هل تستطيع الطائرات المسيّرة إسقاط المقاتلات اعتماداً على الذكاء الاصطناعي؟ يبدو هذا السؤال مبالغة من قِبل محبي الطائرات المسيرة، وأمراً ينتمي لأفلام الخيال العلمي أكثر من الواقع.
لكن الواقع أن بعض الجيوش تدرس جدياً توظيف الطائرات بدون طيار بمساعدة الطيارين البشريين على قتال الطائرات الأخرى، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
فعلى سبيل المثال بدأت تركيا في مشروع لإنتاج طائرة مسيرة أسرع من الصوت، من بين مهامها أن تكون معاونة لطائرة القتال الوطنية التركية (MMU)، التي تسعى أنقرة لإنتاجها بحيث تكون الطائرة المسيرة التركية الأسرع من الصوت قادرة على الطيران جنباً إلى جنب مع طائرة القتال التركية (MMU)، وتنفيذ عمليات مشتركة معها، بل سيتمكن الطيار في (MMU) من التحكم وإدارة الطائرات المسيرة الأسرع من الصوت من حوله.
هل تستطيع الطائرات المسيرة إسقاط المقاتلات؟
إليكم كيف ينظر الجيش الأمريكي إلى استخدام الاقتران بين البشر والطائرات بدون طيار.
ماذا لو رصدت طائرة هجومية مُسلّحة بدون طيار -تعمل بالذكاء الاصطناعي- مقاتلةً معادية، واستخدمت المستشعرات بعيدة المدى لتأكيد الهدف، قبل أن تهاجم الطائرة المسيرة المقاتلة المواجهة لها بصاروخ جو-جو مُوجّه بدقة.
وماذا لو دخلت مقاتلة مُسيّرة أو طائرة مُتقدّمة بدون طيار، تعمل بمستويات مختلفة من الخوارزميات المتقدمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في مناورات قتالية جوية عالية السرعة، خلال قتالٍ مباشر أو اشتباكٍ عن قرب مع مقاتلةٍ مُعادية مأهولة؟
باتت هذه الأسئلة، التي تُثير تساؤلات تكتيكية واستراتيجية أساسية متعلّقة بالقيادة والتحكم، جزءاً من واقعٍ سيفرض نفسه سريعاً على المدى القريب.
إذ قال الفريق جاك شاناهان، مدير مركز الذكاء الاصطناعي المشترك، لمعهد The Mitchell Institute for Aerospace Studies خلال سلسلةٍ خاصة من مقابلات الفيديو: "يُعَدُّ اصطدام الأنظمة الذاتية القيادة بالأنظمة المأهولة جواً من الأفكار الجرئية.
وأوضح شاناهان أنّه بينما توجد ذاتية القيادة الآن في مختلف الأشكال ذات الأهمية التشغيلية الكبيرة، فإن الذاتية المُعتمدة على الذكاء الاصطناعي تُدخلنا إلى آفاق جديدة من إمكانات الحرب التي يستكشفها البنتاغون الآن بعمقٍ أكبر.
وأردف: "سنشهد مع ذاتية القيادة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي تشكيل بعض القدرات الكبيرة للغاية".
وذاتية القيادة التي يُحرّكها الذكاء الاصطناعي تُقدّم بالفعل مجموعةً من الآثار التقنية والتكتيكية والاستراتيجية الجديدة، مثل إدخال نماذج جديدة من صنع القرار وحلّ المشكلات والعمليات.
وبشكلٍ أساسي، ستكون المنصات التي يُحرّكها الذكاء الاصطناعي المتقدم قادرةً على تمييز، ومعالجة، وتحليل كميات هائلة من المعلومات بشكلٍ شبه فوري. ما من شأنه تسريع وقت "الاستشعار إلى إطلاق النار"، علاوةً على إتاحة تنفيذ مجموعةٍ أكبر من الأنشطة التشغيلية دون الحاجة إلى التدخل البشري.
سيظل هناك دور للبشر
وبدلاً من مجرد اتباع "نقاط الطريق" الملاحية المحددة سلفاً باستخدام نظام التموضع العالمي (GPS)، الأمر المعمول به فعلاً منذ فترة، ستصير الطائرات بدون طيار والمقاتلات قادرةً على تلقي المدخلات الجديدة، وإجراء تحليلات أثناء الرحلة قبل اتّخاذ قرارات مُؤثّرة بشكلٍ ذاتي ومستقل.
وفي حين سيحتفظ البشر بالإجراءات المطلوبة للقيادة والتحكم، سيتمكّن الذكاء الاصطناعي من تسهيل قدرة الأنظمة غير المأهولة مثلاً على تعديل الرحلة، استجابةً لبيانات الاستشعار الجديدة. وهذا قد يشمل معالجة موقع القوة والبيانات الملاحية بين المنصات المأهولة، والمنصات غير المأهولة، ومراكز القيادة الأرضية القريبة التي يُشغّلها البشر.
