جاء الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، شاملاً على العديد من البنود ذات الأبعاد الأمنية والعسكرية، التي تنص على التعاون الثنائي في هذه المجالات، وتعهدهما "باتخاذ تدابير مهمة لمنع استخدام أراضيهما لتنفيذ هجوم معاد أو "إرهابي" يستهدف الطرف الآخر، وعدم دعم كل طرف أي عمليات معادية في أراضي الطرف الآخر، والتنسيق الأمني الثنائي، وتوثيق العلاقة الأمنية العسكرية".
زادت هذه النصوص المصاغة بدقة من الفرضيات المتعلقة بإمكانية الاستفادة الإسرائيلية من القواعد العسكرية الإماراتية في المنطقة، سواء في الخليج العربي، أو باب المندب، أو البحر الأحمر، وصولاً لأن تنشئ إسرائيل قاعدة عسكرية في الإمارات، فضلاً عن استفادتها من المياه الاماراتية، وإمكانية أن تمضي بهذا المسار لزيادة موطئ أقدامها في سوقطرى ومضيق باب المندب وجيبوتي.
تحوم حول إيران
اللواء واصف قائد المدفعية السابق في منظمة التحرير الفلسطينية، والخبير العسكري، قال لـ"عربي بوست" إن "فرضية إقامة قواعد عسكرية إسرائيلية في الخليج، أو استفادة إسرائيل من القواعد العسكرية الإماراتية، ليست سهلة، بل خطيرة جداً.
وأضاف: "بقدر ما قد تعطي هذه الاتفاقية أملاً لدول الخليج، والإمارات تحديداً، للدفاع عن نفسها أمام تهديد أي عدوان متوهّم من إيران، فإنها في الوقت ذاته تعرضها للخطر، لأن تحقق هذه الفرضية يعني أن إسرائيل يمكنها ضرب أهداف إيرانية في مياه الخليج، أو في قلب إيران ذاتها، ما سوف يقابله من استهداف إيراني لهذه القواعد الإسرائيلية في الخليج".
ويرى اللواء واصف أن الحديث الإسرائيلي عن إمكانية التواجد العسكري في قواعد إماراتية، أو إنشاء قواعد إسرائيلية في منطقة الخليج، ليس وليد اللحظة، ولأن مثل هذه الترتيبات تستغرق وقتاً طويلاً، فإنه من المؤكد أن الأمر سبق بحثه بين اسرائيل والإمارات وما يجري الآن هو الإعلان عنه فقط".
وتوقع اللواء أن إيران لن تقف صامتة على الخطوة الإماراتية- الإسرائيلية، وأن الوضع بمنطقة الخليج مرشح للتأزم، مشدداً على إيران موجودة في كل مكان عبر الحرس الثوري أو عبر خلاياها المسلحة النائمة، وأن ذراعها الطويلة قد تشكل عامل استنزاف لهذه القواعد الإسرائيلية في الخليج.
يبدو أن هذه المساعي الإسرائيلية الطموحة على فرضيتها لها ما يبررها ويدعمها، لأسباب عدة، لعل أهمها أن تضع إسرائيل لنفسها موطئ قدم في منطقة مثل الخليج العربي، المهمة استراتيجياً ونفطياً وتجارياً، فضلاً عن كون تواجدها العسكري في هذه البقعة سيقربها جغرافياً من إيران، ما يداعب طموحها بمحاولة تشديد الحصار حولها وتضييق الخناق عليها.
إلى المضائق المائية عبر الإمارات
الشواهد على هذا التوجه الإسرائيلي عديدة، وقد كشف وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، يسرائيل كاتس، أن إسرائيل تشارك في تحالف عسكري تقوده الولايات المتحدة لحماية أمن الملاحة البحرية في الخليج، وأنها تساهم في الجوانب الاستخباراتية هناك وغيرها من المجالات التي تمتلك فيها القدرات والتفوق النسبي.
وعقب زيارة قام بها وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، يسرائيل كاتس لأبو ظبي، واجتمع بمحمد بن زايد سراً، قال كاتس إن أمن الملاحة البحرية في الخليج مصلحة إسرائيلية صرفة ضمن استراتيجية "كبح الخطر الإيراني"، وتعزيز العلاقة مع دول الخليج.
رغم أن هذه المشاركة الإسرائيلية تتمثل بتأمين حركة الملاحة في باب المندب، وانتشار سفن حربية إسرائيلية مزودة بالصواريخ.
عماد أبو عواد، الباحث بمركز القدس للدراسات الإسرائيلية، قال لـ"عربي بوست": "حجم الاهتمام الإسرائيلي بالاتفاق الإماراتي كان واضحاً، بعيداً عن الإنجاز السياسي والدبلوماسي، فقد بدأ يركز على الأبعاد الأمنية والعسكرية".
