أعاد الانفجار المدمر بمرفأ العاصمة اللبنانية بيروت قضية مخازن الأسلحة المنتشرة في العاصمة العراقية بغداد والمحافظات الأخرى، وبخاصة المكتظة بالسكان، إلى الواجهة.
وسط مخاوف وقلق دائم يرافق الشارع العراقي من تكرار انفجار مخازن العتاد والأسلحة، ما قد يؤدي إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى كما حدث في آخر انفجار في هذا العام في قاعدة الصقرالحكومية بمدينة الدورة جنوب العاصمة بغداد بتاريخ 26 تموز/يوليو 2020.
ودفعت كارثة بيروت أوساطاً سياسية وشعبية إلى المطالبة بإخلاء المدن العراقية من مستودعات الأسلحة، حيث إن ما جرى في فاجعة لبنان أثار الكثير من الشجون في العراق، فما حصل هو جريمة ذات أبعاد اقتصادية، وإنسانية، واجتماعية، وصحية، مر بها العراق في الأعوام الماضية، وكانت تجربة مريرة وقاسية بسبب الكم الهائل من الانفجارات التي حصلت بمختلف أنواعها، والتي حصدت الآلاف من الضحايا، وتكبد العراق فيها الكثير من الخسائر المادية والمعنوية.
ويبدو أن هذا التحدي يعتبر درساً صعباً تخوضه الدولة لإحكام سيطرتها على مخازن العتاد على مدار الحكومات السابقة التي فشلت بحل مشكلة السلاح المنفلت لدى الفصائل المسلحة، وفي هذه الأثناء يترقب العراقيون إمكانية فرض القانون وإنقاذ حياتهم وإبعاد مخازن المتفجرات والذخيرة عن مناطق سكناهم.
أبرز مستودعات السلاح التابعة للفصائل المسلحة
شدد عدد من المختصين والخبراء الأمنيين على ضرورة مراقبة مخازن الأسلحة القريبة من المناطق السكنية، والتي تعد مخالفة للسياقات العسكرية، والتي تقتضي أن يكون تخزينها بعيداً حتى عن المعسكرات وفي مناطق ذات خصوصية للتخزين، وذلك خوفاً من انفجارها في حال تعرضها لحادث مفاجئ أو قصف من جهة دولية أخرى.
وطالبوا وزارة الدفاع بتحمُّل مسؤولية عملية التخزين نتيجة الخبرات المتراكمة التي تمتلكها وتتيح لها إنشاء مخازن بمواصفات عالية غير قابلة للتخريب.
إلا أن هذه المطالبات القانونية من المختصين كشفت عن وجود مستودعات لا تعرفها الدولة أو لم تستطِع السيطرة عليها، وعندما تم تسليط الضوء على هذا الملف مؤخراً، واجه مسؤولون كبار تهديدات وابتزازات من الفصائل المسلحة التي تمتلك مستودعات السلاح ولا تلتزم بتعليمات الدولة.
قال ضابط برتبة لواء في جهاز الاستخبارات لـ"عربي بوست": "إن أماكن تخزين الأسلحة في بغداد مقسمة بحسب مناطق النفوذ، ووفقاً لتأثير الفصائل المسلحة فيها، حيث تحفظ ميليشيات حزب الله عتادها في مناطق جنوب بغداد، خصوصاً مناطق الدورة، وتخزّن ميليشيات ما تعرف باسم "سرايا الخرساني" في منطقة الجادرية".
ويتابع اللواء: "أما في منطقة مدينة الصدر، فتمتلك سرايا السلام التابعة لمقتدى الصدر مخازن أسلحة هناك، وكانت قد شهدت قبل فترة انفجار أحد المخازن، ما أدى لوقوع ضحايا بين المدنيين، وهناك مستودعات واقعة في شرق بغداد، خاصة منطقة المشتل والزعفرانية والبلديات فهي مناطق نفوذ ومخازن أسلحة تابعة لميليشيات عصائب أهل الحق التابعة لقيس الخزعلي، وفي كل منطقة من هذه المناطق توجد مخازن لعتاد غير حكومي وسط السكان مخزَّن بظروف غير مناسبة ويمكن أن ينفجر بأي لحظة".
