ألقى اتفاق السلام بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل الذي تم توقيعه يوم 13 أغسطس/آب 2020، بظلاله على ملف العلاقات العربية الإسرائيلية، وطبيعة الإطار الذي يجب أن تسير فيه.
ويطرح الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي تساؤلات عديدة حول مستقبل المبادرة العربية التي تبنَّتها السعودية، وتم الإعلان عنها عام 2002، وهي التي اشترطت أن يكون التطبيع بين العرب وإسرائيل بعد حل القضية الفلسطينية بصورة عادلة، وليس القفز عنها.
وكانت الولايات المتحدة أعلنت توقيع الإمارات العربية المتحدة اتفاقاً للسلام مع إسرائيل، في خطوة وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ"التاريخية"، مؤكداً أنه تم الاتفاق على تدشين علاقات دبلوماسية كاملة بين البلدين، كما كشف نتنياهو أن وفوداً إماراتية وإسرائيلية ستلتقي في وقت قريب، للاتفاق على بنود وتفاصيل اتفاق السلام.
استنكار من حركة فتح
عباس زكي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، قال لـ"عربي بوست"، إن موقف الإمارات لا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال، والذريعة التي تروج لها الإمارات بأن تطبيع العلاقات جاء بعد موافقة إسرائيل على تأجيل قانون الضم "ليس لها أي وزن سياسي على الأرض"، على حد تعبيره.
وأوضح أن الإمارات تسير في مسار يخالف ما تبنته جامعة الدول العربية، و"نحن في السلطة بانتظار موقف رسمي من الجامعة بشأن موقفها من الإمارات، وإعادة تأكيد أن مبادرة السلام العربية هي القاعدة الرئيسية للسلام".
وأضاف أنهم في السلطة الفلسطينية كانوا يستشعرون منذ سنوات، بأن الإمارات "تسعى لاستغلال معاناة الفلسطينيين، وحاجتهم للمساعدات المالية والإغاثية، لتشترط علينا إرسال مساعدات مالية مقابل عدم إصدار موقف يندد بأي خطوة من شأنها أن تعزز علاقات التطبيع مع إسرائيل، وهذا ما كنا نرفضه جملة وتفصيلاً".
نسف المبادرة العربية
وقد أكدت السلطة الفلسطينية أن هذا الاتفاق ينسف المبادرة العربية للسلام وقرارات القمم العربية والإسلامية، والشرعية الدولية، واعتبرته "عدواناً على الشعب الفلسطيني، وتفريطاً في الحقوق الفلسطينية والمقدسات".
وترى السلطة الفلسطينية في خطوة الإمارات "خيانةً للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية، واعترافاً بالقدس عاصمة لإسرائيل"، مطالبةً إياها بالتراجع الفوري عن هذا الإعلان، لأنه لا يحق للإمارات أو أية جهة أخرى، التحدث بالنيابة عن الشعب الفلسطيني.
وطالبت السلطة بعقد جلسة طارئة فورية لجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي لرفض الإعلان.
صحيح أن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي اشترط العلاقات التطبيعية بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة، لكن عبدالمجيد سويلم أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس المفتوحة، قال لـ"عربي بوست" إن اختراق الإمارات لمبادرة السلام العربية يعني أن هذه المبادرة لم تعد ذات قيمة سياسية يمكن الارتكاز عليها.
وأضاف مستدركاً: "لكن الخطر الأكبر لهذا الاتفاق هو ما سيترتب عليه من نتائج"، تتمثل من وجهة نظره في اعتراف الإمارات بما هو قائم في إسرائيل كالقدس عاصمة لإسرائيل والجولان بأنها جزء من إسرائيل، وفي حال صدَّق الكنيست على قانون الضم سيكون هنالك اعتراف عربي بالأراضي التي ضمَّتها إسرائيل.
