الانتقادات التي وجهها وزير خارجية باكستان للسعودية على خلفية ما تراه إسلام أباد تخلياً عنها من جانب الرياض في قضية كشمير يبدو أنها تفتح الباب أمام الدور السعودي في العالم الإسلامي، فهل أثار محمود قريشي عش الدبابير؟ وكيف يمكن أن ترد السعودية؟
القصة تناولها موقع Responsible Statecraft الأمريكي في تقرير بعنوان: "المشاحنة بين باكستان والسعودية: ضرب المملكة في موضع الألم"، تناول خلفيات الشد والجذب بين البلدين في العام الأخير.
إثارة عش الدبابير
أثار وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي عش الدبابير من خلال مهاجمة القيادة السعودية للعالم الإسلامي، وبينما كان يشكو من نقص الدعم الموجه إلى باكستان من منظمة التعاون الإسلامي التي تهيمن عليها السعودية، والتي تضم 57 دولة ذات أغلبية مسلمة، وذلك في صراعها مع الهند حول كشمير، أشار قريشي إلى أن بلاده قد تسعى لحشد الدعم بعيداً عن المملكة.
وفي ذلك، كان قريشي يضرب السعودية حيث موضع الألم الشديد وخلال لحظة ذات حساسية خاصة في إطار سعي المملكة لتحقيق الهيمنة الدينية والإقليمية.
حدث هذا التحدي المعلن من جانب قريشي بعد ثمانية أشهر من انسحاب رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان من المشاركة في قمة إسلامية تم عقدها في العاصمة الماليزية كوالالامبور، حضرتها دول مثل قطر وتركيا وإيران، وجاء هذا الانسحاب نتيجة الضغط الذي مارسته السعودية على عمران خان.
التطبيع مع إسرائيل
وما يزيد الأمر سوءاً أن المشاحنة بين باكستان والسعودية تطورت في وقت تعرضت فيه المملكة لضغوط من أجل السير على خطى الإمارات في الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية مع الدولة اليهودية.
فقد أبدى جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أشرف على التحرك الإماراتي الإسرائيلي، إصراراً بعد الإعلان عن هذا التحرك الدبلوماسي، يفيد بأنه "من الحتمي أن تحظى السعودية وإسرائيل بتطبيعٍ كاملٍ في العلاقات".
غير أن السعودية تريد بكل تأكيد التزاماً قانونياً، بدلاً من حكم الواقع، يتعلق بإنهاء أي احتمالات لضم أجزاء من الضفة الغربية، وهو مطلب رئيسي من أجل إعادة الفلسطينيين للانخراط في جهود إنهاء الصراع مع إسرائيل.
وفي تحريف ساخر للأحداث، احتفت صحيفة Arab News، أبرز الصحف السعودية الناطقة بالإنجليزية، بمحمد أسد، وهو يهودي تحول إلى الإسلام، وأشارت إليه بوصفه "رائد إقامة العلاقات الودية بين باكستان والسعودية".
السعودية تهاجم باكستان
لكن تغيرت تصورات هذه العلاقة بكل وضوح مع مرور الوقت، فقد نشر علي الشهابي، المصرفي السابق والمحلل الذي يردد دائماً رؤية المملكة، تغريدة قال فيها: "النخبة الباكستانية لديها عادة سيئة تتعلق بالتعامل مع الدعم السعودي على أنه من المسلمات في ظل ما فعلته السعودية من أجل باكستان على مدى عقود. حسناً، انتهت هذه الحفلة، وتحتاج باكستان أن تمنح قيمةً إلى هذه العلاقة. فلم تعد غداءً مجانياً أو شارعاً ذا اتجاه واحد".
إذا اتبعت المملكة خطى الإمارات بدون وجود قرارٍ حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، على أن يحظى بدعم الفلسطينيين، يمكن أن تتعاظم معه التحديات التي تتشكل أمام القيادة السعودية عن طريق عوامل التشتيت الإقليمية.