ويوضح ضابط الاستخبارات: "سلاح ميليشيات حزب الله خصوصاً بما يتضمنه من صواريخ إيرانية بعيدة المدى، قد جعل مدينة جرف الصخر بمحافظة الحلة المخزّن فيها بؤرة موبوءة. فإيران تسعى جاهدة لجعل العراق ساحة معركة لها مع أمريكا، علاوةً على ذلك مدينة آمرلي التابعة لمحافظة صلاح الدين شمال شرق بغداد أصبحت مخزناً لحفظ الأسلحة الخاصة بمعسكر الشهداء التابع لفصائل الحشد الشعبي، ومستودعات أخرى في مناطق سهل نينوى قرب مركز مدينة الموصل يسيطر عليها كتائب بابليون".
ويشير الضابط، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إلى مناطق جغرافية أخرى توجد فيها مستودعات للأسلحة والعتاد، ويقول: "هناك مخازن في قضاء بيجي وسامراء تسيطر عليها فرقة العباس القتالية وسرايا الإمام علي، حيث أخذت هذه الفصائل تبني قوتها العسكرية بمحافظة صلاح الدين بعد تحريرها من قبضة داعش عام 2017".
ويقول اللواء: "هناك نحو 120 مستودعاً ومخزناً ما زالت في المدن وداخل الأحياء السكنية، وبما أن الصيف الحالي شديد الحرارة، فهي بمثابة قنابل موقوتة داخل المناطق السكنية".
وبالرغم من ذلك نجد أن هناك تراخي أو تقصيراً من الجيش في متابعة تنفيذ القرار الحكومي بإبعاد المستودعات عن المناطق السكنية، هذا القرار الذي ما زال نافذاً بسبب وجود علاقات شخصية بين كبار ضباط الجيش وقيادات الفصائل المسلحة".
من جانبه يؤكد عضو سابق في لجنة الأمن والدفاع بمجلس النواب العراقي ويصرح لـ"عربي بوست": "معظم الفصائل المسلحة في بغداد لم تلتزم بالقرار الحكومي القاضي بإخراج المخازن من المدن، وأن أحياء مثل الكرادة والجادرية والعرصات والبياع لا تزال تستغل بيوتاً لمسيحيين مغتربين ومنازل بعض أعضاء حزب البعث الذي حكم العراق قبل عام 2003، وتخزن السلاح والمتفجرات بشكل سري في هذه البيوت، لدرجة أن جيران هذه المنازل هجروا بيوتهم خشيةً انفجارها، كما حدث خلال السنوات الماضية بأكثر من مدينة".
ويضيف: "إن غالبية القرارات التي تُقنِن تحركات ونشاطات الحشد الشعبي لم تلتزم بها إدارات الفصائل المسلحة، إذ ما تزال الفصائل تتحرك، وقرار منع تجوالهم بالملابس العسكرية والسلاح بات غير محترم ولا يُنفذ.
أما الحادثة الأخيرة بخصوص انفجار كدس السلاح الحكومي في معسكر الصقر جنوب بغداد، أُضيف إلى قائمة مخازن الأسلحة المتفجرة، علاوةً على انفجار مخزن آخر تابع مخزن تابع للحشد الشعبي جنوب قضاء بلد في صلاح الدين".
وتجدر الإشارة إلى أنه في كركوك أنشأت منظمة بدر التابعة لهادي العامري مستودعات للسلاح في منطقة بيشير على الطريق السريع بين محافظة كركوك وبغداد.
وبحسب عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، "هناك مستوعادت في قضاء خانقين ومناطق بعقوبة بمحافظة ديالى أنشأها الحشد الشعبي بعد مشاركته بعمليات التحرير ضد داعش وهناك مستودعات أخرى استغلها الحشد بعد هروب عناصر داعش وتركهم لمصانع التسليح ومخازن المتفجرات في مناطق متفرقة من الرمادي والفلوجة بمحافظة الأنبار".
