عندما يجتمع كورونا مع السيول.. الفيضانات تكشف أن هناك قوى سودانية على الأرض أكثر فاعلية من الحكومة والجيش

عربي بوست
تم النشر: 2020/09/24 الساعة 11:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/24 الساعة 11:38 بتوقيت غرينتش
الفيضانات أدت إلى تشريد أعداد كبيرة من السودانيين/رويترز

كانت ناهد الحسن وأسرتها يتخذون مأوىً من مدرسة ابتدائية في حي الكلاكلة بالعاصمة الخرطوم، بعدما تشردت جراء فيضانات النيل في السودان.

قبل أيام قليلة، فقدت ناهد كل ما كانت تملكه عندما دُمر منزلها بسبب الأمطار الغزيرة والفيضانات السريعة الناتجة عنها.

والآن بعد أن صاروا مُكدسين داخل مخيم مؤقت مع آخرين -خلال جائحة عالمية- تشعر ناهد بالقلق بشأن عائلتها.

أخبرت صاحبة الـ29 عاماً موقع Middle East Eye البريطاني: "أخي وأبي تعافيا من فيروس كورونا قبل 10 أيام، والفيضانات ضربت منزلنا وصار الآن منهاراً جزئياً".

وأضافت: "لا ندري كيف نتعامل مع هذا الموقف العصيب".

فيضانات النيل في السودان تسبب كارثة

على الجانب المقابل من مدينة الخرطوم، حيث الضفة الغربية من نهر النيل، عانت مدينة أم درمان مصيراً أسوأ من هذا. فقد دمرت الفيضانات مئات المنازل هناك، تاركة وراءها عديداً من الأشخاص في مناطق يتعذر الوصول إليها بعد أن قُطعت الطرق الرئيسية التي تؤدي إلى المدينة.

ومع أن السلطات المحلية أنشأت قليلاً من المواقع التي تقدم المأوى والغذاء، يقول السكان إن ثمة حاجة إلى مزيد من المساعدة.

وقال عاطف أحمد (32 عاماً)، أحد أعضاء مجموعة المتطوعين المحلية المعروفة باسم اللجنة الثورية: "نحاول حشد الأشخاص للعثور على موارد للمساعدة في إطعام المتأثرين بالفيضانات وإيوائهم. ساعدت الإدارة المحلية في أم درمان بإمداد قليل من أماكن الإيواء لكن هذا ليس كافياً". وقد أخبر أحمد موقع Middle East Eye بأنه "فقد كل شيء" في الفيضانات.

وفي جزيرة توتي، التي تقع بين المدينتين عند ملتقى النيلين الأبيض والأزرق، دمرت مياه الفيضانات دفاعات الفيضانات المحلية، ما أجبر السكان الذين يعيشون على ضفاف النهر بأن يهجروا منازلهم.

وقال عبدالعظيم عبدالرازق، أحد السكان القدامى في الجزيرة، خلال حديثه مع الموقع: "الدفاع المدني والشرطة والسكان المحليون أداروا عملية إجلاء الناس إلى أماكن مرتفعة. ومع ذلك، لا نزال في حاجة إلى مزيد من أماكن الإيواء وأوجه المساعدة الأخرى".

6 ملايين دولار من الحكومة

إلى جانب الفيضان، يعاني السودان كذلك من أزمة اقتصادية عميقة في وقتٍ يحاول خلاله التصدي لجائحة فيروس كورونا.

ففي الأسبوع الماضي، أعلنت وزيرة المالية السودانية هبة محمد علي أن الحكومة خصصت 340 مليون جنيه سوداني (6.15 مليون دولار) للمساعدة في آثار كارثة الفيضانات.

الفيضانات أظهرت القدرات المحدودة للحكومة السودانية/رويترز

ولكن بالنسبة للمواطنين العاديين مثل حسن علي (40 عاماً) فشلت الحكومة الانتقالية "في اختبارات متنوعة" متعلقة بالأزمات الحالية.

أخبر علي موقع Middle East Eye بينما كان يجلس أمام منزله المحطم في حي مايو الكائن بضواحي الخرطوم: "فشلت الحكومة في مكافحة فيروس كورونا واحتواء تأثير الفيضانات. ترى طوابير في كل مكان من أجل الخبز والوقود. ليس هناك كهرباء ولا غاز للطبخ والبلاد توشك على الانهيار".

موقف مأساوي

وصفت رحمة محمد إبراهيم، مديرة إدارة الطوارئ بالهلال الأحمر السوداني، الموقف في البلد الإفريقي بـ"المأساوي" وقالت إن المنظمة احتاجت إلى ما لا يقل عن 12 مليون دولار من أجل مساعدة هؤلاء المتأثرين بالكارثة الطبيعية.

وقالت رحمة: "السودان يمر حقاً عبر أوقات صعبة في الوقت الحالي. لم يكن لديه فرصة حتى ليلتقط أنفاسه من جائحة فيروس كورونا قبل أن يتعرض لضربة من الفيضانات غير المسبوقة".

فيما قالت الأمم المتحدة إن السودان، الذي أدت أزمته الاقتصادية إلى تهالك البنية التحتية ومحدودية الإمكانات الصحية وضعف الاستجابة للطوارئ، لا يزال مهدداً بالتعرض لمزيد من الفيضانات والأمطار خلال المرحلة القادمة.

وبحسب أحدث تقارير الأمم المتحدة حول السودان، ضربت الفيضانات 17 ولاية سودانية من أصل 18 ولاية، وتأثر بها أكثر من 770 ألف شخص، وكان أشدهم تأثراً في الخرطوم وشمال دارفور وغرب دارفور وسنار.

روح المجتمع هي الأداة الوحيدة المتوفرة

حملت الكارثة الطبيعية أثراً غير متوقعاً متعلقاً بتوحيد المجتمعات، إذ إن أبناء الشعب السوداني من أحياء متنوعة اتحدوا لمساعدة بعضهم بعضاً من أجل تخطي الأوقات الصعبة، برغم الافتقار إلى دعم الحكومة.

كانت ريمة أحمد (30 عاماً) إحدى المتطوعات في تجمع كنداكات، الذي سُمّى تيمناً بما أُطلق على الملكات الحاكمات في حضارات السودان القديمة. كانت ريمة وزميلاتها يشيّدن الخيام من أجل العائلات الفقيرة في جنوب الخرطوم، إضافة إلى إدارة مطبخ للمجتمع لإطعام المتأثرين بالفيضانات.

وأخبرت موقع Middle East Eye: "نحن سعداء بأننا نحيي قيمنا التاريخية ونساعد الناس".

وتعد المجموعة التي انضمت إليها ريمة أحد تنظيمات المتطوعين التي أُنشئت عن طريق الشباب السوداني لمساعدة المحتاجين. وتتضمن التنظيمات الأخرى اللجنة الثورية ومبادرة نفير السودان.

قالت ريمة: "لن ننتظر الحكومة كي تفعل كل شيء من أجلنا. نحن نتخذ هذه المبادرات لمساعدة شعبنا لأننا نعلم أن الموقف الاقتصادي سيئ وأن الحكومة مفلسة بعد عهد البشير". 

تحميل المزيد