"القيادة السعودية أمرت بمراجعة المؤسسة الخيرية الرائدة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ بعد تورطها في فضائح مزعومة"، كان هذا ما كشفه مسؤول سعودي رفيع لصحيفة The Financial Times البريطانية، حول المؤسسة التي تحمل اسم ولي العهد السعودي والتي تعتبر محورية في حملته لتوسيع علامته التجارية إلى الخارج. فما حكاية هذه المؤسسة، ومن يديرها؟ ولماذا يثار حولها كل هذه المشاكل الآن؟
ما هي "مسك الخيرية"؟
مؤسسة "مسك" الخيرية هي مؤسسة غير ربحية أنشأها الأمير محمد بن سلمان، عام 2011، وتكرِّس أهدافها لـ"رعاية وتشجيع التعلم، وتنمية مهارات القيادة لدى الشباب؛ من أجل مستقبل أفضل للمملكة"، بحسب تعريف الموقع الإلكتروني للمؤسسة.
وتركز المؤسسة على "الاهتمام بالشباب، وتوفر وسائل مختلفة لرعاية وتمكين المواهب والطاقات الإبداعية وخلق البيئة الصحية لنموها، والدفع بها لترى النور واغتنام الفرص في مجالات العلوم والفنون الإنسانية".
وتحمل المؤسسة اسم محمد بن سلمان، ولها شراكات مع شركات عالمية مثل "جوجل" و"لينكد إن" و"تويتر"، كما تعتبر المؤسسةُ واجهةَ الأمير الخارجية ورأس حربة حملته للترويج لنفسه في الخارج.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2018، وتحديداً بعد تعرُّض الصحفي السعودي جمال خاشقجي للاغتيال بسفارة بلاده في إسطنبول، واعتبار ولي العهد متهماً رئيسياً في قتله بحسب تقارير أممية واستخباراتية، تعرضت المؤسسة لضربات قاسية، تمثلت في انسحابات جماعية لمؤسسات ورجال أعمال وجامعات وعلامات تجارية عالمية من شراكتها مع "مسك"، مثل مؤسسة بيل غيتس وجامعة هارفارد اللتين قطعتا علاقاتهما معها بعد أن كانتا قد خصصتا ملايين الدولارات لدعم المبادرة، إضافة إلى انسحاب شركاء "مسك" العالميين من فعالياتها ومنتدياتها، كمكتبة نيويورك العامة، ومكتب مبعوث الأمم المتحدة للشباب، وغيرهما.
ويعد بدر العساكر، الذي شغل منصب الأمين العام لمؤسسة مسك، ورئيس مركز مبادراتها حالياً كما يعرف عن نفسه في تويتر، والمدير الخاص لمكتب ولي العهد السعودي، أحد أبرز المتورطين في قضية اغتيال خاشقجي، ثم فضيحة التجسس على تويتر لاحقاً، لصالح ولي العهد السعودي ضد معارضين سياسيين. من ضمن الذين وجهت لهم وزارة العدل الأمريكية الاتهام بقضية تويتر إلى جانب العساكر، المديرُ التنفيذي السابق لمؤسسة مسك، السعودي "علي الزبارة"، الذي كان يتلقى أوامر مباشرة من "العساكر". ويبدو أن كل هذه الفضائح أدت في النهاية إلى انحدار سمعة "مسك" ووضع أنشطتها وفعالياتها عبر أنحاء العالم في موضع تدقيق وريبة، كما تقول تقارير أجنبية.
ما الجديد في قضية "مسك"؟
الجديد في فضيحة "مسك"، هو ما نشرته صحيفة "فاينانشيال تايمز" الثلاثاء 8 سبتمبر/أيلول 2020، نقلاً عن مسؤول سعودي رفيع، قال إن الرياض وضعت مؤسسة مسك قيد المراجعة بعد تورطها في فضائح مزعومة، مضيفاً أن "أمر مراجعة مسك صدر بعد أن أشارت وزارة العدل الأمريكية- على ما يبدو- إلى المؤسسة وأحد كبار مسؤوليها في دعوى قضائية في نوفمبر/تشرين الثاني، ضد اثنين من موظفي تويتر السابقين ورجل ثالث متهم بالتجسس على مستخدمي موقع تويتر، نيابة عن المملكة العربية السعودية".
وفي الشهر الماضي، تمت تسمية "مسك" وبدر العساكر، الأمين العام السابق للمؤسسة ومدير المكتب الخاص لمحمد بن سلمان، كمتهمين إلى جانب الأمير محمد في دعوى مدنية رفعها سعد الجبري، مسؤول مخابراتي سعودي كبير سابق، يزعم أن ولي العهد تآمر لاغتياله.
وقال المسؤول للصحيفة البريطانية، والذي لم يُرِد الكشف عن اسمه بسبب حساسية القضية، إن "الادعاءات في نص الدعوى فرضت التدقيق في مؤسسة قامت بأشياء استثنائية"، معرباً عن اعتقاده أن "بن سلمان كان غاضباً، لأنه تمّ ربط هذه المؤسسة بالأمر".
