تزامناً مع وصول طائرة العال الإسرائيلية إلى أبوظبي، مروراً بالأجواء السعودية، في انتصار مدوّ لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تشدد إسرائيل من حصارها المفروض على قطاع غزة منذ 14 عاماً لتضيف بعداً جديداً لمأساة إنسانية متفاقمة جعلها وباء كورونا وضعاً إنسانياً غير محتمل، فإلى أين تتجه الأمور في القطاع؟
"السلام مقابل السلام"
اليوم الإثنين 31 أغسطس/ آب، يتوجه كبار مساعدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونتنياهو إلى الإمارات لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق يؤسس لعلاقات مفتوحة بين الدولة الخليجية وإسرائيل، وحتى قبل بدء المباحثات في أبوظبي، سيكون الموفدون على موعد مع حدث غير مسبوق في مجال الطيران باستقلالهم طائرة تجارية إسرائيلية مباشرة من تل أبيب إلى العاصمة الإماراتية فوق الأراضي السعودية، وقد كُتبت لهذه المناسبة كلمة "السلام" بالإنجليزية والعبرية والعربية أعلى نوافذ قمرة قيادة طائرة العال بوينغ 737.
وكتب نتنياهو على تويتر قائلًا: "هكذا يبدو السلام من أجل السلام"، مشيداً بما أسماها رحلة تاريخية في وصفه لاتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي دون أن تلتزم الدولة اليهودية بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها في حرب 1967 بحسب الموقف العربي الذي كان ثابتاً على ذلك المبدأ منذ عقود طويلة.
ويرأس الوفد الأمريكي كبير مستشاري ترامب وصهره جاريد كوشنر ومستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، بينما يقود الفريق الإسرائيلي مئير بن شبات، نظير أوبراين، وسيبحث المسؤولون التعاون الثنائي في مجالات مثل التجارة والسياحة، ومن المقرر أن يزور مبعوثو الدفاع الإسرائيليون الإمارات بشكل منفصل.
ويأمل المسؤولون الإسرائيليون أن تخرج الزيارة التي تستغرق يومين بموعد حفل توقيع في واشنطن، ربما في وقت مبكر من سبتمبر/أيلول، بين نتنياهو وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وهو الحدث الذي يمكن أن يمنح ترامب دفعة في مجال السياسة الخارجية قبل محاولته للفوز بفترة جديدة في نوفمبر/تشرين الثاني.
وفي الضفة الغربية المحتلة، قالت حنان عشراوي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن كوشنر وفريقه "يسعون لإقناع أكبر عدد ممكن من القادة العرب والمسلمين" لمنح ترامب دفعة انتخابية، وأضافت: "سيكون ذلك دعماً على خلفية مشهد لا معنى له لاتفاق سخيف لن يجلب السلام إلى المنطقة".
ماذا عن الموقف في غزة إذن؟
اللافت هنا أن نتنياهو لا يحاول تهدئة الأمور مع الفلسطينيين، الذين شعروا بالفزع من الخطوة الإماراتية، حيث يساورهم القلق من أنها ستضعف الموقف العربي القائم منذ فترة طويلة والداعي إلى الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة وقبول الدولة الفلسطينية مقابل علاقات طبيعية مع الدول العربية.
بل على العكس، شهد قطاع غزة الذي يعاني من أوضاع إنسانية كارثية بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ 14 عاماً، تصعيداً في تشديد ذلك الحصار وقيام إسرائيل بتوجيه ضربات صاروخية بشكل يومي تحت زعم أن ذلك رد على إطلاق بالونات حارقة من القطاع باتجاه مستوطنات إسرائيلية، على الرغم من أن إطلاق تلك البالونات – بحسب الجانب الفلسطيني – بدأ رداً على عدم التزام إسرائيل ببنود الهدنة القائمة بين الطرفين.
وعقب اكتشاف إصابات جديدة بفيروس كورونا، تزامناً مع التصعيد العسكري بين حركة حماس التي تحكم القطاع وبين وإسرائيل، ازدادت الأمور تعقيداً، حيث تحاول "حماس"، بحسب محللين سياسيين، المزاوجة بين إدارة حالة الاشتباك مع إسرائيل وأزمة جائحة كورونا؛ بحيث يرتبط الملفان بمطلب "تخفيف الحصار عن غزة لتحسين شروط الحياة"، وأبرزها – حالياً – الخدمات الصحية.
