تؤيد إسرائيل بشكل مباشر ودائم إمداد الولايات المتحدة لها باحتكارٍ إقليمي طويل الأمد للمقاتلة إف-35، التابعة لبرنامج جوينت سترايك فايتر، بحجة أن التفوق الإسرائيلي الجوي -الذي يبقى ضرورياً لتفوقها العسكري النوعي- يتآكل فعلياً بدرجة كبيرة، من خلال بيع كميات كبيرة من الطائرات المقاتلة الأمريكية المتطورة والذخيرة إلى الدول الخليجية، لذا فإن الميزة الحقيقية الوحيدة لإسرائيل قد تتمثل في امتلاكها الحصري لمقاتلات إف-35 أدير.
وعلى مدى خمسين عاماً، قدمت الولايات المتحدة أفضل الطائرات المقاتلة للمساعدة لإسرائيل، ويستمر استخدام إسرائيل لمقاتلة F-35 Joint Strike Fighter، المعروفة محلياً باسم Adir، في هذا التقليد حتى في الوقت الذي تضع فيه الدولة اللمسة التكنولوجية الخاصة بها على مقاتلة الجيل الخامس. على عكس عملاء F-35 الآخرين، تقوم إسرائيل بتعديل مقاتلاتها منذ البداية لمواجهة التحديات الأمنية الفريدة والقدرات التكنولوجية للدولة.
وحول ميزة التفوق الإسرائيلي، يقول شمعون عراد، عقيد متقاعد في الجيش الإسرائيلي، والرئيس السابق لوحدة التخطيط الاستراتيجي في الجيش، بمقالة منشورة في مجلة National Interest الأمريكية، إن اعتقاد إسرائيل بأنها كانت ستصبح لمدة طويلة، الطرف الإقليمي الوحيد الذي يتلقى مقاتلات الجيل الخامس من الطائرة إف-35، اضطلع بدور كبير في قبولها على مضض بيع أعداد كبيرة من مقاتلات الجيل الرابع المتطورة إلى دول الخليج في ظل إدارة أوباما. ومرة تلو الأخرى، تلقت إسرائيل ضمانات وتطمينات بأن بيع مقاتلات إف-35 لم يكن مطروحاً على طاولة قرارات الإدارة الأمريكية.
ومع ذلك، يبدو الآن أن إدارة ترامب تنظر جدياً في إمكانية بيع مقاتلات إف-35 إلى الإمارات. أكد الجنرال ستيفن ويلسون، نائب قائد سلاح الجو الأمريكي، مؤخراً، على أن وزارة الدفاع بدأت محادثات تمهيدية مع الإمارات حول هذا الموضوع.
"بالون اختبار"
برغم أن اتخاذ قرار نهائي حول مثل هذه الصفقة لا يزال بعيداً، فإن التقارير الحديثة المستندة إلى ما يبدو إحاطات غير رسمية منظمة عن طريق الإدارة أو مسؤولي الصناعة أو كليهما، تمثل المشهد الأول في مسار الحصول على موافقة على البيع.
وتشكل التقارير "بالون اختبار" لفحص ومحاولة التأثير على درجة مقاومة إسرائيل لمثل هذه الخطوة. كانت التقارير مربوطة بحرص بالإشارة إلى الإطار الزمني الطويل لأول دفعة لتسليم المقاتلات وباقتصار بيع مقاتلات إف-35 على الإمارات فقط. وبرغم غياب أي تعليق معلن من جانب إسرائيل، أفادت باربرا أوبال روما، رئيس مكتب مجلة Defense News في إسرائيل، بأن ما يقال سراً هو "أنه من المرجح ألا تعترض إسرائيل إذا اقتصرت الخطوات التمهيدية على الإمارات فقط، وإذا لم تكن سوف تثير معها قبولاً أوسع (لبيع المقاتلات) إلى دول مجلس التعاون الخليجي"، وذلك نقلاً عن "أحد المصادر".
ومع أن الإشارات إلى إطار زمني طويل الأمد، واقتصار الموافقة على البيع على الإمارات، وإظهار أن البعض في إسرائيل لا يعترضون على البيع، تبدو جميعها "مغالطات"، فإن هذه الإشارات مصممة للتأثير المسبق على موقف إسرائيل من الخطوة.
ويعد أعضاء الكونغرس هم الجمهور الثاني الذي صممت هذه التقارير للتأثير عليهم. في ظل أهمية ارتباط الكونغرس بالتفوق العسكري النوعي لإسرائيل، ثمة حاجة إلى عملية طويلة من إقناعه ببيع مقاتلات إف-35 إلى دول الخليج. وثمة ارتباط مهم هنا مع الموقف الإسرائيلي. فكلما ضعف اعتراض إسرائيل، زادت إمكانية إقناع الكونغرس في المستقبل بالموافقة على البيع، والعكس صحيح.
