اكتسب مصطلح "الأخبار الزائفة" تركيزاً إعلامياً كبيراً في الآونة الأخيرة، خصوصاً في أمريكا، حيث كانت الصحف تركز مع كل ما ينشره رئيس البلاد دونالد ترامب، وتصنف بعض حديثه بأنه أخبار زائفة، ويقوم هو أيضاً بتوجيه الاتهام نفسه للصحف، ثم انتقلت الاتهامات المتبادلة إلى مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن ما قصة نشأة هذا المصطلح؟ وهل كان أول من استخدمه ترامب، أم هناك من سبقه؟ ولماذا فضلت فيسبوك استبداله بمصطلح آخر قريب وهو "الأخبار الكاذبة"؟
دونالد ترامب روّج لنفسه باستخدام مصطلح "أخبار مزيفة"
في خريف سنة 2016، وخلال حملة ترامب الانتخابية، لاقى مصطلح "الأخبار الزائفة" شعبية كبيرة وأصبح أكثر انتشاراً، حيث لجأ ترامب إلى استخدامه للردِّ على انتقادات المعارضين له، وأحياناً يستخدمه كأسلوب يصفي به حسابات مع منتقديه، حيث يقول عنهم أخباراً كاذبة.
وفي إحدى تغريداته على موقع تويتر، كتب ترامب: "هناك الكثير من الأخبار الزائفة اليوم، وبغض النظر عما أقوله أو أقوم به، لن يكتبوا أو يتحدثوا عن الحقيقة. فالأخبار الزائفة التي تنشرها وسائل الإعلام أصبحت خارج نطاق السيطرة".
ترامب اعتبر نفسه أول من أتى بمصطلح "أخبار زائفة"، و أشار أنه على الرغم من وجود المصطلح في اللغة و استخدامه من قبل البعض فإنه لم يلاحظ أحداً استخدمه قبله. ويذكر أن ترامب استخدم المصطلح لأول مرة في أول لقاءاته الصحفية مطلع العام 2017، حينما حاول الإفلات من سؤال مراسل إخباري لشبكة CNN وإسكاته، حيث وصف القناة الأخبارية بأنها تقدم أخباراً زائفة.
فن صناعة الأخبار الزائفة لدى الاستخبارات الروسية
وفقاً لمعجم "ميريام ويبستر" الإنجليزي، بدأ استخدام مصطلح "الأخبار الزائفة" في نهاية القرن التاسع عشر، نقلاً عن عدة إشارات إلى "الأخبار الزائفة" في الصحف، في عامي 1890 و1891.
قد يكون الرئيس الأمريكي محقاً بخصوص مساهمته في نشر مصطلح "الأخبار الزائفة"، ولكنه حتماً ليس مخترعه. المخترع الفعلي "للأخبار الزائفة" هم الروس، وقد قاموا بذلك في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ثم استخدموه لمحاولة مساعدة ترامب في الفوز بالانتخابات الرئاسية لعام 2016.
يذكر مؤرخ جامعة ييل، تيموثي سنايدر، في كتابه الجديد: "الطريق الى عدم الحرية" أن القادة الروس هم أول من أتقن "الأخبار الزائفة" في العصر الرقمي، وقد فعلوا ذلك كجزء من استراتيجية أوسع لإرباك مجتمعهم. تسير هذه الاستراتيجية على النحو التالي: استخدم الإنترنت والتلفزيون لإغراق المجتمع بالمعلومات المضللة، وتشويه صورة المؤسسات المكلفة بكشف الحقائق، ثم استغلال الارتباك الناتج عن ذلك.
كانت الأخبار الزائفة وسيلة لسيطرة حكم الأقلية، أو ما يُعرف بجماعات "الأوليغارشية الروسية" على الشعب والتحكم فيه في عهد بوتين. فكانت الحكومة تزرع ما يكفي من الفوضى عن طريق بث هذه الأخبار، حتى يصبح الناس متشائمين بشأن الحياة العامة، وحتى من الحقيقة نفسها، ولا يكون لديهم وقت ورفاهية لانتقاد السلطات.
عندما انهار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، كانت هناك محاولة لتوطيد ودعم العديد من جماعات الأوليغارشية في روسيا، وكانت جماعة بوتين الأبرز والأقوى. وبالفعل، كان أول الأشياء التي قام بها بوتين هي تغيير المشهد الإعلامي، حيث عمل على تهميش الإعلام المطبوع لصالح التلفزيون الذي يمكنه التحكم فيه بسهولة أكبر.