هل تفلح جهود الوساطة المصرية القطرية؟
هذه الإدارة التي تجريها "حماس"، تتزامن أيضاً مع جهود الوسطاء المصريين والقطريين، في التوصل لصيغة توافق بين الطرفين تُفضي لاستعادة الهدوء في القطاع، وفق المحللين الذين أجمعوا، في حوارات منفصلة مع وكالة الأناضول، على أن المؤشرات على أرض الواقع تفيد بأن جهود الوسطاء لم تنجح حتّى اللحظة في تهدئة الأوضاع الميدانية.
وفي حال استمر التوتر الميداني، وأعلن الوسطاء فشل جهود التهدئة، فإنهم يتوقعون أن يذهب القطاع باتجاه مواجهة واسعة للضغط على إسرائيل لتخفيف حصارها المفروض على القطاع، لكن هذه المواجهة تبقى غير حتمية، حيث من المحتمل أن تستخدم حركة "حماس"، ورقة جائحة كورونا، للضغط على إسرائيل وإحراجها أمام المجتمع الدولي.
ومنذ بداية أغسطس/آب الجاري، ساد قطاع غزة حالة من التوتر الميداني والعسكري، جراء بدء إطلاق البالونات الحارقة باتجاه المستوطنات المحاذية للقطاع؛ في إطار الضغط على إسرائيل لتخفيف حصارها عن غزة، إلا أن تل أبيب ردّت على البالونات بشن غارات شبه يومية على مواقع يقول الجيش الإسرائيلي إنها تابعة لـ"حماس"، كما أصدرت عدداً من القرارات التي تسببت بتشديد حصارها.
وتمثّلت تلك القرارات في إغلاق البحر كاملاً أمام الصيادين حتّى إشعار آخر، ومنع إدخال كافة أنواع السلع والبضائع لغزة ما عدا الغذائية والطبية، ومنع إدخال مواد البناء والوقود؛ ما تسبب بأزمة كهرباء حادة حيث تزيد عدد ساعات انقطاع التيار عن 20 ساعة يومياً.
إدارة تصعيد وكورونا
الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن، يرى أن المزاوجة بين إدارة حالة الاشتباك وجائحة كورونا أمر صعب على حركة حماس، لكن في المقابل، فإن الحركة، وفق محيسن، تمتلك من "أدوات القوة العسكرية ما يساعدها في إدارة الاشتباك مع العدو"، كما أنها نجحت نوعاً ما، رغم انعدام القدرات الصحية بغزة، في إدارة ملف كورونا، وقال إن طبيعة إدارة "حماس" لحالة الاشتباك، والاعتماد بشكل أساسي على أدوات المقاومة السلمية تشير إلى عدم الرغبة في توسيع دائرة المواجهة.
وأوضح محيسن أن إدارة الاشتباك في وضعها الحالي تُعطي "مساحة كافية للوسطاء، للضغط على إسرائيل، لإلزامها بتنفيذ تفاهمات التهدئة المُتّفق عليها"، وخلال أغسطس/آب الجاري، زار غزة وفدان أحدهما أمني مصري، والآخر قطري، في إطار التوصل للتهدئة، استكمالاً لتفاهمات تم التوصل إليها نهاية 2018، برعاية مصرية وأممية وقطرية.
وبيّن محيسن أن حفاظ "المقاومة الفلسطينية على مستوى حالة الاشتباك الحالية ينمّ عن الذكاء في التعامل مع الاحتلال، وقراءة دقيقة لحجم تأثير أدوات المقاومة السلمية على الاحتلال"، وتابع: "الاحتلال يعيش حالة من الارتباك جرّاء عدم اهتدائه لطريقة التعامل مع هذه الأدوات أو وقفها".
وعن مصير جهود التهدئة، يرى محيسن أن الباب ما زال مفتوحاً أمام هذه الجهود، ولم يغلق حتّى اللحظة، لافتاً إلى أن الحكم على هذه الجهود بالفشل هو أمر خاطئ نظراً لتواصل الاتصالات، وتابع: "إن وصلت الأمور لنقطة الصفر، من الطبيعي أن يتغيّر المزاج العام في الميدان، وقد ينحرف بطريقة متسارعة ويذهب نحو التدهور، فيما قد يُفضي لمواجهة واسعة، خاصة في ظل التعقيدات التي يعيشها القطاع".
لكن السبت 29 أغسطس/آب، نقلت قناة "كان" الرسمية العبرية عن مسؤول إسرائيلي لم تذكر اسمه أن محادثات الوفد المصري للتهدئة بين تل أبيب وحركة "حماس" وصلت إلى طريق مسدود، وحذّر المسؤول من أنه "إذا لم تتوصل تل أبيب وحماس إلى حل لقضية غزة، فقد نكون مقدمين على جولة قتال أخرى".