هل الدولة تسيطر على مخازن العتاد والمتفجرات؟
تسبب الانفجار الذي وقع داخل مستودع للسلاح والذخيرة تابع لأحد الفصائل المسلحة العراقية في حي سكني بمدينة بيجي (200 كيلومتر شمالي العاصمة العراقية بغداد)، وأسفر -بحسب الشرطة- عن خسائر مادية كبيرة، في فتح ملف مخازن ومستودعات السلاح في المدن العراقية مرة أخرى.
بعد أكثر من عام ونصف العام على تعهدات للحكومة وقادة الفصائل المسلحة بنقل مخازن سلاحها من داخل المدن، عقب تفجيرات متلاحقة أسفرت عن مقتل وإصابة عشرات العراقيين في بغداد والنجف وبابل ونينوى.
وقد جاء الملف الخطير على خلفية عملية تخزين أخرى لكمية كبيرة من الذخائر في منطقة آهلة بالسكان في مدينة الصدر ببغداد، وتحوَّلت عشرات المنازل إلى ركام، وسط دمار هائل نتيجة انفجار كبير لتكدّس متفجرات وذخيرة، خلّف العشرات من الجرحى وعدداً من القتلى. وقد كُلّفت وقتها قيادات العمليات العسكرية في الجيش ومديريات شرطة المحافظات بمراقبة تنفيذ القرارات.
تواصل فريق تحقيق "عربي بوست" مع مسؤول رفيع بوزارة الداخلية بشأن حقيقة تحركات الحكومة العراقية نحو قرار تحكمها بالمخازن، وبهذا السياق يتحدث المسؤول قائلاً: "إن عملية نقل مستودعات السلاح من المدن إلى خارجها توقفت قبل الانتخابات التشريعية منتصف العام الماضي، ولم تجرِ أي عملية نقل منذ ذلك الحين.
مع العلم أنه بالعادة يفترض أن يقوم الفصيل المسلح الذي يملك السلاح والذخيرة بإخطار قيادة العمليات وقيادة الشرطة والاستخبارات بذلك، ويحدد مكان نقله والوقت المقرر، وهذا ما لم تكشفه الحكومة العراقية لأنها ستكون بواجهة مطالبات شعبية كبيرة.
ويضيف المصدر في وزارة الداخلية ويقول: "تسعى الحكومة لمعالجة معضلة مواقع المستودعات، لكنها تتصادم مع قوة الفصائل المسلحة التي لا ترضخ لسلطة الدولة، وإن 60٪ من المستودعات ما زالت داخل المدن".
و"تحتل بغداد وديالى وصلاح الدين والحلة الصدارة في عدد تلك المستودعات التي تحوي أسلحة ومتفجرات ومواد مختلفة حربية، كالصواريخ والقذائف والمتفجرات الخام، وأغلبها محفوظة بشكل بدائي داخل براميل وصفائح معدنية تهدد أمن المواطنين وسلامتهم".
ويلفت المسؤول إلى أنه "لا يستبعد وجود مخازن أسلحة داخل العاصمة بغداد، علماً أن بغداد فيها أكثر من 10 ملايين نسمة على مساحة جغرافية واسعة تضم أكبر عدد من المخازن التابعة لفصائل الحشد الشعبي. لكن المشكلة هي بعدم التزام بعض الجهات بقرار مجلس الوزراء".
لذلك فإن عمليات بغداد والعمليات العسكرية في بقية المحافظات مسؤولة عن هذا الملف، والاستخبارات مُطالبة بالتفتيش المستمر والتشخيص ومن ثم إبعاد المخازن خارج المدن بالتعاون مع هيئة الحشد الشعبي، ومحاسبة الفصائل غير الملتزمة بقرارات الدولة".
بعد موجة الغضب الشعبي الكبير والمناشدات المستمرة قررت السلطات العراقية وضع ضوابط جديدة لتخزين ونقل المواد الكيميائية الخطرة سريعة الانفجار خشية تكرار سيناريو انفجار بيروت الذي أوقع آلاف القتلى والجرحى وألحق خسائر فادحة بالعاصمة اللبنانية.