ويرى الفلسطينيون أن الموقف الإماراتي الجديد يمثل انقلاباً على الموقف العربي الرسمي من العلاقات مع إسرائيل الذي عبرت عنه السعودية بطرحها لمبادرة السلام في العام 2002، ثم تبنتها جامعة الدول العربية كقاعدة رئيسية لعودة العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، باشتراطها أن لا اتفاق للسلام مع إسرائيل إلا بعد انسحابها من الأراضي المحتلة عام 1967.
الباب مفتوح لدول أخرى
عصمت منصور، الكاتب المختص في الشؤون الإسرائيلية، قال لـ"عربي بوست"، إن تقييم إسرائيل لاتفاق التطبيع مع الإمارات هو أنه سيفتح الباب أمام دول أخرى تقيم علاقات خجولة وسرية مع إسرائيل، لإظهار هذه العلاقات بشكل علني.
وذكر أن من هذه الدول كلاً من البحرين والسودان، وقد تأتي السعودية كمفاجأة قبيل موعد الانتخابات الأمريكية، على حد تعبيره.
وأضاف أن إسرائيل استطاعت أن تكسر حاجز الصمت في علاقاتها مع الدول العربية، وتحديداً بمنطقة الخليج، حيث لا توجد دولة عربية إلا وتقيم مستوى معيناً من العلاقات مع إسرائيل، سواء بشكل علني أو حتى سري، وإن كان غالبيته يتركز على تطبيع أمني واستخباراتي أكثر مما هو سياسي أو اقتصادي.
ونشرت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية، أن الإمارات وإسرائيل تؤمنان بإمكانية تحقيق إنجازات دبلوماسية إضافية مع الدول الأخرى، وأنهما سيعملان معاً لتحقيق هذا الهدف المشترك، مع العلم أن هذا الاتفاق العلني يتوِّج سنوات طويلة من العلاقات السرية في مختلف المجالات: السياسية والاقتصادية والأمنية.
يبدو مثيراً التعرف على مواقف الدول القريبة من الإمارات من هذا الاتفاق مع إسرائيل، وإمكانية أن تتبعها، خاصةً السعودية والبحرين، اللتين تقيمان علاقات سرية مع تل أبيب، ولا تُخفيان هذه العلاقات، رغم مزاعمهما بأنها تأتي لخدمة الفلسطينيين، الذين يرفضون التذرع بقضيتهم لإقامة علاقات تطبيعية مع إسرائيل.
وكانت مصر والبحرين من أوائل الدول العربية التي عبّرت عن مباركتها للاتفاق، وأشارتا إلى أنه يمثل خطوة مهمة في إحلال السلام بمنطقة الشرق الأوسط.
مع العلم أن دفء العلاقات الإسرائيلية مع دول الخليج العربي والإمارات، وتحديداً في السنوات الأخيرة، أخذ أبعاداً ومستويات مختلفة، كالتطبيع الرياضي والإعلامي والثقافي، وتبادل الوفود الفنية بين الجانبين، لكن رمزية هذا الاتفاق تتمثل في أنه أول اتفاق للسلام بين إسرائيل والدول العربية بعد كامب ديفيد مع مصر 1979، ووادي عربة مع الأردن في 1994.
علاقات متوترة بين الإمارات والسلطة
وكانت العلاقات بين الإمارات والسلطة الفلسطينية مرَّت بكثير من محطات التوتر، كان من أبرزها احتضان الإمارات للقيادي المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان، كما هاجمت السلطة الفلسطينية دولة الإمارات، بسبب مشاركتها في ورشة المنامة منتصف 2019.
ومنذ بدء أزمة كورونا أعادت السلطة الفلسطينية شحنات لمساعدات طبية أرسلتها الإمارات عبر مطار بن غوريون الإسرائيلي في ثلاث مرات، ورفضتها الأخيرة بذريعة أن الإمارات تسعى من وراء إرسال هذه المساعدات إلى فتح قنوات للتطبيع مع إسرائيل.