في ذات السياق، فإن محيسن يرى أن أمام "حماس" فرصة لزيادة الضغط على إسرائيل لإلزامها بتفاهمات التهدئة، من خلال استخدام ورقة "جائحة كورونا بغزة"، وأضاف: "هذا الضغط قد يعطي غزة إسناداً دولياً من الجانب الإنساني على الأقل (..) ويجب التمسّك بهذه الورقة وعدم قلب الطاولة لتحقيق المطالب".
ويرجح محيسن أن "تشكل ورقة الضغط تلك نجاحاً في تحقيق المطالب، خاصة في ظل مطالبات دولية بضرورة إدخال الوقود والمستلزمات الطبية لقطاع غزة، وهذا الأمر بدأ يتفاعل، ولا نستطيع تحقيق إنجاز كبير في فترة قصيرة ".
كورونا حائط صد ضد المواجهة المفتوحة
من جهته يرى الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم أن أزمة جائحة كورونا سواء في الجانب الإسرائيلي، ومؤخراً في القطاع، لن تدفع أياً من الطرفين نحو المواجهة الواسعة، وتابع: "في إسرائيل هناك أزمة سياسية ومالية وصحية، وهي غير مهيأة لخوض مواجهة غير محسوبة العواقب، وكذلك الأزمات التي تعيشها غزة وآخرها اكتشاف كورونا بين المواطنين لن يدفع، على المدى القريب لهذه المواجهة".
كما من المحتمل أن تشكّل الأزمة الإنسانية والصحية بغزة عامل ضغط على "المجتمع الدولي لإجبار إسرائيل بإدخال التسهيلات للقطاع، كونه المسؤول الأول عن ذلك"، بحسب إبراهيم، ووصف ما قدّمته إسرائيل لغزة، خلال الفترة السابقة التي تلت تفاهمات التهدئة بـ"المسكّنات"، التي تُبقي القطاع على قيد الحياة، لكنه غير قادر على التنمية والتطور.
ومع دخول كورونا إلى المجتمع الغزيّ، يرى إبراهيم أن التحديات التي تواجهها "حماس"، باتت أكبر خاصة في ظل اشتداد الحصار المفروض على القطاع، والتوتر الميداني، وكشف عن وجود تخوفات حقيقية من عدم السيطرة على انتشار الفيروس، في ظل عدم قدرة الجهات الحكومية في القطاع من تحديد "الخارطة الوبائية".
لا أحد يبالي بمأساة القطاع
وقرأ وديع أبونصار، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الإسرائيلية، في استمرار إطلاق البالونات الحارقة من القطاع باتجاه المستوطنات المحاذية، إلى جانب إطلاق قذائف صاروخية، "فشل الوسطاء – حتى اللحظة – في التوصّل لصيغة مقبولة لدى حماس وإسرائيل للتهدئة"، وبيّن أن التحسينات التي سبق أن أدخلتها إسرائيل لغزة كانت تهدف لتجميل صورة الأوضاع بالقطاع، لكنها غير معنيّة بإيجاد تغيير حقيقي للأوضاع داخله.
وتابع أبونصار: "المجتمع الدولي غير مبالٍ بما يحدث في غزة، ويرى أن الأزمة يمكن حلّها ببعض المساعدات المالية (..) لا يوجد أي خطة أو رؤية إسرائيلية أو عالمية لتقديم المعاملة الإنسانية للقطاع"، ويستبعد حدوث "تغيير جذري على المستوى القريب فيما يتعلق بتخفيف الحصار عن غزة"، لافتاً إلى أن إسرائيل في نهاية المطاف ستعمل على "تقديم المسكّنات للقطاع لإسكات آلامه لا لتحسين أوضاعه".
وفيما يتعلق بملف كورونا، يعتقد أبونصار أن إسرائيل تخشى من انتشار الفيروس في القطاع، لما سيحمل هذا الأمر إحراجاً "لها أمام المجتمع الدولي كونها تتحمل المسؤولية عما يحدث به نتيجة إجراءاتها بحقّه"، وكشفت قناة (13) الإسرائيلية الخاصة أن "إسرائيل عرضت على حركة حماس عبر عدد من الوسطاء، تقديم مساعدات لغزة لمكافحة فيروس كورونا، مقابل وقف إطلاق البالونات الحارقة والصواريخ"، مشيرة إلى أن "إسرائيل تعتقد في حال ساعدت حماس على التصدي لوباء كورونا في غزة، فإن ذلك سيسهم في إعادة الأوضاع إلى الهدوء على الحدود".