وبخصوص هذا الأمر يتحدث رئيس هيئة المنافذ الحدودية في العراق عمر عدنان الوائلي، ويقول: "استجاب مجلس الوزراء برئاسة مصطفى الكاظمي لدعوات الشعب، وتم تشكيل لجنة عاجلة لجرد الحاويات عالية الخطورة التي تحوي مواد كيميائية ومزدوجة الاستخدام ونترات الأمونيوم المتكدسة في مخازن الأسلحة التابعة للحكومة".
ويتابع الوائلي: "سيتم نقل هذه المواد الخطرة إلى أماكن نائية تخصص من قبل الشركة العامة لموانئ العراق فيما يخص الموانئ وسلطة الطيران المدني المتعلقة بالمطارات، وشركة النقل البري فيما يخص المنافذ البرية"، مشيراً إلى أن "اللجنة المكلفة بذلك ستنهي أعمالها وتقدم تقريرها خلال 72 ساعة المقبلة".
ويعرب الوائلي عن قلقه بالقول: "يمكننا جرد ومراقبة مستودعات الأسلحة والذخائر التابعة للدولة، لكن نحن قلقون تجاه عدم التزام بعض الفصائل المسلحة وعدم سماحها للكشف عن مخازم العتاد التي تملكها في المناطق القريبة من المنافذ الحدودية. إضافة لذلك، فإن هناك في بعض الأحيان عمليات بيع وتهريب السلاح ونقله إلى مستودعات سرية، وهذا الأمر يثير المخاوف وربما يعرقل عملية ضبط مستودعات الأسلحة".
من أين تحصل الفصائل على السلاح والعتاد؟
صراع الدولة مع الاختراقات السياسية يعرقل خطة الدولة بإعادة الاستقرار الأمني في العراق، حيث تستمر الفصائل المسلحة بشراء واستلام الأسلحة والعتاد دون علم الحكومة في كثير من الأحيان، وهذا ما يثير الأزمات ويضع الشعب العراقي على صفيح ساخن مقلق.
فالجماعات المسلحة المختلفة تمتلك مستودعات ومخازن عملاقة من الأسلحة التي بإمكانها زعزعة الأمن في البلاد، وسط تمويل خارجي يكتنفه الغموض في ظل السلاح المنفلت الذي يشكل خطراً حقيقياً على حرية المواطن وحقوقه بالتعبير.
وحول هذا الصراع، يقول ضابط في شعبة تخزين السلاح بوزارة الدفاع لـ"عربي بوست": "إن الفصائل المسلحة تعتمد في تسلحيها على جهتين رئيسيتين، فالأولى هي الحكومة العراقية، حيث تجهز حكومة بغداد فصائل الحشد الشعبي عن طريق وزارة الدفاع العراقية، والثانية هي المساعدات الخارجية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي والقوات الأمريكية، التي تقدم لها الكثير من الأسلحة والأعتدة تزامناً مع عمليات محاربة الإرهاب وتثبيت الوضع الأمني في المناطق المحررة".
ويضيف الضابط: "وحصلت الفصائل المسلحة على الدبابات الأمريكية "أبرامز"، تسلمتها باتفاق مؤقت من الحكومة العراقية أيام حرب داعش، ولكنها لم ترجعها للحكومة بعد تحرير المناطق، الأمر الذي أدى إلى تهديد القوات الأمريكية بوقف الدعم والتعاون العسكري مع العراق ما لم يتم استرداد هذه الدبابات".
وبالرغم من ذلك تم تسليم عدد قليل من الدبابات والصواريخ والمفتجرات الأمريكية بذريعة أنها نفدت أيام حرب التحرير ضد داعش، لكن الحقيقة أن أعداداً ضخمة من هذا العتاد ما زال مخزواً في المستودعات.