الوصاية على الأماكن المقدسة
وتخشى السعودية أن أي تحدٍّ لقيادتها قد يثير مطالب توقيع السعودية على نقل الوصاية على مكة والمدينة إلى هيئة تتألف من كافة البلاد الإسلامية.
ويحتمل أن يؤدي إصرار باكستان على تحدي السعودية إلى إقناع الإمارات بمساعدة السعودية في زيادة الضغط على البلد الواقع جنوب آسيا، فمثلما هو الحال مع السعودية، سارعت الإمارات لتخفيف شدة الأزمة المالية التي واجهت باكستان بعد فوز خان في الانتخابات في 2018.
وقد تنبع استجابة الإمارات بدرجة أقل من التضامن مع السعودية، وبدرجةٍ أكبر من تنافس القوة الجيوسياسية والدينية الناعمة بينها وبين تركيا وإيران، اللتين جاء ردهما الرافض لاعتراف الإمارات بإسرائيل سريعاً وغاضباً.
موقف داخلي متأزم لولي العهد
الأرجح أن ولي العهد محمد بن سلمان سوف يرى أن هجوم قريشي محاولة لاستغلال الحساسيات السعودية الداخلية، فمن أجل دعم جهوده الرامية إلى تحويل شرعية العائلة الحاكمة من شرعية دينية إلى تأييد قومي، لا يزال بن سلمان يشعر أنه يحتاج دعم رجال الدين لأفعاله التي تكون أحياناً مثيرة للجدل.
إذ إن المعارضة الخفية من بعض الرجال الدين ضد تعامل الحكومة مع الجائحة، يسلط الضوء على حساسية تشكيك قريشي في القيادة الدينية للسعودية، فقد شنت الحكومة السعودية حملة قمعية ضد الشخصيات الدينية التي أخفقت في السير على نفس خطى دعم رجال الدين السعوديين الموجه لجهود الحكومة في مواجهة جائحة فيروس كورونا.
واعتقلت السلطات في مارس/آذار الشيخ عبدالله السعد بعد أن نشر مقطعاً صوتياً ينتقد فيه الحكومة لمنع إقامة صلاة الجمعة، وجادل الشيخ عبدالله السعد بأن المصلين يجب أن يكونوا قادرين على طلب الرحمة من الله، كما فصل إمام في مكة من العمل في نفس الوقت تقريباً، بعد أن عبر عن قلقه من انتشار الفيروس في السجون السعودية.
ويُعتقد أن الشيخ عبدالله السعد والإمام المفصول يعبران عن شعور سائد في المؤسسة الدينية السعودية، التي أُجبرت على الإذعان والخضوع، حيث أفادت الباحثتان جينيفيف عبده ونورهان النهلة، بأن هيئة كبار العلماء السعودية أصدرت فتوى تصف فيها إغلاق المساجد بأنه يخالف المبادئ الإسلامية، وقالت كلتاهما إن الحكومة ضغطت على الهيئة وأقنعتها بعدم إصدار الفتوى.
من خلال استهداف الأمور التي تشكل أعظم نقاط الحساسية بالنسبة لولي العهد، يحاول قريشي إقناعه بأن دعم باكستان كان في مصلحة المملكة، ولعل خطوة التحدي التي اتخذها قريشي لا تفي بالغرض، لكنها لفتت انتباه بن سلمان.
ففي الأسبوع الماضي، أرسل ولي العهد السعودي طائرة إلى باكستان لاصطحاب مولانا طاهر أشرفي وعائلته في زيارة إلى المملكة، وذلك بحسب مصادر باكستانية مطلعة، ونظراً إلى أنه رجل دين باكستاني بارز ذو علاقات وثيقة مع المملكة، رتب أشرفي لزيارةٍ إلى المملكة من جانب الجنرال قمر جاويد باجوا، قائد الجيش الباكستاني، وذلك بهدف تحسين العلاقات.
ويمكن التعبير عن مدى نجاح الجنرال باجوا من خلال الأموال وليس من خلال التصريحات الرسمية، إذ إن باكستان، التي تواجه ضائقة مالية، انتظرت بلا جدوى حتى الآن رداً على طلب تأجيل المدفوعات مقابل النفط السعودي.