قُتل المواطن السعودية عبدالرحيم الحويطي، بحسب السلطات السعودية، في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن في أبريل/نيسان بعد رفضه إخلاء منزله. كان الحويطي ناشطاً في معارضة عمليات الإخلاء التي شرعت فيها الحكومة من أجل بناء مدينةٍ ضخمة مستقبلية تسمى "نيوم"، وهو المشروع الذي من المقرر أن يقام على ساحل البحر الأحمر، في المناطق ذاتها التي لطالما استقرت فيها قبيلة الحويطات. وقبل مقتله نشر الحويطي مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي أبدى فيها عزمه على منع السلطات من الاستيلاء على منزله وطرده، وانتهى به الأمر بتوثيق إطلاق النار عليه.
يقول موقع Al-Monitor الأمريكي، على الرغم من أنه من المتوقع إعادة توطين 20 ألف شخص قسراً لإفساح المجال لما يُروّج له على أنه "مركز عالمي للتجارة والابتكار سيجذب مستثمرين من جميع أنحاء العالم"، فإن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عندما سئل في مقابلة عام 2017 حول رؤيته لتلك المناطق قال: "لا يوجد أحد من الأصل هناك. ومن ثم فإن اللوائح المنظمة هناك ستعتمد بالأساس على احتياجات الشركات والمستثمرين".
لا إشراك للمجتمعات المحلية في الخليج
لم يرد "البرنامج الوطني للتنمية المجتمعية" التابع للحكومة السعودية على طلب للتعليق. غير أن وكالة الأنباء السعودية ذكرت في مايو/أيار أن البرنامج بدأ في "صرف تعويضات مالية" لأصحاب العقارات المتأثرين بمشروع نيوم.
محمود الوهيبي، وهو متخصص في مشروعات البنية التحتية ويعمل ضمن مشروع "الاستراتيجية الوطنية للتنمية العمرانية" الحكومي الذي يهدف إلى تعزيز التنمية طويلة الأجل على الصعيدين الوطني والإقليمي في سلطنة عمان، قال لموقع Al-Monitor منتقداً: "لم يترك محمد بن سلمان فرصةً أو يُفسح مجالاً لفكرة تغيير المملكة بأن تُناقش بين الناس".
في دول الخليج العربي، عادةً ما استبعدت المقاربات المفروضة من أعلى إلى أسفل المجتمعاتِ المحلية من إبداء الرأي بشأن مشروعات التطوير في البنية التحتية لمناطقهم. وقال أحد كبار المخططين الحضريين المقيمين في الإمارات، والذي تحدث إلى Al-Monitor بشرط عدم الكشف عن هويته، إنه "على حد علمه، لا توجد متطلبات قانونية [في الخليج] تفرض إشراك المجتمعات المحلية".
ومع ذلك، تعد الكويت استثناءً عن هذا الأمر بدرجةٍ ما، لأن البرلمان له دور نشط في الحياة العامة للبلاد. وفي العام الماضي، عارض برلمانيون محافظون "مدينة الحرير"، وهو مشروع اقتصادي عملاق يأتي في صدارة مشروعات الرؤية الاستراتيجية الحكومية للكويت.
حرية التعبير في الخليج
إذا نظرنا إلى المستقبل، وفي ظل الوقوع في عصر أسعار النفط المنخفضة، نجد أنه من المتوقع أن تتقلص أنظمة الرعاية الاجتماعية السخية التي تربط المواطنين بالعائلات الحاكمة. ومن ثم، قد يجبر الواقع الاقتصادي المتغير دول الخليج المعتمدة على النفط والغاز على أن تكون أكثر شمولاً وإشراكاً لأفراد مجتمعاتها. وأحد البوادر على ذلك هو قرار السعودية في يوليو/تموز الماضي بمضاعفة ضرائبها على القيمة المضافة ثلاث مرات، كجزء من حملة تقشف.
ويعتقد الوهيبي أن تطور العلاقات بين الدولة والمجتمع يمكن أن يؤدي إلى "عقد اجتماعي جديد" يسمح للمجتمعات المحلية بالتعبير عن مخاوفها بدرجة أكبر. ويقول الوهيبي: إن "ثمة حاجة ماسّة إلى اتباع النهج التشاركي".
مع الزيادة الحادة في معدلات الالتحاق بالتعليم العالي خلال جيل واحد، أصبح الشباب في الخليج أوعى بحقوقهم وأشد سعياً إلى إسماع أصواتهم. يقول نصف القطريين الذين استطلعت "جامعة نورث وسترن في قطر" رأيهم، إن الناس يجب أن تكون لهم الحرية في انتقاد الحكومات على الإنترنت.
وقال عبدالرحمن المانع، وهو شاب قطري حصل حديثاً على شهادة في الدراسات الحضرية والإقليمية من جامعة كورنيل الأمريكية، لموقع Al-Monitor: "أعتقد أن هناك استعداداً [حكومياً] للسماح للأفراد بالمشاركة"، ووفقاً له، فقد "ضُمنت حرية التعبير، وبدأت ممارستها بالفعل على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية" فيما يتعلق بالشؤون البلدية.
