توسعت الحكومة المصرية مؤخراً في حملة إزالة الأبنية السكنية، بدعوى مخالفتها للتراخيص القانونية، وبقدر ما أثارت هذه الحملة ذعر المواطنين فقد حركت موجة غضب شعبية كبيرة تجاه النظام والرئيس والبلد على حد سواء.
وبعد حملة موسعة للحكومة المصرية في إزالة الأبنية المخالفة أصبح قانون التصالح على مخالفات البناء هو محور حديث المصريين، وباتوا يتندرون على مقاطع الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وشبّهوا ما يتعرضون له بما تعرض له الفلسطينيون على يد الاحتلال الإسرائيلي من حملات لهدم منازلهم بالجرافات، ما يدفعهم لرشقها بالحجارة.
ورأوا أن الأحداث تعيد نفسها بعدما انتشر مقطع فيديو لأهالي قرية سرياقوس في مركز الخانكة بمحافظة القليوبية يرشقون آليات الهدم وقوة الشرطة المُصاحبة لحملة الإزالة بالحجارة، ثم قامت قوات الشرطة بإلقاء القبض على 15 شخصاً من المحتجين، وحررت محاضر ضدهم، وأحالتهم إلى النيابة، التي قررت حبسهم 4 أيام على ذمة التحقيق.
تضارب في البيانات الرسمية
ما يلفت الانتباه في هذه الأزمة هو تضارب البيانات التي تقدمها الجهات الرسمية في الدولة، فبينما وصلت أعداد مخالفات البناء حتى عام 2019، وفقاً لتقديرات وزارة التنمية المحلية، إلى 3 ملايين و240 ألف عقار في جميع المحافظات، فيما بلغ إجمالي حالات البناء على الأراضي الزراعية خلال الفترة من 25 يناير/كانون الثاني 2011، حتى يوليو/تموز 2018، مليوناً و900 ألف حالة تعدٍّ.
ويفيد تقرير حديث قدمته الحكومة مؤخراً لمجلس النواب، أن عدد العقارات المخالفة بلغ 2.8 مليون مبنى على مستوى الجمهورية، وهو ما يقل بنسبة كبيرة عن بيانات وزارة التنمية المحلية.
ورغم تصريحات مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري، الخميس الماضي، التي حاول فيها التخفيف من وقع إجراءات تنفيذ القانون، فإن المواطنين استشعروا سعادة المسؤولين والمحافظين أثناء تنفيذ أعمال الإزالة، وهو ما أصابهم بالإحباط، والحنق على توجهات الدولة نحوهم.
تحدث مدبولي عن تخفيف بعض إجراءات تطبيق القانون، مثل تقسيط قيمة مخالفة التصالح على 3 سنوات بدون فائدة، والتنازل عن شرط تقديم شهادة من مكتب استشاري هندسي بالسلامة الإنشائية للمبنى، والاكتفاء بتقديمها من مهندس نقابي، وقبول أي مستندات يقدمها المخالفون، بجانب السماح لهم بالتظلم من عدم قبول طلب التصالح ومن قيمة التصالح نفسها.
أجرى فريق عربي بوست جولة ميدانية بين أجهزة المدن المختلفة، ورصدنا حالات من التخبط والعشوائية في تنفيذ قانون التصالح، من حيث الإجراءات والرسوم التي تفرضها اللجان المشكّلة.
فلا ضوابط أو معايير واضحة للتعامل مع المخالفات وتقدير رسومها، فضلاً عن أن المحافظين هم من يتحكمون في تحديد قيمة التقنين، وفي حين يصل سعر تقنين المتر في المدن الجديدة إلى 2000 جنيه، يبلغ سعره في عين شمس والمرج والأميرية والمطرية مثلاً 200 جنيه، بينما يقنن المتر في منطقة عشوائية مثيلة لتلك المناطق في محافظة الإسكندرية بـ1000 جنيه (الدولار الأمريكي يساوي حوالي 16 جنيهاً مصرياً).
تطبيق القانون حسب المزاج
طبيب العلاج الطبيعي محمد. ن، وهو أحد المتضررين من القانون، يرى أن اختلاف أسعار التقنين يُطيح بمبدأ العدالة، ويطالب المحافظ بأن يراعي في استخدامه لصلاحياته في تخفيض قيمة رسوم التصالح أن يوازيها مساواة في القيمة المطلوبة بين المدن المختلفة، وأن يُحاسَب المواطنون في مختلف المحافظات بقيمة موحدة.
هذا الطبيب لديه عقار بالتجمع الأول، وحُررت ضده مخالفة بناء شقة "دوبلكس" وإنشاء سلم في الدور الأرضي، وعندما ذهب لتقنين وضع العقار فوجئ بأنه سيحاسب على مخالفة تغيير معماري وإنشائي عن كامل مسطح الدور.
وأخبره المسؤول بالحي أن تقنين المخالفة يبلغ 60 ألف جنيه، بينما شقيقه الذي وقع في نفس المخالفة في مدينة بدر تمت محاسبته على مخالفة مسطح السلم وبلغت قيمة التقنين 2000 جنيه فقط.
مواطن آخر يدعى شريف عبدالقادر، تحمل مخالفة عن بناء 150 متراً تمثل نصف مساحة سطح العقار الذي يقطنه بمدينة العاشر من رمضان، بينما تم تغريم ابن عمه، الذي اشترى شقة سكنية على سطح عقار في مدينة زايد بالسادس من أكتوبر عام 2008، ودفع رسوم تصالح عن كامل السطح، رغم أن مخالفته لم تتجاوز نسبة 50% من المساحة.
الغريب أن القانون يسمح للمواطن ببناء 25% من مساحة السطح، ومن المفترض أن يتم خصم المساحة من قيمة المخالفة، إلا أن هذا لا يحدث، وكل مخالف يتحمل دفع قيمة تصالحه عن مساحة هي بالفعل قانونية.
تضارب في آليات التغريم
على سبيل المثال أيضاً، في الوقت الذي يقبل حي المطرية طلبات المواطنين عن الوحدات التي تغير استخدامها من سكني إلى تجاري أو إداري، يرفض جهاز مدينة السادس من أكتوبر قبول طلبات التصالح عن نفس المخالفة.
يروي الحاج سمير لـ"عربي بوست" قصته مع قانون التصالح، ويقول إنه ورث بيتاً عن أبيه بُني منذ عام 2000، في كفر شكر، برخصة بناء لثلاثة طوابق، لكنه في عام 2015 قام ببناء طابقين مخالفين.
في ذلك الوقت تحرّر ضده محضر مخالفة عن الطابق الرابع فقط ودفع غرامة 43 ألف جنيه، واضطر لدفع رشوة ليتم التغاضي عن الطابق الأخير، وبعد تطبيق القانون ألقي القبض عليه وعُرض على النيابة العسكرية، وتقرر حبسه 15 يوماً، مع دفع كفالة 100 ألف جنيه، وبعد خروجه شرع في إجراءات التصالح.
بعد معاناة استمرت ثلاثة أشهر في إجراءات التصالح، فوجئ أن أوراق التصالح (نموذج 3) شملت طابقاً واحداً فقط من الاثنين المخالفَيْن، وطلب منه موظف الحي بلجنة التصالح أن يقدم طلب التصالح من جديد، وقال معقباً على معاناته للسيسي: "لماذا تطردني من بيتي لتهدمه؟ كفاية الناس مش مستحملة ماتكرّهناش في البلد يا ريس".
قرارات الإزالة تخصم من شعبية السيسي
على الجانب الآخر، رصد فريق "عربي بوست" مشكلة جديدة يتسبب بها موظفو الأحياء، فبعضهم يرفض تسلم طلبات التصالح من المواطنين بحجة عدم الحفاظ على التباعد الاجتماعي، ومنهم من ينفذ القانون حسب هواه الشخصي.
لكن صرامة الحكومة والمحافظين في تنفيذ قرارات الإزالة قد تتسبب في تفتيت الجبهة المؤيدة للرئيس المصري في الأوساط الشعبية التي أيدته، حيث يعترف أحد المواطنين الذي كان يفتخر بتأييده للنظام، أن القانون أثار لديهم مشاعر الكراهية ضد الحكومة والبلد على حد سواء.
محمد هاشم، رجل خمسيني يعمل بوظيفة محاسب، يروي لعربي بوست معاناته بمرارة ويقول: "اشتريت شقتي بنحو 400 ألف جنيه في الطابق العاشر بشارع سليم الأول بحي عين شمس، ولم أكن أعلم أن هذا الطابق مبني بالمخالفة للقانون، وعندما علمت نشب خلاف بيني وبين مالك العقار، فهو يريد أن يتهرب من المسؤولية، مع أنه هو المخالف وليس أنا".
توجه هاشم إلى حي عين شمس لكي يقدم طلب تصالح، لكن الحي رفض تسلم الطلب؛ لأن الطلب "فردي"، "وطالبه الموظف بإحضار جميع ملاك الشقق في الطابق المخالف لتقديم طلب تصالح جماعي، وهو ما تسبب في نشوب شجار مع الموظف، كون إلزام جميع الملاك بالحضور ليس مسؤوليته.
يتنهد الرجل وهو يواصل سرد معاناته: "سيؤدي القانون إلى خلافات مجتمعية ونزاعات قضائية، بين مُلاك العقارات الأصليين وبين السكان، وسوف تتكدس المحاكم بالقضايا، فضلاً عما هو موجود بالفعل، والنتيجة ستكون فوضى مجتمعية تزيد معها حالات الطلاق بسبب إصرار الحكومة على تنفيذ الإزالات وتهجير السكان وتشتت الأسر، ما ينتج حالة من الكراهية تجاه البلد".
في المقابل توجه فريق عربي بوست إلى حي مدينة نصر، فرصدنا أن الموظفين يقبلون الطلبات الفردية للتصالح، وأكد لنا موظف الحي أن التعليمات القادمة إليهم هي قبول الطلبات، ثم التعامل لاحقاً مع الممتنعين.
مشيراً إلى أن القانون -حسب فهمه- لا يحدد من يلتزم بإجراءات التصالح، وأن القانون يترك الباب مفتوحاً للجميع، سواء كان المالك الأصلي للعقار أو ملاك الشقق.
فزع من حملات الإزالة
على الرغم من أن المهلة المحددة للتصالح لا تزال مستمرة حتى نهاية سبتمبر/أيلول الحالي، فإن كثيراً من المحافظين حوّلوا تنفيذ قرارات الإزالة إلى نوع من الشو الإعلامي، أكثر من كونه تطبيقاً للقانون، ربما رغبة في تسويق أنفسهم لدى الرئيس.
ففي حي الأميرية شرق القاهرة كانت وسائل الإعلام تسبق اللواء خالد عبدالعال محافظ القاهرة لتصويره وهو يشهد أعمال إزالة 4 أدوار مخالفة بالعقار 51 شارع الكابلات بالأميرية، كان صاحبه قد حصل على ترخيص ببناء طابق أرضي و5 طوابق، لكنه قام ببناء 4 طوابق إضافية بالمخالفة للترخيص، ولم يستجب لكل إنذارات الإزالة، ولم يتقدم للتصالح، على حد تصريح المسؤولين.
ويقول عباس. ر، وهو أحد قاطني العقار المجاور، إنه علم من جيرانه في العقار المخالف أن صاحبه كان ينوي التقدم بطلب للتصالح مع الحي، إلا أنهم فوجئوا ببدء أعمال الإزالة، ووصفوا ذلك بأنه نوع من "الشو الإعلامي" للمحافظ، واعتبروه نوعاً من إظهار "العين الحمراء" للمخالفين، ليخيف بقية المخالفين في المناطق المجاورة، ويجبروا على التقدم للتصالح.
وهذا بالفعل ما حدث، فقد تدافع المواطنون الذين أخافهم مشهد الإزالة، وذهبوا إلى الحي لإجراء التصالح.
وتداول نشطاء مقطع فيديو لطفل يدعى آسر لا يتعدى عمره 6 سنوات وهو يبكي على بيت أسرته الذي هدمته الحكومة.
طعون على دستورية قانون السيسي
أثارت وقائع إزالة المباني حالة من الغضب بين المواطنين بسبب سوء التنفيذ وغياب آلية واضحة لتنفيذ القرار، حيث اعترض المحامي محمد عايد على القانون، مشيراً إلى أنه يُطبق بأثر رجعي، وأن المادة 95 من الدستور المصري تنص على أن العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون وليس قراراً.
مؤكداً أنه لا تنفذ العقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ صدور القانون، مشيراً إلى التضارب بين ما يحدث الآن وبين تحصيل الدولة للضريبة العقارية وتوصيل المرافق للعقارات المخالفة وقت بنائها، وأن ذلك يعد اعترافاً بقانونية العقار، وتسأل في ذلك الأجهزة الرسمية في الدولة ممثلة في الحي وشركات الكهرباء والمياه والغاز بتغاضيها عن العقارات المخالفة في حينها.
ويشير المحامي إلى أنه منذ تطبيق القانون والمحامون يتزاحمون أمام مجلس الدولة لرفع دعاوى قضائية بالطعن على قرار رئيس الجمهورية بإصدار القانون ولائحته التنفيذية، والخطوة اللاحقة هي التوجه إلى المحكمة الدستورية للطعن في دستورية القانون، متوقعاً أن تقبل المحكمة الطعون وتبتّ بعدم دستورية القانون.
ويضيف عايد: "القانون مليء بالثقوب التي كشفها التطبيق العملي، حيث ينص في مادته الرابعة على أن يقدم طالب التصالح، ضمن الأوراق المطلوبة تقريراً هندسياً معتمداً من مكتب استشاري هندسي، عن السلامة الإنشائية لكامل العقار المخالف".
وأنه ذهب إلى أحد المكاتب الهندسية بشارع الطيران بمدينة نصر، فوجد زحاماً غير طبيعي من المواطنين؛ نظراً لكونه أرخص من غيره، حيث يطلب أتعاباً تبلغ 4 آلاف جنيه فقط، بينما تصل الأتعاب في بعض المكاتب إلى 7 و10 آلاف جنيه.
ويرى أن الأوراق المطلوبة، وعلى رأسها الرسوم الهندسية، تحمل الناس المزيد من التكاليف، وأنه عندما تقدم بالرسم الهندسي إلى لجنة التصالح طلبوا تعديله مرتين قبل أن يقبلوه، وفي كل تعديل كان يدفع المزيد من المال لمكتب الاستشارات الهندسية.
وتساءل لماذا لا تقوم اللجنة المشكّلة من إدارات الأحياء والقرى بعمل الرسم الهندسي، بما أنها تحصل على نسبة من حصيلة الغرامات، حيث ينص القانون في مادته الثامنة على أن يحصل أعضاء تلك اللجان على "نسبة لا تزيد عن 1% من المبالغ المحصلة.
الحكومة تتوعد المتقاعسين عن التصالح
يشكك البعض في نية الحكومة جمع أموال المتصالحين، ويتساءل أغلبهم متى ينتهي هذا الكابوس؟ وهل ستتراجع الحكومة عما تقوم به بعد أن تجمع الأموال التي تحتاجها لسداد أقساط قروضها من الخارج؟ أم تجمع المال لاستكمال المشروعات الإنشائية الضخمة في العاصمة الإدارية وغيرها؟
قال مصدر مسؤول لـ"عربي بوست"، إن الحكومة لن توقف حملات الإزالة، مؤكداً أن هناك عقوبات تنتظر المواطنين المتقاعسين عن تقديم طلبات التصالح على المباني المخالفة، أو يرفضون سداد قيمة التصالح التي يتم إلزامهم بها.
وأكد المصدر -الذي رفض ذكر اسمه- أنه ستتم إزالة الأبنية المخالفة التي يرفض أصحابها تقديم طلبات التصالح ودفع المبالغ المقررة كجدية تصالح على الفور، وسوف يتم قطع المرافق والخدمات عن العقارات المخالفة بعد انتهاء المهلة.
