لا تزال موجة الاستقالات من منتدى تعزيز السلم الإماراتي مستمرة، وذلك على خلفية مباركة المنتدى لاتفاقية التطبيع بين الإمارات وإسرائيل الأسبوع الماضي، وكان آخر الاستقالات هي للمفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، وخطيب المسجد الأقصى المبارك، الشيخ محمد حسين، الذي قدم استقالته من عضوية مجلس أمناء المنتدى، الأربعاء 26 أغسطس/آب، مؤكداً رفضه لمباركة المنتدى للخطوات الإماراتية الأخيرة، وأن التطبيع هو "طعنة في ظهر شعبنا الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية، وخذلان للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس".
اتفاقية التطبيع فجرت انقسامات بين أعضاء المنتدى
في 13 أغسطس/آب الجاري، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، توصل الإمارات وإسرائيل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما، وسط رفض عربي وإسلامي وفلسطيني واسع، لكن ذلك لم يمنع ما يعرف بـ"منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" ومقره أبوظبي، من إصدار بيان يثمن هذه الاتفاقية ويبارك الجهود الإماراتية فيها. وعلى إثر ذلك، سارع عدد من أعضاء المنتدى البارزين بالتبرؤ من البيان الصادر، فيما أعلنت عضو مجلس أمناء "منتدى تعزيز السلم الإماراتي"، عائشة العدوية، استقالتها من المنتدى، بعد تبرؤ 3 منهم من البيان، ونفي علمهم أو قبولهم به.
وقالت عائشة العدوية، التي تترأس "جمعية الكرامة" في الولايات المتحدة، في بيان عبر فيسبوك: "لفت انتباهي إدراج اسمي في بيان صادر عن منتدى تعزيز السلم يشيد بخطوات الإمارات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل". وأضافت: "لم تكن هناك مناقشات بالاجتماع حول فلسطين أو علاقة الإمارات بإسرائيل، ولم يكن هناك اتفاق على أي نوع من الدعم لصفقة الإمارات مع إسرائيل". وتابعت: "ما زلت نصيراً قوياً للشعب الفلسطيني وسعيه للتحرر من الاحتلال الإسرائيلي، ونتيجة هذا الخرق للثقة وانسجاماً مع قيمي، أعلن استقالتي".
وفي وقت سابق، قال رئيس جامعة الزيتونة بكاليفورنيا، وعضو المجلس، حمزة يوسف، في بيان الإثنين الماضي، عبر فيسبوك، إنه كان "دائماً مع شعب فلسطين المظلوم"، نافياً مشاركته أو تأييده لأعمال أو لاتفاقات تخالف ذلك.
موقف مماثل صدر تجاه بيان المنتدى الإماراتي، من المستشار بالديوان الأميري الكويتي عبدالله المعتوق، وعضو مجلس الأمناء في 21 أغسطس/آب الجاري. وأكد المعتوق في بيان، أنه "لم يناقش اجتماع المنتدى أو يتداول أية مبادرات سياسية تجاه القضية الفلسطينية". وأضاف: "أؤكد التزامي التام بالمواقف الثابتة والمبدئية للكويت تجاه القضية الفلسطينية".
كما نقلت وسائل إعلام عربية، بياناً منسوباً إلى الشيخ أحمد هليل، إمام الحضرة الهاشمية بالأردن، عضو مجلس أمناء المنتدى، أوضح فيه أنه لم يطلع على بيان تثمين التطبيع ولم يقدم فيه رأيه. وأكد هليل وهو أيضاً قاضي القضاة الأسبق بالأردن، موقفه الداعم للقضية الفلسطينية.
مفتي القدس يستقيل ويحرم زيارة الإماراتيين للأقصى تحت التطبيع
تبع هذه الاستقالات وبيانات التبرؤ، إعلان المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، الشيخ محمد حسين، استقالته من عضوية مجلس أمناء المنتدى، موضحاً في بيان صحفي، أن سبب تقديم الاستقالة هو قيام المجلس المذكور بعقد اجتماعه العاشر عبر تقنية "زووم" في الخامس عشر من الشهر الجاري، وإصداره بياناً يشيد بقرار الإمارات العربية المتحدة الخاص بالتطبيع مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
وكان المفتي حرم على الإماراتيين الصلاة في المسجد الأقصى، بموجب فتوى عامة كان قد أصدرها عام 2012، وقال المفتي إنه أصدر فتوى عام 2012 "تسمح بزيارة القدس والأقصى ضمن معايير معينة، ليس من بينها التطبيع". وقال: "بما أن هذا الاتفاق (الإماراتي الإسرائيلي) يحمل علامات التطبيع، فإن زيارة القدس غير مسموح بها ومحرمة".
