ليس الاضطراب والدمار غريبَين على لبنان. تقع هذه الدولة الصغيرة على جانبي خطوط الصدع الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وعانت من حربٍ أهليةٍ استمرت 15 عاماً وانتهت في عام 1990. يشتهر النظام في لبنان بالكسب غير المشروع وسوء الإدارة. وفي أحدث ضربةٍ وُجِّهَت للبلد الصغير، هزَّ انفجارٌ هائلٌ مرفأ العاصمة بيروت في 4 أغسطس/آب، مُخلِّفاً أكثر من 170 قتيلاً وآلاف الجرحى، وتسبَّب في تدمير المباني في أرجاء المدينة. قال مسؤولون إن الانفجار نتج عن مخزونٍ يبلغ 2750 طناً من نترات الأمونيوم في المرفأ، وهذا يعادل 1800 طن من مادة "تي إن تي". وأضافت المأساة طبقةً أخرى من المصاعب في بلدٍ يعاني بالفعل من أسوأ أزمةٍ مالية منذ عقود من الزمن، ويكافح من أجل احتواء تفشي جائحة فيروس كورونا المُستجَد.
1- كيف يؤثر ذلك على الاقتصاد؟
يُعتَبَر المرفأ المُتضرِّر بشدة، والذي كان يستأنف عملياته ببطءٍ يوم الأربعاء 12 أغسطس/آب، أكبر بوابةٍ بحريةٍ للبنان، وبينما حُدِّدَ مرفأ طرابلس ليكون بديلاً عنه، ينتاب القلق السلطات من الطريقة التي سوف يجلب بها هذا البلد، المُعتمِد على الاستيراد، المواد الغذائية والإمدادات الطبية وغيرها من البضائع. تقول صحيفة Washington Post الأمريكية، يكافح لبنان بالفعل من وطأة الانهيار الاقتصادي، مع الانخفاض السريع في قيمة العملة المحلية، وتقلُّب سعر الصرف في السوق السوداء، ما يؤدي إلى زيادة التضخُّم، علاوة على إغلاق الشركات، وانزلاق الكثير من الناس إلى هوة البطالة والفقر. وأصبح نقص الوقود وطوابير الخبز أموراً شائعةً أيضاً.
2- ماذا حدث للحكومة؟
استقال رئيس الوزراء حسن دياب في 10 أغسطس/آب الجاري، إذ طالَبَ الجمهور الغاضب بالمحاسبة على أكبر كارثةٍ شهدها البلد في وقت السلم. ألقى دياب باللائمة على نخبةٍ سياسيةٍ فاسدة لتخريبها إدارته وتعهَّد بمعاقبة المسؤولين. وقال رئيس الوزراء السابق على دياب، سعد الحريري، الذي حَكَمَ ثلاثة أعوام حتى يناير/كانون الثاني 2020، إنه لا يريد أن يكون رئيساً للوزراء مرةً أخرى في هذه المرحلة. كان ما لا يقل عن 20 شخصاً رهن الاحتجاز حتى 13 أغسطس/آب، بما يشمل المديرين العامين الحاليين والسابقين لهيئة الجمارك اللبنانية ومسؤولي المرفأ. واستجوَبَ المُدَّعون العامون كبار مسؤولي الأمن، ووزراء المالية والأشغال العامة الذين كانوا في مناصبهم منذ تفريغ شحنة نترات الأمونيوم في المرفأ في أواخر عام 2013.
3- ما مدى خطورة الاضطرابات الاجتماعية؟
كان المواطنون، الذين ضجروا من سوء الإدارة الحكومية، غاضبين من أن الانفجار نَجَمَ عن شحنةٍ من المواد المُتفجِّرة التي تُرِكَت لست سنوات في المرفأ، رغم تحذيرات السلامة المُتكرِّرة. وفي نهاية الأسبوع التي تلت الكارثة، تجمَّع آلاف المتظاهرين حول مجلس النوَّاب مُطالِبين بإطاحة النخبة الحاكمة، وقد احتلوا لوقتٍ قصير الكير من المنشآت الحكومية. ومذاك الوقت، يتجمَّع العشرات يومياً ويرشقون قوات الأمن بالحجارة.
4- ما المساعدة التي يتلقَّاها لبنان؟
قدَّرَ الرئيس ميشال عون الضرر الناجم عن الانفجار بـ15 مليار دولار، وهو قدرٌ من المال لا تستطيع الحكومة تحمُّله. وتعهَّد قادة العالم بحوالي 300 مليون دولار دعماً طارئاً للشعب اللبناني في مؤتمرٍ على الإنترنت للمانحين في 9 أغسطس/آب، وتعهَّدوا بجمع "الموارد الكبرى" في غضون أسابيع لتلبية احتياجات لبنان. وحثوا الحكومة اللبنانية كذلك على تفعيل إصلاحاتٍ عميقة للانفتاح على دعمٍ مالي من أجل الاقتصاد المُتداعي للبلاد. ووَعَدَ برنامج الغذاء التابع للأمم المتحدة بـ50 ألف طن من دقيق القمح، وهو قدرٌ كافٍ لإمداد لبنان بما يكفيها لثلاثة أشهر.
5- ما الذي يتعيَّن فعله بشأن الديون؟
بعد التخلُّف عن سداد سنداتٍ دولية في مارس/آذار 2020، شَرَعَ لبنان في محادثاتٍ مع صندوق النقد الدولي من أجل قرضٍ بحوالي 10 مليارات دولار للمساعدة في إنقاذ اقتصاده. ويحاول لبنان أيضاً إصلاح رصيد ديونه البالغ 90 مليار دولار، والذي يمثِّل 170% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعل لبنان أحد أكثر البلدان مديونيةً في العالم. وفي بيانٍ شديد اللهجة في نهاية مؤتمر المانحين، قالت كريستالينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدولي، إن شهوراً من المحادثات "لم تسفر عن نتائج بعد"، بينما ظلَّ الساسة والمصرفيون مُنقسِمين بشأن ما الذي يتعيَّن فعله. وحدَّدَت جورجيفا أربعة شروط، شملت استعادة الملاءة المالية للدولة، وتخفيض خسائر الشركات المملوكة للدولة، وتمرير قانون ينظِّم تدفُّقات رأس المال ويُنشِئ شبكة أمان اجتماعي، باعتبارها مُتطلَّباتٍ كي تمضي المحادثات قُدُماً.
6- كيف عقَّدَت جائحة فيروس كورونا الأمور؟
بمعزلٍ عن التحديات السياسية والاقتصادية الهائلة، تواجه بيروت أيضاً كارثةً في الصحة العامة. تسبَّبَ الانفجار في وضع ثلاثة مستشفيات رئيسية خارج الخدمة، وعطَّلَ أكثر من 20 عيادة عن العمل، ما أعاق قدرة النظام الصحي على الاستجابة للحالات المرتفعة من إصابات كوفيد-19. ونَجَحَ لبنان في منع انتشار الفيروس من خلال مزيجٍ من القيود على السفر، وإغلاق المدارس، لكن الحالات بدأت في الارتفاع سريعاً في الأسابيع السابقة على الانفجار. ومع تدفُّق ضحايا الانفجار إلى المستشفيات، صار التباعد الاجتماعي مستحيلاً، وغالباً ما تُنسى القفازات والأقنعة الوقائية. ولدى المستشفيات العامة سعةٌ محدودة للرعاية المُركَّزة، وقد اضطرت في بعض الأحيان إلى إيقاف تشغيل مُكيِّفات الهواء وتأخير بعض العمليات الجراحية بسبب نقص الوقود.