ما إن اتخذت الإمارات قرارها بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، حتى تحوَّل التركيز الأمريكي إلى هدفٍ أكبر أهمية وأكثر مراوغة: المملكة العربية السعودية.
وضع جاريد كوشنر، صهر دونالد ترامب والرجل الذي توسّط لإنجاز صفقة الأسبوع الماضي، نصبَ عينيه إقناع الحليف العربي الرئيسي لأمريكا باتخاذ ما سمّاها "الخطوة التاريخية". ومع ذلك، وعلى الرغم من علاقاته الوثيقة مع ولي العهد محمد بن سلمان، فإن المهمة هذه المرة تظل أصعب بكثير من سابقتها.
هل يشكل الملك سلمان "عقبة" أمام ذلك؟
يقول بروس ريدل، الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والمتخصص في الشؤون الخليجية، للصحيفة Financial Times البريطانية: "السعودية هي الهدف المنشود. لكن مع وجود الملك سلمان، وهو مؤمن حقيقي بالقضية الفلسطينية، فمن غير المرجح أن يحدث ذلك في أي وقت قريب".
منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، أقام صهره علاقات وثيقة مع جيل جديد من قادة الخليج: الإماراتي محمد بن زايد، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وتشارك كوشنر جلسات نقاش طويلة إلى أوقات متأخرة من الليل مع الأمير محمد، ووقف إلى جانبه بعد الانتقادات الشخصية الشديدة التي وجهت إليه في أعقاب اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في عام 2018.
وقد صرح كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، للصحفيين يوم الإثنين 17 أغسطس/آب، بأنه "قد أجرى كثير من المناقشات مع محمد بن سلمان حول [التطبيع المحتمل للعلاقات]، وأيضاً مع الملك سلمان"، وقال كوشنر للصحفيين إن ذلك سيكون أمراً "مفيداً جداً" للأعمال السعودية وللقطاع الدفاعي السعودي. وأضاف أن ذلك سيساعد الشعب الفلسطيني أيضاً.
يُنظر إلى الأمير محمد، الذي يحاول أن يمضي في خططه لإصلاح اقتصاد المملكة في ظل انهيار أسعار النفط وجائحة كورونا، على أنه الشخص الذي لديه استعداد لدفع الفلسطينيين لقبول "صفقة القرن" التي هندسها كوشنر وتبناها ترامب، كجزء من جهوده لتوطيد علاقته بإدارة ترامب ومع المؤسسة السياسية الأمريكية في عمومها، بحسب ما قال دبلوماسيون غربيون وخبراء في شؤون المنطقة.
ومع ذلك يُعتقد أن والده ينقض مساعيه، ومن المفهوم أن الملك هو من له الكلمة الأخيرة في بعض القضايا الرئيسية. وقد أبلغ الملك سلمان الزعيمَ الفلسطيني محمود عباس في اتصال هاتفي أجراه معه في يناير/كانون الثاني بأن المملكة ما زالت ملتزمة بدعم القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين، بحسب بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية.
لماذا يعد إلحاق السعودية بالإمارات مهمة صعبة بالنسبة للأمريكيين؟
على الجانب الآخر، قال مصدر مطلع على تفكير الرياض لـ"فايننشيال تايمز" إن السعودية "تختلف للغاية" عن الإمارات، رغم العلاقات الوثيقة بينهما. وقال المصدر: "الإمارات أصغر وليس لديها هذا العنصر الديني. وما لدى الإمارات لتخسره أقل بكثير مما لدى السعودية، كما أن ما لديها لتقدمه أقل بكثير. ولدى السعوديين ما يقلقون منه إذا فعلوا ذلك بالفعل لأن العالم الإسلامي بكامله سينتقدنا حينها".
وعندما طرح ترامب في يناير/كانون الثاني خطته المجحفة للسلام، التي تنص على كون القدس عاصمةً لإسرائيل والتي رفضها الفلسطينيون، رفضها الملك سلمان علناً. ورغم العلاقة الوثيقة بين كوشنر والأمير محمد، غابت السعودية غياباً ملحوظاً عن مؤتمر اقتصادي بارز نظمه كوشنر لدعم خطته.
كما أن مكانة السعودية القيادية في العالم الإسلامي تجعل من غير المرجح أن تتبع المملكة خطى الإمارات. فالمملكة تستضيف أقدس موقعين إسلاميين في العالم وتصور نفسها على أنها الدولة القائدة والمدافعة عن الإسلام السني. وقال الملك سلمان، الذي يحمل لقب خادم الحرمين الشريفين، لمنظمة التعاون الإسلامي العام الماضي، إن القضية الفلسطينية تظل قضية جوهرية، وإن المملكة "ترفض أي إجراءات تمس الموقف التاريخي والقانوني للقدس الشرقية". ويريد الفلسطينيون أن تكون القدس الشرقية عاصمة لأي دولة فلسطينية في المستقبل.