وعلى سبيل المثال يُمكن للطائرة بدون طيار أو المقاتلة غير المأهولة المُشغّلة في منطقةٍ عالية الخطورة، حين تُواجه تشكيلات قوات العدو أو تكوينات تضاريس ذات أهمية تكتيكية كُبرى، أن تبعث بتلك المعلومات الجديدة إلى قاعدة بيانات ضخمة وتبدو غير محدودة من أجل إجراء التحليلات والتعديلات اللازمة.
وربما يُمكن للحاسوب على متنها الوصول إلى قاعدة البيانات الاستخباراتية التي تكشف مسارات العمل الناجحة في السابق خلال ظروفٍ مماثلة، وتحليل المعلومات عن قدرات وأصول وأسلحة العدو، ثم إعلام المنصات غير المأهولة بأفضل مسارٍ للعمل الفوري. ويُمكن للحاسوب على متن الطائرة تقدير مجموعةٍ من المتغيّرات على الفور، لإجراء الحسابات التي حددها البشر مسبقاً بشكلٍ متسقل.
الإف 35 تستفيد من الذكاء الاصطناعي
ويُمكن القول إنّ "مستشعر الدمج" المعروف على مقاتلات الإف-35، الذي يُنظم معلومات المستشعر المتباينة في شاشةٍ واحد للطيار، يُعَدُّ تطبيقاً مُبكّراً للذكاء الاصطناعي.
ولا شكّ أنّ القيادة الذاتية الناشئة أو المستقبلية المُعتمدة على الذكاء الاصطناعي ستشمل ثروةً أو مجموعةً ضخمة من المعلومات، وتُحسّن المعالجة والتحليلات، وتُجري عمليات اتّخاذ القرار المرتبطة بمجموعةٍ من الديناميات المعقدة دون الحاجة إلى البشر.
في حين أنّ الوظائف الإجرائية والتحليلية، مثل إدارة المعلومات ومعالجة البيانات، يُمكن تنفيذها جميعاً بكفاءةٍ أكبر من البشر، مع ترك الإدراك البشري في دور المتحكم النهائي.
وفي الواقع، فإنّ سرعة الحسابات والسرعة المتزايدة التي يُمكن للأنظمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي الحصول بها على المعلومات الجديدة، ومعالجتها، وتحليلها من المتوقّع أن تفتح المجال أمام القتال المباشر والمناورات القتالية واتّخاذ القرارات التكتيكية بدون البشر.
إذ قال شاناهان: "سوف نشهد أعداداً أقل من البشر يتحكّمون في أعدادٍ أكبر من الآلات. وفي بعض الحالات سيكون التعامل بين الآلات في الأساس، مع إدخال العنصر البشري بوصفه جزءاً واحداً من المعادلة".
وبالطبع، في الوقت الحالي على الأقل، يعتمد كل ذلك على جوهرٍ وفرضيةٍ أساسية لم تتغير -حتى الآن- وهي أنّ التحكّم النهائي يجب أن يظل في يد البشر القادرين على استغلال الخصائص الفريدة للإدراك البشري.
يقول شاناهان: "الفشل الوحيد سيكون فشلاً في الخيال".
أول معركة بين مقاتلة عادية وبين طائرة مسيرة وقعت بين دولة عربية وأمريكا
تجدر الإشارة إلى أن أول معركة بين مقاتلة عادية وطائرة بدون طيار كانت بين العراق والولايات المتحدة.
ففي 23 ديسمبر/كانون الأول 2002، أسقطت مقاتلة اعتراضية عراقية من طراز MiG-25 طائرة بدون طيار تابعة للقوات الجوية الأمريكية من طراز MQ-1 Predator، والتي كانت تقوم باستطلاع مسلح فوق العراق.
كانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي تشارك فيها طائرة بدون طيار في القتال. كانت الطائرة بريداتور مسلحة بصواريخ AIM-92 Stinger جو-جو، وكان يتم استخدامها "كطعم" للطائرات المقاتلة العراقية، ثم تفر لكي تقوم طائرات أمريكية أخرى بإسقاط الطائرات الأمريكية.
لكن في هذه الحادثة لم تنطلق طائرة بريداتور، وأطلقت بدلاً من ذلك إحدى طائرات ستينجر التي أخطأت، بينما نجح صاروخ الميج 25 الروسية الصنع في إسقاط الطائرة المسيرة الأمريكية، بالطبع لم تكن الطائرة المسيرة الأمريكية متطورة كالمسيرات الموجودة حالياً، ولم تكن تعتمد على الذكاء الصناعي بنفس المقدار الموجود حالياً، ولكنها رغم سقوطها نالت شرف أن تكون أول طائرة مسيرة تواجه طائرة مقاتلة شهيرة كانت من أيقونات الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة.