شهد عام 2020 ارتفاعاً في عدد المهاجرين من ليبيا نحو أوروبا مقارنة بـ2019، لكن ما زال أقل مما كان عليه الحال في 2015 و2016، بحسب منظمة الهجرة الدولية. ويصف وزير الداخلية الليبي، فتحي باشاغا، الحِمل الذي أصبح على عاتق بلاده، التي أصبحت أكبر بوابة للهجرة نحو أوروبا، قائلاً إن "ليبيا تُركت وحيدة في مواجهة ملف الهجرة غير النظامية، الذي كلفها أعباء مالية كبيرة".
ويتزامن ارتفاع أعداد المهاجرين واللاجئين من ليبيا نحو أوروبا، مع اندحار ميليشيات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، وفشلها في اقتحام العاصمة طرابلس، في يونيو/حزيران الماضي، بعد 14 شهراً من القتال.
بوابة الهجرة نحو أوروبا
وتتحرك قوافل المهاجرين غير النظاميين القادمين من بلدان الساحل الإفريقي وشرق القارة السمراء، وحتى من بلدان عربية ومغاربية إلى سواحل زليتن والخمس والقراه بوللي وتاجوراء وصرمان وصبراتة ومليتة وزوارة وبوكماش، غربي ليبيا.
الكل يحدوه الأمل بأن تنقلهم "زوارق الموت" إلى الضفة الأخرى من المتوسط عبر مالطا والجزر الإيطالية. ويخاطر مئات الآلاف من المهاجرين بأرواحهم، ويقطعون آلاف الأميال في الصحراء الإفريقية للوصول إلى الشواطئ الليبية، ليتلقفهم تجار البشر، لنقلهم في قوارب قديمة ومكتظة إلى أوروبا.
الآلاف من هؤلاء قضوا نحبهم غرقاً في البحر، منذ 2014، بحسب منظمة الهجرة الدولية، وأعداد كبيرة منهم تمت إعادتهم إلى ليبيا بفضل حرس السواحل.
طريق الموت البحري
رغم أن دولة مالطا وجزيرة لومبيدوزا الإيطالية لا تبعدان عن السواحل الليبية والتونسية سوى 400 كم، فإن منظمة الهجرة الدولية تصف الطريق المركزي للبحر المتوسط بين شمالي إفريقيا وإيطاليا بأنه "الممر الأكثر دموية" في المنطقة بالنسبة للمهاجرين.
إذ إن واحداً من كل 33 مهاجراً توفوا أثناء عبورهم من شمالي إفريقيا إلى إيطاليا في 2019، في حين أن واحداً من كل 51 مهاجراً توفوا في 2017، مما يعني ارتفاعاً في نسبة وفيات المهاجرين الذين يقطعون البحر نحو أوروبا، دون أن يشمل أولئك الذين يموتون عطشاً بالصحراء في طريقهم إلى الشواطئ الليبية.
وأحصت البعثة الأممية في ليبيا محاولة أكثر من 7 آلاف مهاجر ولاجئٍ العبور إلى أوروبا عبر السواحل الليبية، خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2020، توفي منهم أكثر من 300، بمعدل وفاة واحدة بين كل 24 مهاجراً، وهو معدل مرتفع جداً، يعكس حجم المخاطر التي يلاقيها المهاجرون في عرض البحر.
لكن قد لا يكون هذا الرقم دقيقاً، بالنظر إلى أن محاولات للهجرة لا يتم اكتشافها أو إحصاؤها، بدليل أن منظمة الهجرة الدولية أعلنت، الأربعاء، أن حرس الحدود الليبي أعاد نحو 8 آلاف مهاجر غير نظامي من داخل البحر المتوسط إلى شواطئ البلاد منذ بداية 2020.
وكان أسوأ حوادث غرق المهاجرين هذا العام، مصرع 45 مهاجراً في 18 أغسطس/آب الماضي، عندما غرق قاربهم قبالة الساحل الليبي أثناء محاولتهم العبور إلى أوروبا.
