بعيداً عن التطبيع المعلن بين إسرائيل وبعض الدول العربية، بدا التطبيع الاستخباراتي بين إسرائيل ودول خليجية أقوى مما سبق، فقد كشفت مصادر قريبة من حركة حماس لـ"عربي بوست" تعاوناً استخبارتياً بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية في التحقيق مع ناشطين أردنيين وفلسطينيين معتقلين في السجون السعودية بتهمة دعم حركة حماس.
وأكدت المصادر أنّ التحقيق مع المعتقلين تم بمعاونة شخصيات بجهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد"، شاركوا المحققين السعوديين عملهم، فضلاً عن اشتراك فريق آخر من جنسيات أجنبية في التحقيقات.
استجواب باللغة العبرية
كما كشفت المصادر، التي رفضت الإفصاح عن هويتها، أنّ عناصر المخابرات الإسرائيلية كانت تحقق مع المعتقلين باللغة العبرية، وقد تعرف عليهم المعتقلون فأخبروا عائلاتهم، ومن ثَم وصلت المعلومات إلى الدوائر المقربة من الحركة في الخارج.
وتؤكد المصادر المطلعة أنّ التحقيق كان يركز على معرفة نشاطات المعتقلين السابقة داخل الأراضي الفلسطينية والبحث في ارتباطاتهم الداخلية وأبرز الرموز والعناصر الذين تعاملوا معهم في الداخل والخارج الفلسطيني.
وعلم "عربي بوست" من المصادر أنّ السلطات السعودية اضطرت إلى الاستعانة بفرق الموساد الإسرائيلي والفرق المخابراتية الأجنبية، لعدم توفر الخبرة الكافية لدى المحقق السعودي في القضايا المتعلقة بفلسطين وعدم إلمامه بالواقع الفلسطيني الداخلي، خاصة أن ملف حركة حماس في الداخل يعدّ شأناً إسرائيلياً أمنياً بالدرجة الأولى.
جلسة واحدة فقط
في هذا السياق، يؤكدّ رئيس لجنة المعتقلين السياسيين الأردنيين في السجون السعودية، خضر المشايخ، لـ "عربي بوست"، أنّ الجلسة الثانية لمحاكمة المعتقلين والناشطين المحسوبين على الحركة سوف تُعقد بعد أقل من شهر.
حيث عقدت الجلسة الأولى في 8 مارس/آذار الماضي، كما بُلِّغ أغلب المتهمين بمواعيد جلساتهم، وأنّ هناك ترتيبات لعقد الجلسة الثانية للمحاكمة في المحكمة الجزائية المختصة بمدينة الرياض.
وتتوزع أماكن احتجاز المتهمين والناشطين الموقوفين في أربعة سجون رئيسية: سجن ذهبان في مدينة جدة، وسجن الدمام السياسي وسجن الحائر بالرياض، وسجن الشعّار في مدينة أبها.
ويبلغ عدد المتهمين المعتقلين في السعودية على خلفية دعم حركة حماس 68 أردنياً وفلسطينياً بينهم 10 سعوديين هم كفلاؤهم المتهمون.
وأكدّ خضر المشايخ أهمية الجلسة القادمة لمحاكمة المتهمين؛ لكون القاضي سيستمع لأقوال المتهمين، وأن محامي المتهمين سوف يطلب الإفراج عنهم بكفالة مالية، منهاً عدم وجود تأكيدات بأن تكون الجلسة القادمة فاصلة للبت في قضية المتهمين، وأن الحكم قد يصدر في جلسات لاحقة.
ويشير المشايخ إلى أنّ محكمة الجلسة الثانية سوف تستمر إلى عدة أيام يتم من خلالها استجواب المتهمين والاستماع لأقوالهم عبر توزيعهم في مجموعات، حيث تعقد جلسة المحاكمة بمجموعة تتكون من 3-4 أشخاص.
ويشدد المشايخ على استياء أهالي المعتقلين لاختفائهم منذ 8 آذار/مارس الماضي ولم يروهم حتى اللحظة، كما أن التواصل مع عائلات المعتقلين يتم بشكل محدود عبر الهاتف في اتصال لا يتجاوز عشر دقائق، وفي أغلب الأحيان ينقطع التواصل لأسابيع أو لأشهر.
ويؤكد المشايخ أن أهالي المعتقلين قلقون على سلامة أبنائهم، مشيراً إلى أن السلطات السعودية أفرجت عن معتقل واحد فقط خلال الفترة الماضية، يدعى بكر الحصري وقُضي بترحيله خارج البلاد.
