على أطراف أوروبا، تتصاعد التوتّرات بين مجموعةٍ من الدول المتنافسة. إذ أثارت الأزمة التي تختمر داخل روسيا البيضاء (بيلاروسيا) بعض المخاوف حيال تدخّل روسي مُسلّح. كما أنّ المواجهة في شرق المتوسط قد تجمع بين تركيا وقبرص الشمالية من جهة، واليونان وقبرص الجنوبية وفرنسا من جهةٍ أخرى، كما تقول صحيفة Washington Post الأمريكية.
المخاوف الأوروبية في أزمة بيلاروسيا
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صرَّح يوم الخميس 27 أغسطس/آب بأنّ القوات الروسية جاهزةٌ للتدخّل في بيلاروسيا المجاورة "إذا لزم الأمر"، في أعقاب طلبٍ على ما يبدو من الرئيس البيلاروسي الذي أُسقِط بين يديه ألكساندر لوكاشينكو. وكان هذا هو أول تعليقٍ علني لبوتين على الموقف، منذ أعلن لوكاشينكو فوزه في انتخاباتٍ رأى الكثيرون أنّها مُزوّرة. وعصفت الإضرابات العمالية والاحتجاجات الجماهيرية بالبلاد في الأيام التالية. وتُريد حكومات الاتحاد الأوروبي إجراء حوارٍ وطني بين لوكاشينكو والمعارضة، لكن الزعيم البيلاروسي وبوتين رفضا تلك الدعوات باعتبارها تدخلاً خارجياً من الغرب المُتطفّل.
وكان هذا الأسبوع مزدحماً على الساحة الخارجية للكرملين؛ إذ دخلت القوات الروسية والأمريكية في مناوشةٍ مُحرجة بالعربات المدرعة داخل سوريا. بينما توصّل الأطباء في ألمانيا إلى أنّ المعارض الروسي البارز أليكسي نافالني، الراقد داخل مستشفى في برلين حالياً بعد أن أعياه المرض على متن طائرةٍ قادمة من سيبيريا؛ تعرّض للتسميم. وتُصر السلطات الروسية على أنّها لا ترى سبباً لإقامة دعوى جنائية، لكن تاريخ الكرملين الطويل في مثل هذه الأفعال ومكانة نافالني السياسية تعنيان أنّ التدقيق لن ينتهي قريباً.
وبعيداً عن السياسة، بدأت الجيوش تشحذ سيوفها بالفعل. ففي الأسبوع الجاري صعّدت السويد من عملياتها الدفاعية في بحر البلطيق رداً على التصعيد المُتصوّر في المناورات العسكرية الروسية. وأذاعت قنوات التلفزيون السويدي مشاهد لعربات مُدرعة تتجوّل بالقرب من المصيفين في جزيرة غوتلاند. وليست السويد عضوةً في حلف الناتو، لكن مسؤوليها حذّروا من "تدهور الوضع الأمني" مع توغّل المقاتلات والسفن الروسية في مناطق أبعد. وكانت آخر مرة رفعت فيها السويد استعدادها العسكري بهذه الدرجة رداً على الانقلاب الفاشل ضد الرئيس السوفييتي آنذاك ميخائيل جورباتشوف عام 1991.
الانقسام الأوروبي حيال أزمة شرق المتوسط
بينما شارفت التوتّرات على الانفجار في بحر إيجة؛ إذ انضمت فرنسا وإيطاليا إلى اليونان وقبرص في تدريبات عسكرية هذا الأسبوع، وهي مناورات بحرية اعتُبِرَت رداً على مناورات تركيا ضد اليونان وقبرص حيال المنازعات البحرية.
وأوضحت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية أن "فرقاطة يونانية اصطدمت بإحدى سفن الحرب التركية وأحدثت أضراراً بالأخيرة، ما أسفر عن احتمالية اندلاع اشتباكٍ مُسلّح عرضياً أو عمداً. واستجاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإرسال قواتٍ بحرية لدعم اليونان".
