هل حاول بوتين قتل واحد من أشرس المعارضين في روسيا؟ على الرغم من أنَّ هذه لن تكون المرة الأولى التي يلاحق فيها الرئيس الروسي الأعداء -سواء أعداؤه شخصياً أم أعداء دولته- بدقة قاتلة، يقول محللون إن محاولة التسميم الواضحة للمعارض السياسي والناشط ضد الفساد ألكسي نفالني لا تبدو وكأنها تحمل بصمات بوتين.
وكان نفالني في طريقه من مدينة تومسك، حيث كان يشارك في حملة ترشُّح معارضين سياسيين آخرين، إلى موسكو حين مرض فجأة يوم الخميس، 20 أغسطس/آب. وفي فيديو نشره أحد ركاب الطائرة على إنستغرام، سُمِع نفالني يستغيث من الألم، قبل أن تهبط الطائرة هبوطاً اضطرارياً في أومسك. وقالت كيرا يارميش، سكرتيرته الإعلامية التي كانت تسافر معه، إنه شعر بتوعك بعد شرب كوب شاي في مطار تومسك. وكتبت في تغريدة على تويتر: "نعتقد أنَّ ألكسي تسمَّم بفعل مزج مادة ما مع شايه".
أكثر رجل يخشاه بوتين
وحُمِل نفالني، الذي وصفته صحيفة The Wall Street Journal ذات مرة بأنه "أكثر رجل يخشاه بوتين"، سريعاً وهو فاقد الوعي إلى مستشفى في سيبيريا، حيث وُضِع على أجهزة تنفس صناعي. وقال الأطباء إنَّ منتقد الكرملين في وضع صحي خطير، لكنه مستقر.
تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية، إن هناك تاريخاً طويلاً من تسميم المعارضين والمنشقين الروس، أو التعرض لوفاة مفاجئة. ففي 2006، مات الجاسوس الروسي السابق ألكسندر ليتفينينكو في لندن بعد تسميم مشروبه من الشاي بمادة البولونيوم-210 المُشِعّة. وخلُص تحقيق بريطاني إلى أنَّ عملاء من جهاز الأمن الفيدرالي الروسي نفذوا الجريمة، وعلى الأرجح بأوامر من بوتين.
وكان مارك غاليوتي، خبير في خدمات الأمن الروسي، قد قال لمجلة Foreign Policy، في العام الماضي، "واحدة من مزايا التسميم بالنسبة لعمليات القتل ذات الدوافع السياسية هي القدرة على المزج بين إنكار التورط بسهولة والاستعراض المسرحي الخبيث. وحتى بينما ينكر القاتل أي دور له، وربما بغمزة خبيثة، تموت الضحية موتاً مروّعاً وفي كثير من الأحيان طويلاً. ويكون ذلك بمثابة إرسال رسالة في زجاجة سُم".
لماذا قد لا يكون لبوتين مصلحة بقتل نافالني؟
وبالرغم من أن نافالني يمثل مصدر إزعاج للكرملين منذ فترة طويلة؛ إذ كان ينظم احتجاجات حاشدة في الشوارع ويفضح جرائم الفساد من المسؤولين الروس رفيعي المستوى، بما في ذلك رئيس الوزراء السابق ديمتري ميدفيديف، شكَّك الخبراء في أن يكون في قتله مصلحة لبوتين.
وفي هذا السياق، كتبت المُحلِّلة تاتيانا ستانوفايا، في قناتها العامة على تطبيق تلغرام: "لا أصدق هذا للحظة. قبل بضع سنوات قيل لي إنَّ مقتل نافالني كان يُنظَر إليه في الكرملين على أنه نوع من السيناريوهات الكابوسية؛ سيناريو لن يُنظَر إليه إلا على أنه نوع خطير من الاستفزاز الذي قد يشعل احتجاجات".
ويجعل توقيت الحادثة نظرية تورط بوتين غير مرجحة؛ خاصة أن الكرملين يتعامل حالياً مع تفشٍّ واسع لفيروس كورونا المستجد، وأزمة سياسية متصاعدة في بيلاروسيا المجاورة، والاضطرابات في منطقة خاباروفسك في أقصى شرق البلاد.