ونوه المشايخ بأن ملف الحصري مازال عالقاً حتى اللحظة منذ أكثر من شهرين، حيث تمّ التنسيق مع المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات لترحيله إلى عمان، لكن لا شيء تحرك حتى الآن.
كما يؤكدّ المشايخ أنّ ملف المعتقلين لم يجد سبيله للحل السلمي مع السلطات السعودية رغم الجهود المبذولة من الخارجية الأردنية وأطراف أخرى.
وأبدى أسفه لتأجيل المحاكمات التي تقرر أن تتم عبر تقنيات التواصل الاجتماعي "أون لاين" لكنها تأجلت عدة مرات.
تحركات للإفراج عن المعتقلين
يبلغ عدد المعتقلين الذين يحملون الجنسية الأردنية 25 "من أصول فلسطينية"، و30 آخرين لا يحملون الجنسية الأردنية منهم من يمتلك وثائق وجوزات سفر أردنية ومصرية مؤقتة، أوقفوا في فبراير/شباط 2019.
ويتهمون جميعاً بتقديم الدعم المالي للقضية الفلسطينية وحركة حماس، ولم تعقد لمحاكمتهم سوى جلسة واحدة فقط في 8 آذار/مارس الماضي.
ويؤكدّ المحلل والكاتب السياسي إبراهيم المدهون، المقرّب من حركة "حماس"، لـ"عربي بوست"، أنّه لا توجد حتى اللحظة قنوات اتصال رسمية مع السلطات السعودية، سواء من جهة حركة حماس أو مع الجهات الرسمية الفلسطينية، كما لا توجد أية مبادرات على المستوى الرسمي، مشيراً إلى وجود مبادرات غير رسمية من جهات متعددة، لكنها لم تلقَ أية استجابة أو قبول من الجانب السعودية، مؤكداً أن هناك محاولات لطرح هذه القضية عبر اللقاءات والنوافذ العربية والإقليمية بين قيادات حركة حماس والقيادات العربية والإقليمية والدولية، إلا أن الجانب السعودي لا يبالي.
ويشدد المدهون على أنّ العمل الفلسطيني في الداخل السعودي لم يكن يوماً من الأيام جريمة، مؤكداً أننا أمام مرحلة جديدة ولكن على الجميع إدراك أنّ الفلسطينيين قادرون على أن يتجنبوا أي مواجهة مع النظم السياسية العربية التي عليها إدراك أنّ الشعب الفلسطيني لن يقبل الاعتداء عليه ويكفيه عدوان الاحتلال.
واعتبر المدهون أنّ مشاركة الاحتلال في التحقيقات عدوان على المعتقلين ويسيء للسعودية ولأي نظام يتقارب مع الاحتلال في هذه المرحلة، مشيراً إلى أنّ هناك محاولات لتحريك ملف المعتقلين في السعودية سياسياً وإعلامياً لإيصاله إلى الملك سلمان علَّه يتدخل شخصياً ويفرج عنهم، وأنّ حركة حماس سوف تستثمر كل الفرص لطرح الملف على كافة المستويات.
وشدد المدهون على أن هناك محاولات لتحريك الملف عبر شخصيات اعتبارية، وأن هناك حرصاً حقيقياً على إغلاق الملف بأقل تكلفة ممكنة.
زوجات المعتقلين يناشدن ملك الأردن
في سياق متصل، وجهت زوجات المعتقلين الأردنيين في السعودية نداء إلى منظمات حقوق الانسان عبر "عربي بوست" وطالبن بالإفراج العاجل عن أزواجهن الذين اعتقلوا منذ عام ونصف بلا تهمة ولا محاكمة.
وقلن لـ"عربي بوست": "نعيش بالمملكة العربية السعودية منذ عشرات السنين ولم توجه بحق أحد من أزواجنا أية مخالفة أو تهمة طوال فترة معيشتنا، فمنهم المهندس والطبيب وأساتذة الجامعة ورجال الأعمال. وهم من خيرة أبناء الأردن".
وأضافت زوجات المعتقلين في حديثهن لـ"عربي بوست": "ننتظر كل يوم خروج أزواجنا ليعودوا إلى أحضان أبنائهم، فقد عانينا كثيراً، وزاد قلقنا أكثر بعد تفشي فيروس كورونا".
واختتمن حديثهن بالقول: "نناشد الملك عبدالله الثاني والحكومة والمسؤولين أن يتدخلوا للإفراج عن أزواجنا، ونناشد جمعيات حقوق الإنسان في الأمم المتحدة والعالم أن يكون لهم دور في الضغط على السعودية لتخرج أزواجنا من غياهب سجونها".