"لا يمكن لحلف الناتو أن يدفن رأسه في الرمال فيما يتعلق بتصرفات تركيا"، كان هذا التصريح شديد اللهجة قد أطلقه مسؤول رفيع بوزارة الدفاع الفرنسية، في يونيو/حزيران الماضي، وذلك عندما زعمت باريس أن البحرية التركية اعترضت سفينة فرنسية كانت تشارك في مهام لـ"ناتو" في البحر المتوسط، وحينها قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتحريض الناتو على تركيا، مطالباً إياه بالتصدّي لها، وموجهاً انتقادات شديدة للحلف، لكنها فيما يبدو لم تلق صدى داخله، لتعلن باريس الغاضبة الانسحاب من عملية للأمن البحري لحلف شمال الأطلسي في المتوسط.
لم تكن الانتقادات الفرنسية تلك تجاه الناتو وتحريضها إياه على تركيا جديدة أو عابرة، فبسبب الخلافات مع تركيا أيضاً، سبق لماكرون أن وصف الحلف الأطلسي بـ"الميّت دماغياً ويحتاج لإنعاش"، في أعقاب عملية "نبع السلام" التي أطلقتها القوات المسلحة التركية، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، ضد التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا، والتي تصنفها أنقرة كإرهابية. وجدد ماكرون تلك الانتقادات، مع بدء أنقرة تقديم الدعم لحكومة الوفاق الوطنية الليبية، المعترف بها دولياً، بموجب اتفاقية مبرمة بينهما، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
وبعد مزاعم حادثة التحرش التركية بسفينة فرنسية، وانسحاب باريس من عملية للأمن البحري لحلف شمال الأطلسي في المتوسط، قالت وزارة الجيوش الفرنسية: "لا يبدو لنا أمراً سليماً الإبقاء على وسائل في عملية يفترض أن يكون من مهامها العديدة السيطرة على الحظر مع حلفاء لا يحترمونه"، في إشارة واضحة إلى تركيا، العضو مع فرنسا في حلف الناتو.
لكن على الرغم من ثقل فرنسا أوروبياً وعسكرياً بالنسبة للحلف، لا يبدو أن محاولاتها لقلب الناتو على تركيا تلقى تجاوباً داخله، إذ تمثل تركيا ثقلاً بارز الأهمية للتحالف الأطلسي، وفي هذه المادة سنستعرض الأسباب التي تجعل من الصعب على الناتو التخلي عن تركيا، والتمسك بوجودها في الحلف بالرغم من محاولات باريس لدفعه نحو عزل أنقرة.
"من الصعب الاستغناء عن تركيا"
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، استعرضت وزارة الدفاع التركية مساهمات أنقرة في حلف شمال الأطلسي، منذ أن أصبحت عضواً فيه بتاريخ 18 فبراير/شباط 1952، مؤكدة أن "تركيا توفر قوة لا يمكن للحلف الاستغناء عنها"، ومشددة على أن تركيا قد أوفت بمسؤوليتها تجاه الدفاع عن القيم المشتركة مع الحلفاء الآخرين في حلف الناتو، وستستمر في تحقيق ذلك".
وسبق أن أكد الأمين العام لحلف "ناتو"، ينس ستولتنبرغ، على أهمية تركيا بالنسبة إلى الحلف، رداً على انتقادات فرنسية وإيطالية لتركيا إبان عملية "نبع السلام" في الشمال السوري، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقال ستولتنبرغ حينها: "يجب ألا نخاطر بالمكاسب التي حققناها ضد عدونا المشترك، تركيا مهمة لحلف شمال الأطلسي، نواجه خطر تقويض الوحدة التي نحتاجها في الحرب ضد داعش".
وفي فبراير/شباط الماضي، أكد ستولتنبرغ، أن "تركيا منذ 68 عاماً وهي عضو له قيمة كبيرة داخل عائلة حلف الأطلسي"، مشيراً إلى أنها تعتبر واحدة من أكثر الأعضاء إسهاماً في بعثات وعمليات الحلف بعدد كبير من الدول مثل أفغانستان وكوسوفو والعراق. مضيفاً أن تركيا "الحليف الأكثر تضرراً من الفوضى، والعنف، وعدم الاستقرار بالشرق الأوسط، والأكثر تعرضاً لهجمات إرهابية".