وثاني خطوة ذكية له كانت التخلص من الأخبار المحلية تماماً، بحيث تدور الأخبار حصرياً حول مواضيع أكبر تتعلق بالعظمة القومية أو الظلم ضد روسيا. ثم قام بعد ذلك بتوحيد وسائل الإعلام التلفزيونية، بحيث كان هناك 5 أو 6 قنوات تنشر جميعها قصصاً مختلفة، تنقل بشكل أساسي نفس الرسالة المؤيدة لروسيا والموالية لبوتين.
ثم في عام 2010، بدأت روسيا في نشر هذه التقنيات في الخارج كوسيلة لزعزعة استقرار الدول الغربية. وقد وجدت روسيا في ترامب أداةً مفيدةً كشخص يمكنهم استخدامه لإذكاء الانقسامات الداخلية في أمريكا وتقويض الديمقراطية، وفق نظرية مؤرخ جامعة ييل.
دعم روسيا لترامب من خلال "الأخبار الزائفة"
من الواضح أن هناك العديد من العلاقات المالية بين ترامب وروسيا، وهذا سبب كبير لتبنّي روسيا موقفها الداعم للرئيس الأمريكي.
ففي 11 يناير/كانون الثاني 2017، نشر موقع BuzzFeed الأمريكي تقريراً سرياً بعنوان "أنشطة المرشح الجمهوري دونالد ترامب في روسيا وتسوية العلاقة مع الكرملين"، حيث زعم العميل السابق في MI-6، كريستوفر ستيل ، أنه قد جمعه من مخبرين رفيعي المستوى من داخل الدوائر الداخلية لفلاديمير بوتين وترامب.
وادعى ستيل أن ترامب كان عميلاً تابعاً لقصر الكرملين وبوتين. كما تضمن التقرير بوضوح دعم روسيا لترامب في السنوات الخمس الأخيرة من تاريخه، وأنها كانت تمده هو وفريقه بالمعلوامات خاصة عن منافسيه مثل هيلاري كلينتون.
و قد أشار مؤرخ جامعة ييل تيموثي سنايدر في مقابلة له، أن أهم سبب يدعو روسيا لدعم ترامب، هو أنها أدركت أن نقطة ضعف ترامب هي أنه ليس رجل أعمال ناجحاً حقاً، ولكن قوته تكمن في أنه يعرف كيف يلعب دور رجل أعمال ناجح على التلفزيون، وهما مهارتان مختلفتان تماماً. وهذا ما جعل دونالد ترامب بالنسبة لروسيا الشخصية الأمثل للرئيس التي تتناسب مع العقلية الأمريكية، وتمنحه الشرعية للقيام بأشياء في السياسة الأمريكية المحلية، وتقديم نفسه كمرشح رئاسي، وكان ذلك السبب الرئيسي لدعم روسيا لترامب منذ بداية حملته وحتى اليوم.
كما ركّز سنايدر على فكرة "ثقافة المشاهير" التي تسيطر على عقلية المجتمع الأمريكي، والتي أحسنت روسيا استغلالها، وقال إن "فشل ترامب الفعلي لا يهم، ولا يهم أن الأموال الروسية هي التي أبقته واقفاً على قدميه كل تلك السنوات، ما دامت أمريكا تهيمن عليها ثقافة المشاهير، وهذه نقطة ضعف عرف الروس استغلالها".
"الأخبار الزائفة" وسيلة لتقويض الصحافة وحرية الرأي
ترامب لم يكن الوحيد الذي استخدم المصطلح لمصلحته، فقد تبنى عددٌ من الساسة في جميع أنحاء العالم المصطلح كطريقة للتحدث عمن يختلفون معهم. إذ أوضح جوشوا هابجود كوت، زميل نائب رئيس جامعة بريستول، في تقرير على موقع The Conversation كيف يستخدم المصطلح خارج أمريكا الشمالية وأوروبا لتبرير قوانين الرقابة، وقال إن المصطلح استخدمه كل من الجيش البورمي ورئيس الفلبين في رفض التقارير التي تعارض رواياتهما المفضلة.
ومع ذلك، فإنّ آخرين يستخدمون المصطلح ببساطة كطريقة لتحديد الأخطاء. فالدورة الإخبارية تجري اليوم بسرعة كبيرة، وتجعل النشر ومشاركة المعلومات عبر الإنترنت أسرع من أي وقت مضى، لذلك فلا شك في حدوث أخطاء، لكن المشكلة تكمن في استخدام المصطلح كوسيلة لتبرير تقويض المؤسسات الصحفية.