"المملكة ملتزمة بخطة السلام العربية"
من جانبه، قال كوشنر للصحفيين يوم الإثنين الماضي: "للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني مكانة كبيرة جداً في قلب الملك سلمان، وفي قلب ولي العهد محمد بن سلمان أيضاً. إنهم يريدون أن يروا الشعب الفلسطيني يحظى بدولة".
هذا، ولم تعلن الحكومة السعودية عن موقفها حول الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي إلا بعد نحو أسبوع من إعلان ترامب عنه، إذ قال لكن وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، الأربعاء 19 أغسطس/آب 2020، إن "ضم إسرائيل لأراض على نحو أحادي وبناء مستوطنات يدمر أي جهد للسلام"، مثمناً في الوقت ذاته أي جهد لتعليق هذه الإجراءات الأحادية"، في إشارة على ما يبدو للاتفاق الإماراتي الإسرائيلي.
وأضاف الأمير فيصل بن فرحان، خلال مؤتمر صحفي في ألمانيا، مع نظيره الألماني هايكو ماس، أن "أي جهود تفضي للسلام في المنطقة وتعليق الضم يمكن أن ننظر إليها نظرة إيجابية"، مؤكداً أن "المملكة ملتزمة بخطة السلام العربية وهي الطريقة الوحيدة للوصول إلى حل للنزاع والتطبيع الإسرائيلي مع جميع الدول"
وأضاف أنه "عندما نصل إلى السلام بين فلسطين وإسرائيل فإن كل شيء محتمل"، مشدداً على أن "الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب تعرقل فرص السلام" بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
حقيقة الموقف السعودي
في السياق، تصدَّر وسمان على موقع تويتر في السعودية بعد فترة وجيزة من الإعلان عن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، وقد عبّر الوسمان عن حجم الاستقطاب حول القرار الإماراتي: استخدم معارضو الاتفاق وسم #خليجيون_ضد_التطبيع، فيما استخدم داعمو الاتفاق وسم "تباً لكم ولقضيتكم". ويعكس الوسم الأخير مشاعر القومية السعودية والتصور بأن الفلسطينيين، وبعضهم ينتقد السياسات السعودية في المنطقة، "غير ممتنين" للدعم طويل الأمد الذي قدمته الرياض.
ومع ذلك، يُعتقد أن السعودية، مثل الإمارات، قد عززت بالفعل تعاونها السري، لا سيما في مجال الأمن والاستخبارات، مع إسرائيل في السنوات الأخيرة، حيث تتشارك السعودية مع إسرائيل المخاوف بشأن دور إيران في المنطقة. وقال برايان هوك، المبعوث الأمريكي الخاص بإيران، لصحيفة Financial Times إن "السلوك العدواني الإيراني" ساعد في توحيد بعض الدول لمواجهة ما يرونه عدواً مشتركاً.
من التالي؟
من جهة أخرى، قال مسؤول كبير في إدارة ترامب إن البحرين وسلطنة عُمان على الأرجح ستعملان على تطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد ذلك، إلى جانب المغرب أيضاً على الورق. كما تحدث وزير الخارجية الإسرائيلي، غابي أشكنازي، مع نظيره العماني يوم الإثنين 17 أغسطس/آب حول ضرورة تعزيز العلاقات بين البلدين.
ويذهب مايك سينغ، مستشار شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي في عهد جورج دبليو بوش، إلى أن البحرين، التي تعتمد على المساعدات المالية من الإمارات والسعودية، سترغب في التفاوض على شروطهما وتنتظر في البداية قياس ردود الفعل الإقليمية على المبادرة الإماراتية. وقال أيضاً إن عمان قد تتردد في اتخاذ موقف قد يستعدي إيران عليها.
وقال سينغ إن دولاً أخرى خارج المنطقة، مثل إندونيسيا وماليزيا، قد تفكر أيضاً في بدء علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. كما وصف مسؤولون إسرائيليون السودان بأنه طرف محتمل. فيما قال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية لصحيفة Financial Times إنه: "لا أحد يعرف" ما إذا كانت السعودية ستتخذ الخطوة غير المسبوقة. في حين أضاف أن "كل خطوة تسهم في تعزيز الثقة، هي الاتجاه الذي يجب أن تسلكه المنطقة".
ومع ذلك لا يزال معظم الخبراء متشككين في أن تحذو السعودية حذو الإمارات. ويقول ريدل: "لا يوجد حافز فعلي، بالنظر إلى استبعاد مسألة [ضم الأراضي المحتلة] من طاولة المفاوضات بالفعل [بموجب الصفقة الإماراتية الإسرائيلية]".