تساعد التقارير كذلك في التأكيد على التزام واشنطن تجاه الإمارات واستعدادها المحتمل للوفاء بالطلبات الرئيسية المقدمة من الإمارات لشراء الأسلحة، التي تعود إلى عام 2011. تبنت الإمارات عدداً من الاستراتيجيات المصممة للتعبير عن امتعاضها من رفض أمريكا الدخول في محادثات حول بيع مقاتلات إف-35. فعلى أحد الأصعدة، وقعت على اتفاقية تعاون دفاعي موسعة بين الولايات المتحدة والإمارات، بينما على صعيد آخر رفضت -حتى الآن- إتمام صفقة معلقة لمقاتلات إف-16 نسخة "بلوك 61".
أضافت أبوظبي كذلك ضغطاً على الولايات المتحدة، عن طريق وضع خطوط عريضة لاتفاقية مع روسيا من أجل بناء مقاتلة من جيل جديد. يأتي هذا في وقت تصيغ فيه الإدارة استراتيجيةً جديدةً لمواجهة إيران، وتتطلب دعماً خليجياً. الإعلان الحديث من جانب الإمارات عن صفقة لتحديث 80 مقاتلة إف-16 -تزامناً مع الإعلان الجديد باستعداد الولايات المتحدة الدخول في محادثات تمهيدية حول بيع مقاتلات إف-35- يسلط الضوء على خطوط الربط التي رسمتها الإمارات بين الموضوعين.
بيعها للإمارات الآن يعني بيعها للسعودية وأخواتها غداً
لا يمكن اقتصار بيع مقاتلات إف-35 الهجومية على الإمارات وحسب. عوضاً عن هذا، سوف يمثل مثل هذا الاتفاق سابقة لدول الخليج الأخرى، وسوف تطلب الحصول على مقاتلات إف-35 هي الأخرى. فكيف تستطيع الولايات المتحدة رفض طلب مستقبلي من السعودية للحصول على مقاتلات إف-35، بمجرد بيعها إلى الإمارات؟ إذ إن الصفقات السابقة لبيع الأسلحة مع دول الخليج، توضح أنه بمجرد تجاوز العتبات -على سبيل المثال: بيع الجيل الرابع من المقاتلات المتطورة أو الذخائر الموجَّهة الفائقة الدقة- يصير انتشار مثل هذه الإمكانات بين دول الخليج موسعاً وسريعاً.
ثمة "مغالطة" ثانية تتعلق بأنه حتى عندما تحوز الإمارات مقاتلات إف-35، سوف تظل إسرائيل محتفظة بالميزة، نظراً إلى أنها ستكون أكثر خبرة في تشغيل المقاتلة، وفي ظل أن مقاتلات إف-35 التي تملكها أكثر تطوراً بقليل من نظيرتها التي لدى دول الخليج. وبهذه الطريقة، سوف يُبقَى على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل.
وفي واقع الأمر، ومن وجهة نظر إسرائيلية، فإن السماح بحصول دول الخليج على مقاتلات إف-35 يغير قواعد اللعبة العسكرية تغييراً جوهرياً؛ لأن هذه المقاتلات إضافة إلى مقاتلات الجيل الرابع المتطورة وعشرات الآلاف من الذخيرة المتطورة، سوف تمحو التفوق العسكري النوعي لإسرائيل. إذ إن الشبكة التي ستسمح بتشغيل مقاتلات إف-35 من جانب دول الخليج والكميات الكبيرة من مقاتلات الجيل الرابع، سوف تجعل هذه الدول على قدم المساواة مع سلاح الجو الإسرائيلي، على أقل تقدير. والطريقة الوحيدة التي تُبقي على التفوق الجوي لإسرائيل، في حال بيعت مقاتلات إف-35 إلى دول الخليج، سوف تكون من خلال إمدادها بمقاتلات إف-22.
أما "المغالطة" الثالثة، فترتبط بأن دول الخليج لديها بديل روسي يمكن اللجوء إليه. وحتى إذا تمكنت دول الخليج وروسيا من تطوير جيل خامس من الطائرات المقاتلة، فسوف يجري تقييدها في مجال العمليات التي تتم عبر الشبكات في ساحات المعارك الحديثة. يمكن ألا تسمح الولايات المتحدة لمثل هذه البرامج بأن تتواصل مع مقاتلات الجيل الرابع الأمريكية، التي تشكل العمود الفقري لسلاح الجو بالنسبة لدول الخليج. ولذا فإن وجود مقاتلة روسية من الجيل الخامس قد يسير عكس اتجاه المتطلبات التي تفرضها ساحات القتال في المستقبل.
يرى الإسرائيليون أنه يمكن لبيع مقاتلات إف-35 إلى الإمارات أن يطلق "سابقة خطيرة"، تؤدي إلى مزيد من عمليات البيع إلى دول الخليج، وتقوّض التفوق العسكري النوعي لإسرائيل بدرجة خطيرة. وفي ظل تجاهل الآراء الواردة من "مصادر" غامضة، يجب على إسرائيل أن تعرب عن اعتراضها الشديد على بيع مقاتلات إف-35 إلى جميع دول الخليج وجميع الدول العربية، كما يقول شمعون عراد.