ويتابع الضابط الذي يرصد عمليات تمويل السلاح ويقول: "إن الجهة الثانية الممولة للأسلحة هي إيران، وهي الجهة الرئيسية التي استند عليها الحشد الشعبي في تسليح وتجهيز فصائله الرسمية، حيث تقدم إيران مختلف أنواع الأسلحة، والأعتدة الخفيفة، والمتوسطة، والثقيلة، بالإضافة إلى الصواريخ بمختلف أنواعها، والتي تصل من إيران عبر الحدود، وهناك كميات كبيرة من المتوسطة، والبعيدة المدى، مخزنة لدى الفصائل المسلحة في مناطق مختلفة في العراق".
من جهته يتحدث الخبير الأمني سامر الدليمي لـ "عربي بوست" ويقول: "إن المدن العراقية تشهد بين الحين والآخر هجمات بصواريخ تستهدف المنطقة الخضراء ومطار بغداد الدولي وغيرها من المنشآت العسكرية، ولكن هذه الضربات العسكرية إزدادت بسبب تزايد تمويل إيران للميليشيات المسلحة الموالية لها في العراق، لذلك تحاول الولايات المتحدة تصفية الحسابات وتوجيه إنذار لإيران".
ويضيف الدليمي "تبادل الولايات المتحدة وإيران الاتهامات بشأن هجمات على مخازن أسلحة في المدن العراقية جعل سكانها يعيشون في قلق يومي لكثرة استهداف منازلهم، ما أدى إلى هجرة العديد من الأهالي، فيما تستمر عمليات تهريب الأسلحة القادمة من المنافذ الحدودية المحاذية بين العراق وسوريا وإيران".
لما تصر الفصائل على إبقاء مواقع مستودعات الأسلحة والذخائر؟
منظمات حقوقية حذرت من حالة الرعب والفوضى والأضرار التي طالت المناطق السكنية المحيطة، وطالب ناشطون وكتاب ومحللون على ضرورة تحمل الحكومة المركزية المسؤولية وتبني الجرأة لمراقبة مستودعات الأسلحة وإبعادها عن المناطق التي يقطنها المدنيين. وناشدوا الأمم المتحدة بالتدخل الفوري وإنقاذ حياة العراقيين الذين من حقهم أن ينعموا بالعيش بكرامة دون قلق أو خوف من وجود قواعد عسكرية بجوار منازلهم تحوي عشرات الأطنان من الأسلحة والأعتدة الحربية المخزونة بشكل عشوائي ودون تحصين أمني.
بهذا الصدد يتحدث خبير قانوني حكومي من ضمن لجنة متابعة ملف المستودعات ويقول لـ "عربي بوست": "يجب على الحكومة إجراء تحقيق سليم وشفاف لكشف الأسباب الحقيقية في انفجار مستودعات الأسلحة والعتاد التابعة للدولة، بالإضافة لضرورة التحرك الفوري لتحديد المواقع الجغرافية التي تتواجد فيها مخازن الأسلحة غير الرسمية والي يمتلكها فصائل مسلحة لا تلتزم بمقررات الحكومة المركزية".
واعتبر أن هذا أصعب ما تواجهه الدولة بسبب تهاون الحكومات السابقة بمسألة السلاح المنفلت وأنها لم تكترث لكل هذه المستودعات الخطيرة التي تتكدس فيها الذخيرة والمتفجرات.
ويتابع الخبير القانوني: "إن ضعف الدولة ومؤسستها الأمنية يضعها في موقف المواجهة غير المتكافئة مع الفصائل المسلحة، حيث تصر هذه الفصائل المدعومة من قبل أحزاب سياسية كبيرة لعدم المصادقة على إقتراح رئاسة الوزراء بإبعاد المخازن عن المناطق السكنية، وهذا الإصرار ينبع من استخدام الفصائل للمدنيين كدروع بشرية في حال تعرضت المستودعات للضربات الجوية الأمريكية".