وعلى مدار 68 عاماً من عضويتها في الحلف، تصنف تركيا ضمن البلدان الـ 5 الأوائل الأكثر إسهاماً في مهام "ناتو" وعملياته، بين الدول الأعضاء، إذ شاركت أنقرة ضمن أغلب العمليات والمهام والفعاليات التي أطلقها الحلف بهدف تعزيز قدراته المدنية والعسكرية، وتقدم للحلف دعماً سنوياً تصل قيمته 90 مليون يورو.
كما تستضيف تركيا العديد من المقرات التابعة لـ"ناتو"، أبرزها قيادة القوات البرية "LANDCOM" المتواجدة في ولاية إزمير غربي تركيا. كما تستضيف منطقة "كوراجيك" بولاية مالاطيا شرقي تركيا، منظومة رادار تابعة لـ"ناتو". وتستخدم طائرات المراقبة "أواكس" التابعة للحلف، قاعدة قونية الجوية وسط تركيا، إضافة إلى تزودها بالوقود جواً، من قبل طائرات تركية.
تركيا ثاني أكبر قوة عسكرية في الناتو
يحتل الجيش التركي المرتبة الثانية على قائمة أضخم جيوش حلف الناتو، بميزانية دفاعية تصل إلى 19 مليار دولار، ويصل عدد جنوده إلى 435 ألف جندي، بينهم 77 ألفاً من المحترفين و325 ألفاً من المجندين في القوات البرية، و48600 جندي في البحرية و60 ألفاً في سلاح الطيران. يضاف إلى هؤلاء أكثر من 100 ألف من قوى الدرك أو الشرطة شبه النظامية، التي تتبع لوزارة الداخلية بدلاً من وزارة الدفاع، وفقاً لأرقام العام 2015. وفي تركيا كذلك 400 ألف جندي احتياطي في الجيوش الثلاثة.
يضم الأسطول البحري لها قرابة 149 قطعة بحرية منها 10 طرادات، و12 غواصة، إضافة إلى 35 سفينة دورية و16 فرقاطة و11 سفينة متخصصة بالألغام. ويمتلك الجيش التركي أكثر من 2622 دبابة و8777 مدرعة و1278 مدفعاً ذاتي الحركة، وأكثر من 1260 مدفعاً ميدانياً، إضافة إلى 433 راجمة صواريخ.
في حين يملك سلاح الجو 200 طائرة "إف-16" ما يجعله الثاني بعد الأسطول الجوي الحربي الأمريكي. ويصل مجموع ما يمتلكه الجيش التركي لـ1055 طائرة حربية متنوعة، بينها 206 مقاتلات، و207 طائرات هجومية، و87 طائرة شحن عسكري، إضافة إلى 276 طائرة تدريب، و497 مروحية عسكرية منها 100 مروحية هجومية، كما تمتلك تركيا قرابة 98 مطاراً عسكرياً صالحاً للاستخدام.
الصادرات الدفاعية التركية
وبحسب المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، تحظى الصادرات الدفاعية التركية حتى عام 2023، بطموحات كبيرة، إذ تحرز صناعة الدفاع المتنامية في تركيا تقدماً كبيراً في مجال التصدير. وأعلنت تركيا عن عام آخر من نمو مبيعات الصادرات الدفاعية والفضائية، لكنها لا تزال قريبة من هدفها البالغ 25 مليار دولار أمريكي سنوياً بحلول عام 2023. في عام 2018، كانت مبيعات التصدير أقل من 10% من الطموح. ومع ذلك، لا ينتقص هذا كثيراً من التقدم الذي تحرزه صناعة الدفاع التركية في مجال التصدير، بحسب تقرير المعهد.
في بداية عام 2019، قال وكيل مديرية الصناعة الدفاعية التركية إسماعيل دمير، إن صادرات الدفاع والطيران المدنية التركية لعام 2018 ارتفعت بنسبة 17% عن العام السابق، لتصل إلى 2.035 مليار دولار أمريكي. في أفضل جزء خلال عقد من الزمان، كما حددت الحكومة التركية لنفسها هدفاً كبيراً يتمثل في الوصول إلى هدف تصدير خدمات الدفاع والطيران المدني السنوي بقيمة 25 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2023.