تراجع الوضع الصحي بالمشافي والمراكز الصحة بمناطق النظام السوري تسبب في تفشِ خطير لفيروس كورونا المستجد، ما نتج عنه إصابة الآلاف من السوريين وموت المئات في زمن قصير، الأمر الذي أفزع السوريين ودفعهم للهروب إلى المناطق المحررة في الشمال ـــالواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضةــــ هرباً من جحيم الموت بالإهمال الطبي في مناطق النظام.
ليس الأمر سهلاً، فرحلة الهرب نحو المناطق المحرَّرة خارج سيطرة النظام في الشمال السوري محفوفة بالكثير من المخاطر ومواجهة الموت، فضلاً عن دفع "الإتاوات" للمهربين.
إبراهيم العاسمي، من محافظة درعا جنوبي سوريا، وصل قبل نحو أسبوعين إلى منطقة عفرين، الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة "الجيش الوطني" في مناطق الشمال السوري.
يروي أسباب مغادرته وتفاصيل رحتله هو وأفراد أسرته لـ"عربي بوست"، يقول: "خشيت على أفراد أسرتي من خطر تفشي فيروس كورونا في المناطق التي يسيطر عليها النظام، فالفيروس ينتشر بسرعة بين المدنيين لانعدام الاهتمام الطبي في المشافي، وعدم اتخاذ حكومة النظام السبل الوقائية للحدِّ من تفشي الفيروس".
ويواصل: "دفعني ذلك قبل نحو أسبوعين للتواصل مع أحد أقاربي في منطقة عفرين، شمالي سوريا، الخاضعة لسيطرة "الجيش الوطني المعارض"، ليتبين لي أن الوضع الصحي والطبي فيها أفضل بكثير من مناطق النظام".
"تواصلت مع أحد المهربين في منطقة نبل، غربي حلب -يقول العاسمي- واتفقت معه على تأمين طريق الخروج إلى منطقة عفرين، عبر المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام والميليشيات الإيرانية، وطلب مني مبلغ 2500 دولار أمريكي مقابل ذلك".
يواصل العاسمي روايته: "تمكنت من الوصول إلى مدينة حلب مع مجموعة تتبع المهرب، وواصلت السير إلى منطقة نبّل، وهناك صادفت أكثر من 20 مدنياً، بينهم نساء وأطفال من مختلف المحافظات السورية خاضعة لسيطرة النظام، يرغبون في الهروب إلى مناطق الشمال السوري".
ومع منتصف تلك الليلة قمنا بتسليم المبالغ المتفق عليها للمهرّب، وأوصلنا جميعاً إلى منطقة زراعية تقع في شمال بلدة نبّل، وواصلنا السير وسط طرق زراعية وعرة حتى اقتربنا من مواقع عسكرية تابعة لفصائل الجيش الوطني بمحيط منطقة عفرين، وقمنا بتسليم أنفسنا لعناصرها.
اقتادتنا فصائل المعارضة إلى مركز حجز، وبعده إلى مركز طبي في مدينة عفرين، أاخضعونا للفحص والتحليل المخبري، وعزلونا في مركز مجهز بكل الوسائل والإمكانات، وقدّموا لنا الرعاية الطبية لمدة أسبوع، وبعدما تبيّن أننا خالون من أية أعراض لفيروس كورونا أخلوا سبيلنا.
الهروب من الموت بمواجهة الموت
أسامة الحسين، مدني من منطقة برزة بريف دمشق، تحدّث عن الأهوال وطريق الموت الذي سلكه، حيث فقد 3 من أقاربه قتلاً برصاص قوات النظام غرب حلب، بعد وصوله وعدد من أقاربه سالمين إلى منطقة عفرين، قائلاً: "لم نعد نتحمل الوضع المعيشي وسط تفشي فيروس كورونا في مناطق ريف دمشق".
لاسيما أن المشافي والمراكز الصحية بدأت تتراجع عن تقديم الرعاية الطبية للمرضى المصابين بفيروس كورونا، بعد اكتشاف إصابتهم بالفيروس، وغالبيتهم يتعرضون للموت جراء ذلك، ما دفعني وعدداً كبيراً من أقاربي إلى مغادرة منطقتنا والذهاب إلى محافظة حلب، بعد التنسيق مع أحد المهربين في منطقة الزهراء الخاضعة لسيطرة النظام غربي حلب.
ويواصل: "أجرينا الاتفاق معه عبر تطبيق "واتساب" على تأمين طريق الخروج باتجاه المناطق المحرَّرة، فطلب مبلغ 1000 دولار على الشخص الواحد مقابل ذلك، ولدى وصولنا إلى منطقة الزهراء صادفنا أكثر من 100 مدني آخر في بناء قريب من البلدة، كانوا بانتظار تأمين طريق الخروج باتجاه المناطق المحرَّرة شمالي سوريا".