وأدت هذه المزاعم إلى التدقيق في مؤسسة كان لها دور مركزي في حملة بن سلمان لجذب الشباب السعودي وتوسيع نفوذه في الخارج، إذ أنشأت مؤسسته شراكات مع مجموعة من الكيانات الدولية قبل أن تنسحب بعضها، بعد جريمة مقتل خاشقجي.
دعوى قضائية أمريكية تعود بـ"مسك" إلى الواجهة
ولكن عادت الأسئلة والشبهات حول "مسك" لتظهر، بعد الدعوى القضائية التي رفعتها وزارة العدل الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وذكرت الصحيفة البريطانية أن الدعوى تلك لم تذكر "مسك" والعساكر بالاسم، لكنها تشير إلى "مسؤول أجنبي-1″ الذي كان الأمين العام لـ"المؤسسة رقم 1" التي أسسها أحد أفراد الأسرة الحاكمة. ويطابق الوصف مؤسسة "مسك"، كما أن مؤسسات إعلامية أمريكية بارزة حدّدت "العساكر" على أنه "المسؤول الأجنبي-1″، نقلاً عن أشخاص مطلعين على القضية.
وتزعم الدعوى القضائية أن المدَّعى عليهم المتهمين بالتجسس لصالح الرياض في 2014 و2015، تواصلوا مع "مسؤول أجنبي-1″ الذي زوَّدهم بـ"هدايا، وأموال نقدية، ووعود بتوظيف مستقبلي مقابل معلومات غير علنية عن مستخدمين لتويتر".
ولفتت الصحيفة إلى أنه نقلاً عن نص الدعوى، فإنّ السعودي علي الزبارة، أحد المدّعى عليهم في القضية، تمّ توظيفه في "المؤسسة رقم 1" بعد استقالته من "تويتر" عام 2015.
وتؤكد القضية التي رفعها الجبري، أن "مسك" تآمرت مع "العساكر" وبن سلمان لتجنيد أفراد سراً للعمل كوكلاء، والمشاركة في مطاردة الجبري في الولايات المتحدة، وقد عرضت "الحملة" التوظيف في "مسك" كـ"مكافأة" للذين ساعدوا بن سلمان و"العساكر".
وقال شخص مقرب من عائلة الجبري للصحيفة، إن مخاوفه بشأن المؤسسة انطلقت في سبتمبر/أيلول 2017، عندما طلب موظفو "مسك"، مراراً وتكراراً، من أحد أبنائه وأصدقائه تفاصيل الاتصال بالسيد الجبري وزوجته، إضافة إلى وضع إقامته في الولايات المتحدة.
وأكدت الدعوى أنه في ذلك الوقت، أرسل الأمير محمد ومساعدوه عدة رسائل تهديد إلى الجبري، الذي غادر المملكة في مايو/أيار 2017؛ في محاولة لإجباره على العودة.
"مسك" تتحول إلى ذراع "سيئ السمعة"
يقول محلل سعودي مطلع على عمل المؤسسة، للصحيفة البريطانية، إنه "لن يرغب أحد في الارتباط بهذه القضايا، فقد يوقف ذلك بعض الشراكات العالمية للمؤسسة، وهي التي من المفترض أنها تقدم بعض المنح الدراسية الأجنبية".
تقول الصحيفة، إن أهداف "مسك" بدت في سنواتها الأولى تشير إلى تسخير شهية الشباب السعودي الكبيرة لوسائل التواصل الاجتماعي من خلال توجيه طاقاتهم إلى محتوى غير سياسي بعد الانتفاضات العربية عام 2011، التي أثارت مخاوف بشأن استخدام تطبيقات الشبكات كأدوات للنشاط المناهض للحكومة.
فتحْت عنوان الأعمال الخيرية ومشاريع تمكين الشباب التي يطلقها محمد بن سلمان من خلال مؤسسته؛ يشرع ولي العهد في صناعة مجموعات شبابية تدين له بالولاء وتدافع عنه وعن رؤيته الخاصة، وتلمّع سمعته في الخارج، ووراء كل ذلك تعمل أذرعه النافذة لتعقُّب المعارضين، وإدارة الأعمال المشبوهة، مثل التجسس داخل تويتر.
تقول كريستين ديوان، وهي كبيرة باحثين بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن، إن مؤسسة مسك كان "لها دور مركزي في مشروع محمد بن سلمان بأكمله". في هذا السياق أضافت كريستين: "إذا نظرت إلى رحلة صعود بن سلمان، فستجد أنه يأتي في مرحلة تغيُّرٍ جيليٍّ غير مسبوق في المملكة، وهو عازم على ركوب تلك الموجة والسيطرة عليها. ومؤسسة مسك هي محور هذين المشروعين، بوصفها أداة تشجيع وترويج للتغيير في أوساط الشباب السعودي، وفي الوقت نفسه، أداة لإبقائهم في تحالفٍ وارتباط وثيق مع حكمه".