ففي كوت ديفوار، على سبيل المثال، قد يجد صحفي ما نفسه قابعاً في السجن لمجرد صدور حكم قضائي يدينه بإهانة رئيس الدولة، أو نشر معلومات كاذبة. فرغم أن قانون الصحافة المعتمد في 2004 ينص على عدم تجريم ذلك، فإن 6 صحفيين إيفواريين -بينهم ثلاثة من كبار المسؤولين في مؤسسات إعلامية- اعتُقلوا في أبيدجان، منتصف فبراير/شباط الماضي، بتهمة نشر معلومات كاذبة حول تمرد مجموعة من الجنود. وفي مدغشقر، قوبل القانون الجديد المتعلق بتنظيم قطاع الاتصالات بانتقادات لاذعة من الصحفيين المحليين، الذين يستنكرون ما ينطوي عليه من إحالة إلى أحكام قانون العقوبات للبت في المخالفات الصحفية، ما قد يؤدي إلى تجريم المهنة. وينص القانون على غرامات باهظة في الجُنح المتراوحة بين الإهانة والتشهير، كما يجرم نشر الأخبار الكاذبة، وهي الجنحة التي يشير إليها النص التشريعي بشكل غير دقيق أبداً، بما يجرِّد الصحفيين من الحق في الخطأ.
وفي بوروندي، تمثل السيطرة على الأخبار التحدي الرئيسي للنظام الحاكم، حيث تعمل الحكومة على تأجيج الجدال بشأن نظرية تفاقم أشكال الصحافة الحزبية والدعاية لفكرة المؤامرة الدولية ضد البلاد. فمنذ عام 2015، أصبح أي بيان أو خبر يأوَّل بمنطق المؤيد للنظام أو المعارض له، تماشياً مع استراتيجية السلطة الحاكمة التي تسعى إلى فرض خطاب واحد أوحد، لا تُقرأ الأحداث إلا من خلال منظوره وبؤرته.
وفي مصر، أضحى من الشائع جداً اتهام الصحفيين بنشر معلومات كاذبة كلما تعلق الأمر بالنقد أو التطرق لمواضيع حساسة من شأنها أن تزعج السلطات، إذ لا يمكن لمثل هذه الأساليب التي باتت منتشرة على نطاق واسع إلا أن تحكم على الصحفيين بالوقوع في فخ الرقابة الذاتية أثناء تغطيتهم للأحداث، خوفاً من محاكمتهم أو الزج بهم في السجون، على غرار العديد من زملائهم القابعين في قفص الاتهام أو وراء القضبان.
مصطلح الأخبار الزائفة ينقسم لدرجات
عملت كلير واردلي التي تقود الأبحاث في First Draft مع الكاتب والباحث حسين ديرخشان على نشر تقرير يعيد النظر في تصنيف المعلومات الزائفة، ويضع إطاراً جديداً لتصوره. وقد حدّدا ثلاثة أنواع من المعلومات بدرجات متفاوتة من التزييف:
• Mis-information هي المعلومات الخاطئة وتذكر عندما تجري مشاركة معلومات كاذبة، ولكن من دون قصد الضرر.
• Dis-information عندما يتم تقاسم المعلومات الكاذبة عن قصد للتسبب في الضرر.
•Mal-information عندما تتم مشاركة المعلومات الحقيقية للتسبب في الضرر، وغالباً عن طريق نشر معلومات خاصة في أماكن عامة.
موقف فيسبوك من مصطلح "الأخبار الزائفة"
بعد تسعة أشهر من الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أدخلت مصطلح "الأخبار الزائفة" في حيز الاستخدام على نطاق واسع، بدأ فيسبوك في محاولة إيجاد طرق للحد من انتشاره.
إذ تخلى فيسبوك عن مصطلح "أخبار زائفة" وتوقف عن استخدامه، ليستبدله بـ"أخبار كاذبة". وقال إن السبب أن مصطلح الأخبار الزائفة أصبح له معنى وتوصيف خاص به، وأن مصطلح الأخبار الكاذبة يعبر بشكل أكثر وضوحاً عن المعنى المقصود، وأضاف: "المعلومات المصممة بحيث يتم الخلط بينها وبين الأخبار المشروعة، هي معلومات خاطئة عن عمد".
يأتي هذا كطريقة حذرة للإشارة إلى أن مصطلح "الأخبار الكاذبة" أصبح مشحونا سياسياً، بدءاً بدخوله في التسعينات من الاتحاد السوفييتي، ووصولاً لاستخدامه من قبل ترامب، ثم انتشاره في مواقع التواصل الاجتماعي.