وفي منتصف ليلة الأربعاء الماضي، وبعد تسليم المبالغ المتفق عليها، قامت مجموعات تابعة للمهرب -والحديث للحسين- بإيصالنا إلى طريق يؤدي إلى النقاط العسكرية التابعة لفصائل المعارضة، وسط ظلام دامس، وما إن اقتربنا من خط التّماس بين قوات النظام والمعارضة إلا واكتشفنا أننا دخلنا حقل ألغام.
بدأت الألغام في الانفجار واحداً تلو الآخر، وسط حالة من الرعب وصراخ النساء والأطفال، والإصابات طالت الكثير من الفارّين، ما دفع البعض إلى الركض بشكل عشوائي باتجاهات مختلفة، هرباً من حقل الألغام التي كانت قوات النظام قامت بزراعتها في وقت سابق.
ويضيف، بعدما اجتزنا وعدد من المدنيين حقول الألغام ووصلنا إلى منطقة الغزاوية، الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني المعارض، شمالي حلب، علمت من خلال اتصال أجريته مع أحد أقاربي في مناطق النظام، كان يتابع طريق مسارهم، أن أكثر من 17 مدنياً بينهم أطفال من الذين كانوا معه فقدوا حياتهم، نتيجة انفجار أحد الألغام، بينما ضلّ أكثر من 20 مدنياً آخر طريقهم، وعادوا إلى منطقة الزهراء مرة أخرى، ووقعوا في قبضة قوات النظام، التي اعتقلتهم واقتادتهم إلى جهات مجهولة.
أم جميل و4 من أفراد أسرتها، من منطقة جديدة الفضل بريف دمشق، واحدة من الناجين من رحلة الموت، تقول لـ"عربي بوست": "كنا نعلم أن طريق وصولنا إلى المناطق المحررة شمالي سوريا محفوف بالمخاطر، فضلاً عن التكاليف المالية التي سوف نتكبدها في سبيبل ذلك، ولكن يبقى كل ذلك أهون بكثير من النظر إلى طفلي وهو يصارع الموت لو أصيب بفيروس كورونا، الذي قتل مئات السوريين".
وتضيف أنها فقدت أكثر من 10 من أقاربها خلال الأسبوعين الماضيين، كانوا قد أصيبوا بفيروس كورونا، بعد أن رفض مشفى ابن النفيس، ومشفى المجتهد، في العاصمة دمشق استقبالهم، بحجة أنه لا توجد أماكن أو أسرّة شاغرة، وبقوا في منازلهم حتى فارقوا الحياة.
الأمر الذي نشر حالة من الخوف بين الأهالي، ودفع من تمكنه أحواله المادية من الهرب من مناطق النظام إلى المناطق المحررة، التي بها اهتمام بالغ بالوضع الصحي للحدِّ من انتشار فيروس كورونا من قِبل المنظمات والكوادر الطبية.
ولفتت إلى أنها الآن تقيم مع أفراد أسرتها في أحد المنازل بمنطقة الباب، شمالي حلب، في ظروف حجر صحي تلقائي من أنفسهم، حتى التأكد من سلامتهم من الإصابة بعدوى فيروس كورونا.
تواصل "عربي بوست" مع أحد الناشطين في العاصمة دمشق، وشرح لنا الوضع المأساوي التي يعيشه المواطن في المناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا، قائلاً: "أعداد المتوفين خلال الأيام الأخيرة في العاصمة دمشق وريفها بفيروس كورونا بلغت أكثر من 270 حالة وفاة، تم دفنهم في مقبرة نجها بريف دمشق، وسط تكتُّم إعلامي، وبتقارير طبية مزورة".
وتعود الأسباب -كما يقول الناشط- في تصاعد أعداد الوفيات إلى تراجع العناية الطبية في المشافي، التي تتمثل في امتناع المناوبين من الكوادر الطبية في مشافي "المجتهد والأسد الجامعي وابن النفيس" وغيرها من المشافي والمراكز الطبية، عن القيام بواجبهم الطبي بالشكل المطلوب؛ حرصاً على سلامتهم ومنع انتقال العدوى لهم".
لاسيما أن المشافي المذكورة وغيرها لم تعد لديها قدرة على استيعاب المزيد من المصابين، ما يدفع أقسام الاستقبال إلى عدم قبول استقبال المصابين ومطالبتهم العودة إلى منازلهم وعزلهم، مع تدني توفر أسطوانات الأكسجين من جهة، وتحكم التجار في أسعارها من جهة ثانية.
ما يُفاقم الوضع الإنساني ويزيد من حالات الوفاة بين المصابين، ويدفع ذلك المواطن السوري إلى التفكير بحلول، وأبرزها الآن الهرب من المناطق التي يسيطر عليها النظام، وعدم قدرته على احتواء الجائحة.