تجري في كواليس المشهد السياسي بين إيران والولايات المتحدة عدة اتصالات ومساع أمريكية-إيرانية لترتيب مرحلة ما بعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويدير الاتصالات مسؤولون في الخارجية الإيرانية مع الديموقراطيين الأمريكيين الداعمين للمرشح الرئاسي جو بايدن.
حيث يجري ترتيب الأمور بين الطرفين لاستعادة الهدوء بين واشنطن وطهران بعد أن فرضت واشنطن عقوبات صارمة بشكل تدريجي على إيران منذ 8 مايو/أيار 2018.
وتؤكدّ مصادر خاصة لـ"عربي بوست" أنّ مطالب الإيرانيين الأساسية في اتصالها بـ"الديمقراطيين" تمثلت في إيقاف تسليح السعودية وتقديم الدعم العسكري المفرط لها من الولايات المتحدة أو على الأقل تخفيض التسليح الأمريكي للمملكة، ورفع العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران بالإضافة إلى إعادة مفاوضات الاتفاق النووي 5+1.
وتشير المصادر إلى أن الإيرانيين يسعون إلى إيقاف الدعم الذي تقدمه واشنطن للتحالف السعودي-الإماراتي-الإسرائيلي في مواجهة الإيرانيين والعمل على تقليل الفوبيا تجاه إيران في المنطقة.
وكشفت المصادر أن الأمريكان عبروا عن نيتهم تغيير سياساتهم تجاه طهران بالمنطقة بعد وصول مرشحهم الديمقراطي جو بايدن للرئاسة وسقوط ترامب وأرسلوا إلى الجانب الإيراني رسالات وإشارات لأكثر من مرة لطمأنته.
مراهنة على فوز بايدن
يراهن النظام السياسي في إيران على سقوط الرئيس الحالي دونالد ترامب وصعود المرشح الديمقراطي جو بايدن، بل إنّ فوزه سيطلق العنان أمام إيران للصعود من جديد كقوة إقليمية ضاربة في المنطقة.
وسوف يحفز طهران على التحرك بشكل أكثر قوة وربما يدفعها لتصفية حساباتها مع خصومها في المنطقة ومنها السعودية بوجه خاص لاتهامها بالتحريض المستمر عليها.
وتشير المصادر الخاصة المقرّبة من وزارة الخارجية الإيرانية ــرفضت الكشف عن اسمهاـــ إلى أنّ الأولوية القادمة للديمقراطيين وأن بايدن فور صعوده سوف يعطي أولوية للملف الإيراني حيث سيعمل فوراً على رفع العقوبات عن إيران وفك الحظر عنها، بالإضافة إلى مباشرة المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني والجلوس من جديد إلى طاولة المفاوضات.
الحصار على إيران بدأ بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران في 8 مايو/أيار 2018، حيث عادت العقوبات الأمريكية تدريجياً ضد إيران بعد أن تمّ رفعها وفقاً للاتفاق النووي، الذي تم التوصل إليه عام 2015.
وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، طُبقت العقوبات "الأشد على الإطلاق" التي شملت وقف صادرات النفط والشحن والمصارف، وكل القطاعات الأساسية في الاقتصاد.
ويعتبر الديمقراطي جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، أحد أبرز الشخصيات التي تعدّ حلقة وصل بين الإيرانيين من جانب والديمقراطيين وجورج بايدن من جانب آخر، حيث سعى الأخير إلى إيصال رسالة إلى وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف مفادها أنّ بايدن مستعد للجلوس على طاولة المفاوضات من جديد ورفع الحصار والقبول باتفاقية (5+1).
حيث اشتراطت إيران هذين الشرطين كبادرة حسن نية قبل الدخول أي مفاوضات قادمة مع واشنطن في حالة صعود الديمقراطيين للحكم.
وتؤكدّ المصادر الخاصة لـ"عربي بوست"، أنّ الاتصالات بين الديمقراطيين وطهران بدأت منذ عامين، وأنّ الديمقراطيين يدركون جيداً مطالب الإيرانيين وأنّهم يتفهمونها ولا يعارضونها، ولا مانع لديهم في أن تعود إيران من جديد بنفوذها في المنطقة، بل إطلاق يدها في المنطقة وتفعيل دورها السياسي الي كانت تمارسه قبل العقوبات.
مطالب مشتركة ومصالح متبادلة
الاتصالات التي تجري من خلف الكواليس أكدت على ضرورة مباشرة المفاوضات بناء على الشرط الإيراني المتمثل في رفع العقوبات الأمريكية مباشرة والقبول من جديد بالاتفاق النووي الذي توصلت إليه مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية مع إيران في 14 يوليو/تموز 2015 بشأن البرنامج النووي الإيراني ويشمل تقليص النشاطات النووية لإيران مقابل رفع العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على طهران، وقد تمّ هذا الاتفاق برعاية من الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
وتوضح المصادر الخاصة أنّ المطالب الأمريكية من طرف الديمقراطيين عبر الكواليس التي دارت بين المسؤولين الأمريكيين تمثلت في ضرورة أن تتوقف طهران عن تطوير وتجربة الصواريخ خاصة ذات المدى البعيد التي تصل إلى أكثر من 2000 كم.
