تُحارب مصر الإرهاب والتمرّد في شبه جزيرة سيناء منذ عقدٍ ونصف، دون أيّ بوادر على تحقيق نصرٍ حاسم. ورغم تنفيذ الجيش المصري للعديد من العمليات العسكرية ضد المُتطرّفين، فإنه عجز عن القضاء عليهم أو هزيمتهم، في مؤشر قوي على وجود مشكلات في الاستراتيجية المصرية لمحاربة الإرهاب بسيناء.
ويرى تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي، أن استراتيجية مصر لمكافحة الإرهاب، خاصةً في سيناء، معيبة ونتائجها عكسية.
فبدلاً من القضاء على الإرهاب واقتلاع جذوره؛ أدّت إلى خلق أرضيةٍ خصبة للجماعات المُسلّحة والمُتشدّدة حتى تزدهر، وتُجنِّد الأعضاء الجدد، وتُكثِّف الهجمات ضد الجيش المصري والقوات الأمنية والمدنيين على حدٍّ سواء، ما أسفر عن فقدان الآلاف حياتهم، وخلق حالة من عدم الاستقرار في سيناء.
جذور التمرّد في سيناء
مشكلة الإرهاب والتمرّد في سيناء قائمةٌ منذ سنوات، إذ بدأت في عهد نظام مبارك حين نفّذ المُتشدّدون الإسلاميون سلسلةً من الهجمات الدموية في طابا وشرم الشيخ ودهب بجنوب سيناء بين عامي 2004 و2006، ما أسفر عن قتل وجرح المئات (خاصةً من السياح الأجانب الذين زاروا تلك المدن). ونفّذت الهجمات جماعةٌ مُتشدّدة تُدعى "التوحيد والجهاد"، التي ضمت أعضاءً من البدو وأفراداً من أصولٍ فلسطينية بشمال سيناء، وخاصةً في العريش. وأدّت سياسة مبارك الأمنية لمواجهة المُتشدّدين في سيناء إلى مُفاقمة المشكلة، وخلق المزيد من المظالم بين البدو والسكان المحليين.
وفي أعقاب انتفاضة عام 2011، أعاد المُتشدّدون والمتطرفون في سيناء تنظيم صفوفهم وأسّسوا شبكات مُختلفة مثل جماعة "أنصار بيت المقدس" المعروفة. وبين فبراير/شباط 2011 ويونيو/حزيران 2013، نفّذت أنصار بيت المقدس عدة هجمات على الحدود المصرية-الإسرائيلية، واستهدفت خط أنابيب الغاز الذي يربط مصر بإسرائيل عدة مرات، ولكن في أعقاب انقلاب عام 2013، بدأت الجماعة في استهداف الجيش المصري والقوات الأمنية في سيناء والبر الرئيسي لمصر على حدٍّ سواء.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014، انضمت أنصار بيت المقدس إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأقسمت على الولاء لزعيم داعش السابق أبوبكر البغدادي، وغيّرت اسمها إلى ولاية سيناء.
تقارير عن سيطرة داعش على 5 بلدات
وعلاوةً على ذلك، تزعم بعض التقارير الإعلامية أنّ ولاية سيناء تُسيطر الآن على 5 بلدات في مُحيط بئر العبد: رابعة، وقاطية، وأقطية، والجناين، والمريح.
وإذا ثبتت صحة تلك التقارير فسوف يُمثّل ذلك تحوّلاً كبيراً في تكتيكات الجماعة، بما يفرض تحدّياً خطيراً على الحكومة المصرية وحلفائها الغربيين.
في المقابل، فوفقاً لبعض التقارير، قتل الجيش المصري والقوات الأمنية أكثر من 7 آلاف مُسلّح واعتقل نحو 27 ألفاً حتى العام الماضي.
كيف تغيرت الاستراتيجية المصرية لمحاربة الإرهاب بسيناء بعد وصول السيسي للسلطة
منذ تولّيه السلطة في عام 2014، تبنّى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي استراتيجيةً شديدة العسكرة في التعامل مع التمرد بسيناء، وكانت الاستراتيجية تستهدف القضاء على أنشطة الجماعات المُسلّحة، وخاصةً ولاية سيناء، واقتلاع جذور التمرّد من شبه الجزيرة. ولتحقيق ذلك، نفّذ الجيش المصري عملياته العسكرية في مدن رفح والشيخ زويد والعريش، وجاءت تلك العمليات على ثلاث مراحل، بدأت الأولى في أكتوبر/تشرين الأول عام 2014، بعد أن أعلن السيسي حالة الطوارئ في منطقة شمال شرق سيناء، التي تشمل رفح والشيخ زويد والعريش، وغيرها من القرى على الحدود المصرية مع غزة.