من جهته، كشف مصدر بوزارة التنمية المحلية لـ"عربي بوست"، أن عدد المواطنين الراغبين في التصالح وتقدموا بطلباتهم حتى الآن بلغ نحو 611 ألف طلب، ووصل إجمالي الرسوم المحصلة حتى الآن 2.2 مليار جنيه، منها حوالي نحو 1.8 مليار جنيه رسوم جدية التصالح الذي تبلغ نسبته 25% من إجمالي قيمة المخالفة.
وكان وزير التنمية المحلية قد عرض تقريراً حول موقف تنفيذ الموجة الـ 16 للإزالات، خلال الفترة من 8 يوليو/تموز حتى 10 أغسطس/آب 2020، أوضح خلاله أنه تمت إزالة 7543 مخالفة بناء، و3242 مخالفة زراعية بمساحة 178191 فداناً.
السيسي يستقوي بالجيش على المواطنين
كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد أقر في أبريل/نيسان 2019 قانون التصالح في مخالفات البناء، ثم صدرت لائحته التنفيذية في يوليو/تموز من نفس العام، وفي يوليو/تموز الماضي، حددت الحكومة قيمة جدية التصالح في مخالفات البناء، وأعلنت انتهاء مدة التقديم في 30 سبتمبر/أيلول الجاري.
لكن مع تجاهل المواطنين للقانون لوّح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قبل أيام ـخلال افتتاحه عدداً من المشروعات القومية في محافظة الإسكندريةـ بإمكانية نزول الجيش إلى القرى والنجوع، للسيطرة والحد من مشكلة التعديات على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة.
وطالب السيسي المحافظين والمسؤولين بالدولة بتحقيق الانضباط في هذا الملف أو ترك مناصبهم، ليتولى من هو جدير بالمسؤولية، لافتاً أن التعديات على الأراضي الزراعية والبناء المخالف مازالت مستمرة.
تسببت تصريحات السيسي في تدافع المحافظين لإثبات جدارتهم بمناصبهم، وباتوا يتسارعون في تنفيذ الإزالات والإعلان عنها في المواقع وعلى الصفحات الخاصة بكل محافظة على مواقع التواصل، لنيل رضا القيادة العليا.
تطبيق جائر للقانون
رغم موافقته السابقه على قانون التصالح، أصبح النائب البرلماني هيثم الحريري يصفه بـ"القانون سيئ السمعة"، مشيراً إلى أنه ضد أسلوب القانون، وما تضمنه من آليات التنفيذ، وأنه كنائب ليس ضد وجود قانون يحقق التصالح ويتغلب على إشكاليات هذا الملف وتداعياته السلبية على المجتمع.
لكنه يطالب بتحقيق العدل والوضوح، ومحاسبة كل المخطئين دون قصر الحساب على طرف واحد من المعادلة، فالمخالفة من الأساس خطأ مشترك بين عدة أطراف، وعلى الجميع أن يتحمل المسؤولية.
وكشف الحريري أن تكتل 25-30 أثار ذلك في جلسات البرلمان، لكن دون جدوى، وأرجع الصرامة في تطبيق قانون التصالح إلى تراجع الوضع الاقتصادي لمصر بسبب أزمة كورونا، وضعف الموارد السياحية وارتفاع الدين الخارجي، وأنها من ثم تسعى لتحصيل حقها بعد سنوات من المخالفات.
ويرى أنه لا مانع من ذلك، ولكن بتسهيلات وضوابط لا تؤثر سلباً على المواطن الذي يعاني معيشياً منذ سنين، سواء بسبب الارتفاع المخيف في الأسعار، أو بسبب سوء الأحوال الاقتصادية منذ تفشي فيروس كورونا.
ويضيف: "هناك أيضاً إشكاليات في تطبيق القانون، نتيجة عدم تدريب الموظفين، حيث يظن بعض الموظفين أنه في حالة وجود عدة شقق مخالفة في بناية واحدة يتوجب على ملاك جميع الشقق المخالفة تقديم طلب واحد، وهو أمر يستحيل تحقيقه، فربط السكان ببعضهم أمر شائك".