مراكز احتجاز غير آمنة
بالنظر إلى أن إيطاليا ومالطا أكثر البلدان "تضرراً" من الهجرة غير النظامية، وقّعت روما مع الحكومة بطرابلس اتفاقية في فبراير/شباط 2017، لدعم حرس السواحل الليبي في مواجهة تجار البشر وعمليات الهجرة غير النظامية.
كما اتفقت فاليتا مع طرابلس على إنشاء مركزي "تنسيق" بتمويل مالطي، بهدف مواجهة الهجرة غير الشرعية في المتوسط. لكن هذه الاتفاقات تواجه انتقادات من عدة هيئات أممية وحقوقية، بسبب إعادة المهاجرين واللاجئين الفارين من الحروب والنزاعات أو الراغبين في تحسين أوضاعهم الاقتصادية.
حيث كشفت منظمة العفو الدولية أنه "خلال السنوات الثلاث التي انقضت منذ إبرام الاتفاق الأصلي (مع إيطاليا)، تم اعتراض ما لا يقل عن 40 ألف شخص، بينهم آلاف الأطفال، في البحر، وأعيدوا إلى ليبيا، وتعرضوا لمعاناة لا يمكن تخيلها".
فالبعثة الأممية شددت على أنه "من غير الممكن اعتبار ليبيا ميناء آمناً للإنزال، حيث أُعيد العديد من المهاجرين واللاجئين الذين تم اعتراضهم في البحر إلى ليبيا ووضعوا قيد الاحتجاز".
وأحصت الأمم المتحدة نحو ألفين و400 مهاجر ولاجئ في مراكز احتجاز رسمية في ليبيا، "حيث يتعرضون بشكل يومي لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وهناك عدد أكبر منهم في مواقع غير رسمية لم تتمكن من الوصول إليها".
ينتظرون أول فرصة للهرب نحو أوروبا
لكن أعداد المهاجرين في ليبيا أكبر بكثير، حيث وثقت المنظمة الدولية للهجرة، ما يزيد على 432 ألف مهاجر بليبيا، في حين أن عددهم الإجمالي يتراوح ما بين 700 ألف ومليون مهاجر. وتمكنت المنظمة من نقل نحو 20 ألفاً من المهاجرين في ليبيا إلى أوطانهم بشكل طوعي في 2017.
غير أن الكثير من المهاجرين ينتظرون فرصة الهجرة إلى أوروبا، فلا الحرب التي خاضها الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، لإخضاع طرابلس لسلطته، أوقفت حلمهم رغم مقتل العشرات منهم في قصف جوي في 2019، ولا حتى فيروس كورونا الذي حصد مئات آلاف الأرواح في العالم.
ويشكل فصل الصيف ذروة موسم الهجرة من ليبيا بسبب هدوء البحر وملاءمة الطقس، وشهد عيد الأضحى الأخير، نهاية يوليو/تموز الماضي، محاولة أعداد كبيرة من المهاجرين ركوب البحر نحو أوروبا، اعتقاداً منهم بنقص اليقظة لدى حرس السواحل في هذه الأيام.
لكن عدداً ليس بقليل منهم جرى توقيفهم قبل الإقلاع، أو تم إنقاذهم في عرض البحر بعد غرق مراكبهم، وآخرين تمت عرقلة رسو قواربهم في الموانئ الأوروبية، أو تم توقيفهم بعد وصولهم إلى الجزر الإيطالية والمالطية، وجزء منهم نجحوا في الإفلات من كل هذه المخاطر.
وفي ظل تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية في ليبيا والدول الإفريقية والعربية، وشعور الكثير من الشباب باليأس من إمكانية تحسُّن أوضاعهم، لا يمكن الحديث عن مؤشرات قوية عن تراجع الهجرة نحو أوروبا، وما يرافقها من مآسٍ إنسانية، يستغلها مهربو البشر في جني كثير من الأموال تصل إلى مليار ونصف مليار دولار، بحسب مجموعة الأزمات الدولية.