وأكد المخطط العمراني المقيم في الإمارات، والذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، أن طلبات المشاركة المجتمعية آخذة في الازدياد، وأنه يعتقد أن الأدوات الرقمية التي تدعم مشاركة المواطنين يمكن أن تساعد المسؤولين الحكوميين في الوصول إلى السكان المتأثرين بالمشروعات العملاقة وآرائهم.
وفي حديث لموقع Al-Monitor، شدَّد محمد آل خليفة، مخطِّط النقل في هيئة التخطيط والتطوير العمراني في البحرين، على الدور الوسيط الذي يجب أن تضطلع به المجالس البلدية، قائلاً إن "التواصل هو المفتاح والتكنولوجيا هي طريق التقدم إلى الأمام". فيما يقول هادي فتح الله، وهو مدير في مجموعة NAMEA للاستشارات حول السياسات العامة ومقرّها دبي، لموقع Al-Monitor، إن المعارضة المحلية "يجب أن تُحلّ فقط من داخل المجتمع المحلي نفسه بالحصول على القبول والإجماع، وليس من خلال فرض السياسات".
لكن جيرتجان هوتجيس، المحاضر في جامعة غرونينجن والمتخصص في دراسات العلاقة بين الدولة والمجتمع، قال لموقع Al-Monitor، إنه بالنظر إلى قوانين "التشهير" الصارمة التي تفرضها دول مجلس التعاون الخليجي، يظل النقد العام والمعارضة المحلية أموراً حساسة، "خاصةً عندما يُعلن عن أسماء المسؤولين العموميين الذين يقفون وراء هذه المشروعات العملاقة".
وفي تقرير صدر عام 2016، دعت منظمة العفو الدولية دولَ مجلس التعاون الخليجي إلى "التوقف عن توصيف المعارضين السلميين على أنهم مجرمون"، وأشارت إلى "قمع منهجي" لحرية التعبير. هذا بالإضافة إلى أن العمالة الوافدة، التي تمثل نحو 70% من القوى العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي، عادةً ما تتعرض للترهيب من أي انضمام إلى المناقشات العامة أو إبداء الرأي.
انعدام اليقين الاقتصادي
فيما يتعلق بالبحرين، قال محمد آل خليفة إن مشروعات للبنية التحتية تبلغ تكلفتها عدة مليارات من الدولارات، مثل مشروع ربط البحرين بالسعودية عن طريق السكك الحديدية، لا يمكن أن تمضي قدماً "إلا بعد أن تدفع الحكومة كل فلس مستحق عليها" من التعويضات للأشخاص المتضررين من المشروع.
لكن بعيداً عن احتمال تغيير الديناميكيات الاجتماعية، فإن المشروعات العملاقة التي يمولها القطاع العام تعاني أيضاً التباطؤ الاقتصادي الذي ضرب المنطقة منذ أزمة انهيار أسعار النفط عام 2014. وفي الخليج، تشكل الموارد النفطية عادة نحو 80% من الإيرادات الحكومية.
وكان جيسون توفي، كبير خبراء الأسواق الناشئة في Capital Economics، قد صرّح لموقع Al-Monitor في مايو/أيار الماضي، بأن العديد من المشروعات العملاقة "من المرجح أن يتم التراجع عنها" في الوقت الحالي. وذلك بعد أن كانت المشروعات العملاقة في الخليج، مع بداية العام الحالي 2020، تمثل ما يقرب من تريليون دولار من الاستثمارات، وتضم تلك المشروعات مشروع نيوم السعودية وميناء الدقم العماني واستادات كأس العالم لكرة القدم 2020 في قطر.
إلى جانب ذلك، يعتقد بعض الخبراء الذين يشككون في جدوى العديد من تلك المشروعات العملاقة أن الركود الناجم عن جائحة كورونا يجب أن يشكل فرصة ويمنح وقتاً لتحسين السياسات الحالية، وإعطاء الأولوية لإعادة تنشيط المناطق الحضرية القائمة بالفعل على الشروع في مشروعات لافتة جديدة، والتي غالباً ما يُخطط لها بديلاً لمدن قائمة. ويرى المانع أن "تلك الجهود يمكن تركيزها على تطوير المدن الحالية على نحو أفضل".
ومع ذلك، فإن مسؤولين سعوديين قابلتهم صحيفة Financial Times قالوا إن ولي العهد السعودي أصرَّ على أن المشروعات الرئيسية لرؤية 2030 يجب أن تمضي قدماً كما هو مخطط لها. على الجانب الآخر، يشير الخبراء المعنيون بالتركيز على السياسات التي تخدم السكان المحليين إلى ضرورة التجاوز إلى ما وراء مشروعات البنية التحتية الضخمة هذه، ومنح المجتمعات المحلية الحق في أن يكون لسكانها رأي في مستقبلهم.