وأردف: "لذلك طالبنا بفتح باب التقديم الفردي، لأن الإقبال ضعيف، ولو افترضنا وجود 3 ملايين مخالفة وتقدم مليون مخالف للتصالح، مع غلق الباب لن يكون من المنطقي تنفيذ إزالة على مليوني مخالفة".
القانون يصيب المواطنين بالذعر
يقول المهندس خالد محمد، الذي يعمل بأحد مكاتب الاستشارات الهندسية بمدينة نصر، إن قرابة 20 من أصحاب العقارات المخالفة توجهوا إلى المكتب الذي يعمل به، بعد تهديد الرئيس، وأن هذا رقماً كبيراً مقارنةً بالوضع سابقاً، وأنه رصد حالة من الذعر بين المواطنين خوفاً مما سيحدث بعد انتهاء المهلة المحددة للتصالح.
وأشار المهندس إلى أن المكتب يعمل على وضع الرسومات للأبنية المخالفة التي تدخل في قانون التصالح، ويشترط سلامة المنشأة، وبعدها يتم تقديم الأوراق في الحي أو الجهاز التابع له الوحدة المخالفة، شاملاً الملف الهندسي والمستندات المطلوبة، لكي تحدد القيم السعرية للمخالفة من خلال لجنة يتم تشكيلها وفقاً لما حدّده قانون التصالح، ويشمل المباني المخالفة التي تم بناؤها من تاريخ 11/5/2008 حتى 22/7/2017.
وأكد أن صاحب العقار المخالف يحصل بموجب الطلب على شهادة من اللجنة بطلب التصالح، لوقف نظر أي دعوى تتعلق بالمخالفات أو أحكام صادرة بشأنها، وصلاحيتها 3 شهور، ليقوم صاحب العقار باستيفاء حافظة مستندات تضم أوراق العقار ونماذج أخرى، ويمكن للمتصالح تقسيط قيمة التصالح على 3 سنوات، وتبدأ بـ50 جنيهاً، وصولاً إلى 2000 جنيه للمتر، وفقاً لما تحدده اللجنة المختصة.
وفيما يخص قيمة رسم الفحص رفض الاستشاري الإفصاح عما يطلبه المكتب، مشيراً إلى أن القيمة تختلف من مكان لآخر، ويبدأ المبلغ من 1000 جنيه حتى 10000 جنيه، وفقاً لما يراه المكتب.
ويؤكد المهندس الاستشاري أن هناك مخالفات يحظر التصالح عليها، منها "البناء على الأراضي المملوكة للدولة، إلا إذا كان صاحبها تقدم بطلب تقنين الأوضاع، والبناء على الأراضي الخاضعة لقانون حماية الآثار وحماية نهر النيل، والأعمال التي تخل بالسلامة الإنشائية للبناء".
وكذلك حالات التعدي على خطوط التنظيم المعتمدة، وحقوق الارتفاع المقررة قانوناً، والمخالفات الخاصة بالمباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز، وتجاوز قيود الارتفاع المقررة من سلطة الطيران المدني، أو تجاوز متطلبات شؤون الدفاع عن الدولة.
وأيضاً تغيير استخدام الترخيص بالمناطق التي صدرت لها مخططات تفصيلية معتمدة من الجهة الإدارية، وكذلك البناء خارج الحيز العمراني المعتمد، مع استثناء الأراضي الزراعية المقام عليها مبان خدمية أو سكن خاص.
وتوضح المادة الثامنة من قانون التصالح في مخالفات البناء، أن جميع المبالغ المحصلة طبقاً لأحكام القانون تؤول إلى الخزانة العامة للدولة، ويخصص منها لصالح الجهة الإدارية الواقع في ولايتها المخالفة نسبة 25% لصالح صندوق الإسكان الاجتماعي والمشروعات التنموية، و39% لمشروعات البنية التحتية من صرف صحي ومياه شرب.
فيما تم تخصيص نسبة لا تزيد على 1% لأعضاء اللجان المنصوص عليها في هذا القانون والعاملين بالجهة الإدارية المختصة القائمة بشؤون التخطيط والتنظيم وغيرهم من العاملين بالوحدات المحلية والأجهزة.