حيث تشير المصادر إلى أنّ الأمريكيين لا يعارضون استمرار طهران في تصنيع وتطوير الصواريخ شريطة أن يقل مداها عن 2000 كم، الأمر الذي دفع بالمسؤولين الإيرانيين بطلب المقابل، ويتمثل في وقف إمداد الدول الخليجية وإسرائيل على وجه الخصوص السعودية بالسلاح الأمريكي حيث بلغ حجم صادرات السلاح الأمريكي إلى السعودية خلال فترة 2015 -2017 أكثر من 43 مليار دولار.
رسالة كيري إلى ظريف
ويعتبر زير الخارجية الأمريكى الأسبق جون كيرى أحد الشخصيات البارزة التي سعت إلى إيجاد تقارب مستقبلي بين واشنطن وطهران، وفتح نافذة حوار بين الطرفين بعد صعود ترامب إلى الرئاسة الأمريكية، حيث تؤكدّ مصادر خاصة لـ"عربي بوست"، بأنّ كيري سعى إلى ترتيب الأجواء بين الديموقراطيين وطهران على اعتبار أنّ جو بادين يسير على نهج الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بل يرغب في استعادة منهجيته وسياسته في التعمل مع طهران والتي تؤمن بعدم نفي الدور الإيراني بالمنطقة والقوة الإقليمية ونفوذها السياسي في المنطقة باعتبارها قوة ضاربة.
وأشارت المصادر إلى أنّ كيري تواصل مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف مؤخراً وبحث معه سبل استعادة العلاقة مع الجانب الإيراني، بل حثّ كيري ظريف على أهمية أن تنتهج طهران في تلك الفترة نهج الصبر حتى نتائج الانتخابات الأمريكية القادمة.
ولم تقتصر الاتصالات على مستوى ظريف وكيري بل على مستويات دبلوماسية رفيعة، منها مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، مجيد تخت روانتشي، حيث كان له عدة اتصالات مع الديمقراطيين في واشنطن لبحث التواصل مع الأمريكان في المرحلة المقبلة في ظل صعود بايدن وسقوط ترامب، وترتيب الأجواء بين واشنطن وطهران في المرحلة القادمة وذلك بحسب ما أكده المصدر المطلع لـ"عربي بوست".
كما عمد معاون وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي إلى إجراء اتصالات مماثلة مع الديمقراطيين وتلقى وعوداً أخرى مماثلة من الديمقراطيين بأنّ النهج سيتغير بعد سقوط ترامب، وأنّ الأمريكيين لم يمانعوا إعادة إحياء الدور الإيراني وإطلاق العنان لها لتعود قوة ضاربة في المنطقة.
ويرى المحلل السياسي الإيراني قيس قريشي، في حديث لـ"عربي بوست"، أنّ اتصالات الإيرانيين مع الديمقراطيين تمضي في ترقّب حذر لنتائج الانتخابات الأمريكية والتي ستحدد بطبيعة الحال مصير العلاقات الأمريكية-الإيرانية بناء على ما تفرزه الانتخابات.
مشيراً إلى أنّ طهران تنتهج الصبر لحين رحيل ترامب بالانتخابات المقبلة، فهي لا تزال تترقّب تلك النتائج لأجل إقرار نهج جديد في المنطقة تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من السعودية والإمارات.
منوهاً إلى وجود خلافات حادة في الداخل الإيراني للضغط نحو خروج طهران من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، الأمر الذي لم يحسم بعد من قبل صناع القرار السياسي في إيران، معتبراً أنّ إيران أجلت البت في الأمر وارتأت الصبر بعد نتائج الانتخابات الأمريكية وهذا ما يحثّ عليه الديمقراطيون طهران حيث يسعون إلى إقناعها بهذا التوّجه قبل اتخاذ أي قرار تجاه الأمر.
ويرى أنّ الديمقراطيين جادون في مساعيهم لحل أزمة إيران بناء على رفع العقوبات الأمريكية وإعادة المفاوضات بناء على الاتفاق النووي 5+1.
ويتوقع قريشي أنّ تسعى إيران لتصفية حساباتها مع السعودية والإمارات بعد فوز الديمقراطيين، ويعتقد أن أمريكا ستتخذ موقفاً محايداً إذا وقع صدام بين إيران والسعودية وربما لن تقوم بدفع طرف على حساب طرف آخر.