وفي الأسبوع الذي سبق تعرّض نفالني للتسمم، كان الناشط في مدينتي تومسك ونوفوسيبيرسك السيبيريين لإظهار الدعم لمرشحي المعارضة المحليين قبل انتخابات مجلس المدينة الشهر المقبل. وأفاد منفذ الأخبار المحلي Tayga.info بأنه ربما كان يجمع أيضاً مواد للتحقيق في أنشطة السياسيين من حزب روسيا المتحدة الذي ينتمي إليه بوتين؛ ما يثير احتمال أن تسمُّمه كان من تدبير سياسيين خارج الكرملين.
وكتبت تاتيانا: "اكتسب نفالني مئات الأعداء على مدى السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك أفراد عُتاة". من جانبه، قال سيفا جونتسكي، أستاذ مشارك في العلوم السياسية بجامعة تورنتو الكندية، إنَّ الحادث قد يشير أيضاً إلى فوضى متنامية تواجه نظام سيطرة بوتين.
وكتب جونتسكي، في تغريدة على تويتر: "من الطبيعي أن نفترض أنَّ بوتين هو من يقف وراء تسميم نفالني، لكن الخيار الأكثر رعباً والمنطقي بنفس القدر هو أنه لا يستطيع التحكم في وقت ولا كيفية تسمم الأشخاص الذين لديهم الكثير من الأعداء".
هل تم تسميمه على يد "طرف ثالث"؟
تقول المجلة الأمريكية: على الرغم من أنَّ السلطة السياسية في روسيا مركزية للغاية تحت حكم بوتين، لا يخلو النظام من العناصر المارقة التي تتطلع إلى تصفية حسابات شخصية أو حماية مصالحها الاقتصادية أو كسب ود الرئيس.
وأفضل مثال على ذلك هو الزعيم الشيشاني رمضان قديروف، المتهم بالمساعدة في تنظيم مقتل السياسي المعارض الروسي بوريس نيمتسوف في عام 2015 والصحفية آنا بوليتكوفسكايا في عام 2006.
بيد أنه من المبكر إبراء ذمة بوتين، الذي ترأس لمدة 20 عاماً نظاماً يتعرض فيه المعارضون السياسيون والصحفيون ونشطاء حقوق الإنسان للاعتداء والاغتيال، مع إفلات الجناة في الغالب من العقاب.
وكتب سيرجي رادشينكو، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كارديف البريطانية على تويتر، يقول: "خلاصة القول أن بوتين هو حاكم نصَّب نفسه بنفسه لبلدٍ تتعرض فيه شخصيات المعارضة للقتل والتسمم بانتظام، وحيث لا توجد سيادة للقانون. لذلك، فإنَّ بوتين يتحمل المسؤولية الكاملة".
وقال ياروسلاف أشيخمين، طبيب نفالني الشخصي، لصحيفة Meduza الإخبارية الروسية المستقلة، إن فريقه كان يحاول ترتيب رحلة علاج طبية إلى أوروبا. ووفقاً لأحد مساعدي نفالني، يرفض المستشفى حتى الآن السماح له بالانتقال، بدعوى أنَّ حالته حساسة للغاية. وقال أحد أطباء نفالني، وتُدعى أناستاسيا فاسيليفا، إنَّ فريقه طلب من الكرملين المساعدة في نقله إلى أوروبا لتلقي العلاج.
يُذكر أن نفالني أُودِع المستشفى العام الماضي بعد إصابته برد فعل تحسسي شديد لمادة كيميائية غير معروفة أثناء وجوده في السجن، حيث كان يقضي عقوبة بالسجن لمدة 30 يوماً لتنظيم احتجاج غير قانوني في موسكو. وخشي الأطباء في ذلك الوقت من أن نفالني قد تعرض لمحاولة تسميم، إلا أن حالته هذه المرة تبدو أخطر بكثير.