وكانت الإمارات قالت في بيان الإعلان عن تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، إنه يجوز لجميع المسلمين أن يأتوا لزيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، وينبغي أن تظل الأماكن المقدسة الأخرى في القدس مفتوحة أمام المصلين من جميع الأديان.
ما هو "منتدى تعزيز السلم"؟
تأسس منتدى "تعزيز السلم" عام 2014، في أبوظبي برعاية رسمية من حكامها، ويقول المنتدى إنه يسعى لـ "تأكيد السلم والحوار"، ويترأسه رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، الموريتاني عبدالله بن بيه، ويضم عدداً من الشخصيات الدينية في العالم العربي والإسلامي. ويفتتح وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد باستمرار جلسات المؤتمر السنوي للمنتدى، بصفته الراعي الرسمي للمؤتمر.
ويتهم المنتدى بالترويج المباشر للسياسات الإماراتية، ويحاول المنتدى باستمرار تظليل النظام الإماراتيّ بشرعية دينيةٍ وسلميةٍ، فمثلًا يقول بن بيه إن الإمارات "مقر لكل دعاة الخير والسلام والتسامح في المنطقة"؛ لأن لها "مبادرات في كل الاتجاهات من أجل تعزيز السلام والتسامح"، في الوقت الذي تتهم الإمارات من قبل الأمم المتحدة ومؤسسات حقوقية دولية، بارتكاب جرائم حرب في اليمن، وانتهاك حقوق الإنسان، واعتقال المعارضين وناشطي حقوق الإنسان لديها، بالإضافة إلى إثارة الأزمات في دول عربية عدة.
وبحسب الموقع الرسمي للمنتدى، فإنه يهتم "بمعالجة الصورة البشعة التي لا تمثل حقيقة الإسلام دين المحبة والإنسانية"، كما يناقش المنتدى "الإشكاليات والقضايا الإنسانية المحدقة بالإنسان والتي نجمت عن الصراعات الفكرية والطائفية في المجتمعات المسلمة، بسبب استقواء كل طرف بمن يعينه ويحتضنه على حساب مصلحة الأمة".
ويعمل المنتدى في مؤتمراته السنوية كل عام، على "الاجتماع على موقف موحد لمواجهة الاضطرابات وأعمال العنف في العالم الإسلامي، التي لم تدع أي نوع من الأسلحة إلا واستخدمته في الصراعات الدائرة، دون أن ترعى حرمة أو ترقب ذمة"، بحسب الوصف التعريفي للمنتدى.
ويدير رئيس المنتدى عبدالله بن بيَّه عدداً من المؤسسات الدينية الدولية المحسوبة على الإمارات، إذ تقع أغلب مقرات مؤسساته الدينية في أبوظبي، ويعتبر الرجل مقرباً من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
ومنذ بداية الربيع العربي، أنشأت الإمارات عدداً من المؤسسات الدينية التي تروج لرؤيتها الخاصة للإسلام والتسامح مع الأديان الأخرى، وكذلك لمنافسة المؤسسات الدينية الأخرى في المنطقة، كالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في قطر، وهيئة علماء أهل السنة في السعودية. ومن هذه المؤسسات المدعومة إماراتياً، "مجلس حكماء المسلمين"، الذي كانَ بمثابة إعلان قيام كيانٍ موازٍ لاتحاد علماء المسلمين، مكون من شيوخ ووزراء شؤون دينية في دول مختلفة، بالإضافة إلى "منتدى تعزيز السلم"، و"مؤسسة طابة" التي يُديرها الحبيب علي الجفري ويعمل فيها بن بيه مستشاراً وأميناً، والتي تهدف إلى "إعادة صياغة الخطاب الإسلامي المعاصر وعلى إنتاج صورة جديدة للإسلام"، وغيرها من المؤسسات النشطة في مختلف أنحاء العالم.