وأضاف: "فإسرائيل تعمل على هذه الأبعاد منذ سنوات طويلة، واليوم بعد الاتفاق العلني، ستصبح أيدي جهاز الموساد طليقة بصورة رسمية في دول الخليج، وبخاصة الإمارات، بما في ذلك التعاون الأمني والاستخباري، لمواجهة كل تهديد يحيط بإسرائيل، عبر التواجد العسكري الإسرائيلي في القواعد العسكرية الإماراتية، أو إقامة قواعد عسكرية إسرائيلية داخل الحدود الإماراتية".
ورأى أن إسرائيل تستهدف أيضاً من وراء ذلك، الوصول للسيطرة على المضائق البحرية الأهم في المنطقة، والتابعة للقواعد الإمارات والسعودية، ما يعزز تمدد نفوذ إسرائيل العسكري والاستراتيجي".
إسرائيل في البحر الأحمر
وكشفت وثيقة رسمية صادرة عن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية أن الاتفاق مع أبو ظبي يمهد لتكثيف التعاون العسكري بينهما في البحر الأحمر، وأن إسرائيل مهتمة بتوسيع التعاون الأمني في هذه المنطقة، للوصول إلى تعزيز التحالف العسكري بينهما.
بما في ذلك التحرك العسكري الإسرائيلي بكثافة، خاصة عبر دول منطقة القرن الإفريقي، وأبرزها إثيوبيا، لمنع تحول البحر الأحمر إلى بحيرة عربية أو إسلامية، كما تسعى شركات الأسلحة الإسرائيلية جاهدة لزيادة صادراتها الدفاعية للإمارات.
وأعلن مايك بومبيو وزير الخارجيّة الأمريكي أنّ الإمارات وإسرائيل اتّفقتا على بناء تحالف أمني وعسكري ضدّ إيران لحِماية المصالح الأمريكيّة والشرق الأوسط، وزيادة التعاون الأمني والاستخباري لمواجهة ما سماه "الإرهاب".
ولم تغفل العين الإسرائيلية استهداف اليمن، فهو ملف مطروح منذ سنوات، فهي بوابتها للسيطرة على مضيق باب المندب، وتشارك هذه الرغبة مع السعودية والإمارات وإيران، كما تستهدف إسرائيل من ذلك تضييق الخناق على المقاومة الفلسطينية لتمنع عنها السلاح الذي يصلها من إيران عبر البحر الأحمر وصولاً الى سيناء، ثم قطاع غزة.
جزيرة سوقطرى اليمنية
هاني البسوس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قابوس في مسقط، قال لـ"عربي بوست" "إن أهم بنود الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي تلك المتعلقة بالعلاقات الأمنية والعسكرية، وأن إسرائيل ستعمل على استغلال الاتفاقية لزيادة نفوذها بمنطقة الخليج".
وأضاف: "فالإمارات تبحث عن إمكانية للسيطرة في الخليج بدعم الولايات المتحدة وإسرائيل، لذلك هناك عمل إسرائيلي إماراتي مشترك في اليمن لإنشاء قواعد عسكرية، ومناطق نفوذ مشتركة، وبخاصة إنشاء قاعدة عسكرية مشتركة في جزيرة سوقطرى".
واعتبر البسوس أن ذلك يجعل من إسرائيل قوة متنفذة، خاصة إذا تمكنت من مضيق باب المندب، الذي يمثل شريان حياة مهم بالنسبة لدول حوض البحر الأحمر، والتجارة الدولية من آسيا إلى الشرق الأوسط.
مشيراً إلى أن هناك قواعد أمريكية منتشرة في منطقة الخليج، وأن التنسيق الإسرائيلي مع الجيش الأمريكي سيجعل إسرائيل قادرة على تنفيذ أي عمل عسكري إن أرادت".
كان لافتاً إعلان الترحيب الإسرائيلي مؤخراً بتأسيس قاعدة عسكرية إماراتية في جزيرة سقطرى وأرخبيلها، لأنها تتحكم بشكل كامل بالخط الذي يمر من الهند إلى الغرب، وتتوغل في إفريقيا، مما شكل لإسرائيل موقعاً استراتيجياً.
فيما يشكل مضيق باب المندب إحدى أهم نقاط العبور البحري التي تستخدمها حاملات النفط في العالم، فمن يصل لهذه المنطقة، ويسيطر عليها، يضع يده على أحد أهم الممرات المائية الدولي في العالم، وفور إعلان الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، كشفت الأخيرة عن علاقات إسرائيلية سرية مع المجلس الانتقالي باليمن، التابع للإمارات، وتمهيداً لإقامة قاعدة تجسس إسرائيلية في هذه المنطقة الحساسة.