وثارت ثائرة المسؤولين الأتراك بسبب النشر الواضح للمقاتلات الفرنسية في قبرص، في أحدث أوجه الانقسام بين دولتين من الدول الأعضاء بحلف الناتو. فيما تصر تركيا على الدفاع عن حقوقها في مواجهة القوى الأوروبية التي تُحاول الانتقاص منها أو تقويضها.
وقال أردوغان في خطابه يوم الأربعاء، 26 أغسطس/آب: "ندعو نظراءنا إلى التحلّي بالذكاء وتجنّب ارتكاب الأخطاء التي ستُؤدي إلى تدميرهم. ونُرحب بكل من يرغبون في مواجهتنا، لأنّهم سيدفعون الثمن. وعليهم الابتعاد عن طريقنا إن كان الثمن غالياً عليهم".
بينما أوضحت صحيفة The Economist البريطانية أن التسابق على الموارد وأفضل سبل استغلاها يزيد تفاقم التوتّرات الدولية. ويرجع ذلك جزئياً إلى التاريخ والجغرافيا المُعقّدين لمنطقة شرق البحر المتوسط. إذ تُجادل اليونان بأنّ كل واحدة من جزرها -مهما كان حجمها- يحق لها قانوناً الحصول على جرفها القاري الخاص بحقوق حفرٍ مُنفردة. بينما ترد تركيا، المحاصرة داخل بحر إيجة بجدارٍ أرخبيلي فاصل من تلك الجزر، بأنّ الجزر الشرقية تستقر داخل الجرف القاري لتركيا، التي ترفض السماح بإنشاء مناطق اقتصادية خالصة حولها".
"شرارة قد تُؤدي إلى كارثة"
ويقول الخبراء إنّ أنقرة تأمل في الضغط على منافسها القديم حتى يُقدّم التنازلات؛ إذ قال سنان أولغن، رئيس مؤسسة Edam البحثية التركية، لصحيفة Financial Times البريطانية، إنّ "استراتيجية أردوغان هي استخدام تكتيكات القوة الصلبة ليُبرهن على أمرين؛ أوّلهما أنّ اليونان لا يُمكنها فرض خريطتها الخاصة أحادياً على تركيا، وأنّ تركيا سترد على ذلك بالقوة العسكرية إذا لزم الأمر. وثانيهما أنّه يرغب في إجبار اليونان على الجلوس للتفاوض مع تركيا، بهدف التوصّل إلى خطة تقسيم عادلة لمنطقة شرق المتوسط".
في حين قال وزير الخارجية القبرصي نيكوس كريستودوليدس إنّ مصداقية أوروبا باتت على المحك، مضيفاً: "يجب على اتحادٍ من 27 دولة أن يُدافع عن القيم الدولية، من أجل نظامٍ عالمي دولي قائم على قيم ومبادئ الاتحاد الأوروبي".
لكن أوروبا لم تعُد متحدةً في هذا الصدد كما يأمل القبارصة؛ إذ تبدو بعض الدول غير معجبة بنهج ماكرون العدواني ضد تركيا، حيث كتب إيميل حكيم، من مؤسسة IISS البحثية البريطانية، الشهر الماضي: "إنّ الغضب الفرنسي على أنقرة قد قُوبِلَ بمزيجٍ من التفهّم واللامبالاة داخل برلين، وروما، ولندن. وربما لا تحظى تركيا بالكثير من الحب في العواصم الغربية هذه الأيام، ولكن الأسلوب الفرنسي في مواجهة أردوغان لا يحظى بشعبيةٍ كبيرةٍ هناك أيضاً".
بينما قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، الأسبوع الجاري: "يُمكن لأصغر شرارة أن تُؤدي إلى كارثة. ولن يصُبّ هذا في مصلحة أحد، خاصةً في حال وقوع مواجهةٍ عسكرية بين شركاء وجيران من حلف الناتو".