ويضيف عضو لجنة متابعة المستودعات قائلاً: "من جانب أخر تكدس الفصائل المسلحة عتادها في مخازن المناطق التي تسيطر عليها عسكرياً واجتماعياً، حيث يضمن لها ذلك تأييد بعض المناطق الشعبية، كما يسهل لها عملية نقل الأسلحة وبيعها وتهريبها دون وجود خوف أو قلق من أي تحرك استخباراتي يكشفها".
فالفصائل تثق بأتباعها من المواطنيين ولا تثق بالحكومة التي ربما تتعرض لضغوطات سياسية خارجية يجبرها على الإفصاح عن أسرار مخازن السلاح والمتفجرات.
ويضيف: "لاتريد الفصائل المسلحة خسارة المناطق التي سيطرت عليها بعد عمليات التحرير ضد داعش، لذلك تحاول بناء مستودعات السلام والعتاد في هذه المناطق، كي تبقيها تحت إمرتها، ويكون ذلك مبرر لبقائها في هذه المناطق حتى بعد نهاية الحرب وعودة الأهالي إلى مناطقهم الأصلية، بذلك تهدف الفصائل على تثبيت وضعها العسكري كي تتوسع أكثر في مناطق مختلفة في العراق".
من جهة أخرى تتحدثتقول عضو المفوضية العليا لحقوق الانسان فاتن الخلفي لـ"عربي بوست": "تتحرك المفوضية نحو الضغط بإتجاه إصدار تعليمات صارمة من شأنها حماية أرواح المدنيين، وتتواصل المفوضية مع رئاسة الوزراء لإبعاد مخازن الأسلحة وعدم إقحام السكان في أزمات وصراعات".
وتتابع فاتن: "يجب على الحكومة احترام مبادئ حقوق الانسان، ونقل مستودعاتها بعيداً عن مناطق المواطنين، كما عليها إجبار الفصائل المسلحة على نقل مخازن العتاد خارج المدن، وإن لم تلتزم الفصائل سيؤدي ذلك إلى تعرض الدولة العراقية إلى مساءلة قانونية وربما يخرجها من عضوية الأمم المتحدة لحقوق الانسان".
وهذا ما سيؤثر على العلاقات الدولية وسيوقف المساعدات عن العراق، كما ندعو إلى تعويض ذوي الضحايا والمتضررين من جراء انفجارات مخازن الأسلحة في منطقة الدورة والمناطق المختلفة التي شهدت تفجيرات للمستودعات.
من جانبه تحدث مستشار المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب، اللواء الركن المتقاعد الدكتور عماد علو لـ "عربي بوست" وقال: "تستدعي الضرورة إعادة النظر بكميات الأسلحة وأعداد المستودعات ومواقع مخازن الأعتدة والمتفجرات الموجودة داخل المدن والقريبة من المناطق السكنية، لكونها مخالفة للسياقات العسكرية التي تقتضي بأن يكون تخزينها بعيداً حتى عن المعسكرات وفي مناطق ذات خصوصية للتخزين".
لأنها تشكل عنصر قوة للقوات المسلحة وتعرضها لأي اعتداء أو حادث ارهابي من جهة معادية للدولة، سيسبب شللاً في إمداد القطاعات العسكرية بالأسلحة، فضلاً عن ما ستتكبده من خسائر بشرية لا مبرر لها نتيجة التخزين الخاطئ بالقرب من المناطق السكنية.
دعوات العراقيين كشفت للمجتمع الدولي وحتى للحكومات السابقة والحالية مدى خطورة تخزين الأسلحة والصواريخ والمتفجرات داخل المدن، وكيف سبّبت انفجارات مستودعات العتاد الويلات للأهالي، وهذا ما طالب به المختصون الأمنيون بإعادة خطة حصر السلاح بيد الدولة، وضبط الرقابة الاستخباراتية، ومراقبة جميع مخازن السلاح خصوصاً تلك التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة دون علم الحكومة المركزية.
وفي حال فشلت الدولة في حل هذه التجاوزات سيؤدي ذلك إلى توريط العراق بصراعات دموية جديدة، وهذا ما لا يستطيع تحمله بعد المواطن العراقي الذي يحلم بواقع يحكمه القانون لا السلاح.