وبدأت المرحلة الثانية في الثالث من سبتمبر/أيلول عام 2015، بعد أن شنّت ولاية سيناء هجوماً كبيراً باستخدام صواريخ كورنيت على سفينةٍ تابعة للبحرية المصرية. وفي السابع من سبتمبر/أيلول عام 2015، أطلق نظام السيسي عمليةً عسكرية أخرى تُدعى "حق الشهيد"، والتي وصفتها وسائل الإعلام المصرية بأنّها "أكبر عمليةٍ شاملة لاقتلاع جذور الإرهابيين وقتلهم".
وانطلقت المرحلة الثالثة في فبراير/شباط عام 2018، حين أطلق الجيش المصري حملةً عسكرية شاملة، بعنوان: "عملية سيناء 2018، بهدف تطهير البلاد من الإرهابيين". ومؤخراً، غيّرت حكومة السيسي تكتيكاتها في مكافحة التمرّد بسيناء. فبالإضافة إلى الهجوم العسكري، حاولت جذب بعض زعماء القبائل والتعاون معهم من أجل القتال إلى جانب الجيش المصري.
ومع ذلك، فرغم زعم الحكومة المصرية أنّ الحملة القائمة أضعفت التمرد وقضت عليه في سيناء، فإن الواقع على الأرض لا يدعم تلك المزاعم، فعلى مدار العامين الماضيين، لم تكتفِ ولاية سيناء بتنفيذ هجمات مُتطوّرة ضد قوات الجيش والشرطة، ولكنّها مدّت أنشطتها إلى مناطق أخرى مثل بئر العبد والقرى المُحيطة.
لهذه الأسباب الاستراتيجية فاشلة
تُحارب مصر الإرهاب في سيناء منذ سنوات دون أي بادرةٍ على نهاية الحرب أو تحقيق انتصارٍ حاسم. وبالتالي، يُجادل بعض المحللين بأنّ استراتيجية مصر لمكافحة الإرهاب كانت تُركّز على احتواء الإرهاب في سيناء، بدلاً من القضاء عليه واقتلاع جذوره.
ورغم حقيقة أنّ مشكلة الإرهاب في شبه الجزيرة بدأت منذ عصر مبارك، لكنّها تفاقمت في عهد نظام السيسي للعديد من الأسباب.
أوّلاً: تجاهل الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية
تبنّى السيسي استراتيجيةً ذات توجهٍ عالي الأمنية في مكافحة التمرّد، دون الاعتراف بالجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية للوضع في سيناء.
وأدّت سياساته في مكافحة التمرّد إلى تفاقم التحديات، وخلقت العديد من المشكلات الأخرى، حسب الموقع الأمريكي.
ثانياً: البحث عن الانتقام والنجاح السريع
فإنّ هذه الاستراتيجية تُحرّكها إلى حدٍّ كبير دوافع الانتقام، والعقاب الجماعي، والرغبة المُلحة في تحقيق نجاحٍ سريع ضد الهجمات المُتكرّرة من ولاية سيناء، بدلاً من أن تكون مبنيةً على رؤيةٍ طويلة المدى تسعى إلى علاج الأسباب الرئيسية لمشكلة سيناء.
ثالثاً: انتهاكات حقوق الإنسان تغضب البدو
ارتكب الجيش المصري والقوات الأمنية انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد البدو وغيرهم من سكان سيناء، وأسفرت هذه السياسات عن تأجيج العزلة والغضب.
ووفقاً لتقريرٍ مُفصّل وشامل بواسطة هيومن رايتس ووتش، "نفّذت قوات الجيش والشرطة المصرية اعتقالات تعسُّفية مُمنهجة وواسعة النطاق -شملت الأطفال- وإخفاءات قسرية، وتعذيباً، وعمليات قتل خارج نطاق القانون، وعقاباً جماعياً، وإخلاءات قسرية" في سيناء.
رابعاً: التهجير يعزز التطرف
أدّى تهجير آلاف البدو والسكان المحليين في سيناء إلى زيادة المظالم والدفع ببعضهم إلى حافة التطرّف، والانضمام إلى الجماعات المُسلّحة بغرض الانتقام من النظام. وأخيراً، أسفر استخدام القبائل في قتال التمرد عن خلق العديد من المشكلات، مثل تعرُّض بعضهم للخطف والتعذيب والقتل بانتظام على يد المسلحين.
يختتم التقرير بالقول "لقد فشلت استراتيجية مصر لمكافحة الإرهاب في سيناء فشلاً ذريعاً في القضاء على خطر الإرهاب. وفي الواقع ثبت أنّها أسفرت عن نتائج عكسية، وعمّقت الوضع الجاد والخطير في سيناء بدلاً من حلّه، ما يُثير الكثير من التساؤلات حول كفاءة حكومة السيسي وقدرتها على مكافحة الإرهاب بفاعلية".