ بيروت، بالإضافة للمعابر على الحدود السورية، التي يستخدمها حزب الله والميليشيات الإيرانية للأغراض التجارية والعسكرية، وتأمين تمويل لنشاطاته في المنطقة.
هذا موقف حزب الله
من جهته، يؤكد عضو كتلة حزب الله الوليد سكرية لـعربي بوست، أن موضوع انتشار كتيبة لليونيفيل في مرفأ بيروت لم يناقش حتى الآن داخل الكتلة بشكل جاد.
وقال إن الانتشار جاء بناءً على طلب الجيش اللبناني للمساعدة في رفع الأنقاض، ولا تحركات أو صلاحيات أخرى لهذا الانتشار.
وأضاف: "توسيع عمل اليونيفيل في لبنان والقيام بأدوار أوسع ليس بيد الإدارة الأمريكية، لأنها فشلت في طرح توسيع عمل قوات الطوارئ في مجلس الأمن".
شدد سكرية على أن أي تصرف تقوم به قوات اليونيفيل يخالف ما أتت من أجله سيكون له موقف آخر، وقال: "هناك حكومة موجودة، وهي من تتحدث باسم لبنان في المحافل الدولية".