من الواضح أن استقالة حكومة حسان دياب لم تنجح في تهدئة احتجاجات الشارع اللبناني التي اندلعت مرة أخرى في أعقاب تفجير بيروت، فالدعوات لإسقاط الطبقة السياسية بأكملها والتي تمثل المطلب الأساسي لثورة أكتوبر/تشرين الأول أصبحت أعلى صوتاً، فإلى أين تتجه الأمور في لبنان؟
"الاستقالة لا تعني شيئاً"
أمس الإثنين 10 أغسطس/آب أعلن رئيس الوزراء حسان دياب استقالة حكومته على خلفية انفجار المرفأ الذي كان قد وقع في 4 أغسطس/آب، حين قضت العاصمة اللبنانية ليلة دامية، جراء الانفجار الضخم الذي خلف 163 قتيلاً وأكثر من 6 آلاف جريح، وعشرات المفقودين، بحسب أرقام رسمية غير نهائية.
وفي مؤتمر صحفي قال دياب: "نتراجع خطوة إلى الوراء، للوقوف مع الناس، كي نخوض معركة التغيير معهم"، فيما أعلنت رئاسة الجمهورية، في وقت لاحق، قبول استقالته، وطلبت من الوزراء العمل كحكومة "تصريف أعمال"، لكن يبدو أن "خطوة دياب" لم تمتص غضب الشارع، فالمحتجون مصرّون على متابعة تحركاتهم، من أجل تحقيق المزيد من المطالب، بحسب تقرير للأناضول.
ويرى إيلي عقيقي (مهندس معماري، 27 سنة) أن استقالة الحكومة "لا شيء، إذ إن الحكومة السابقة استقالت، فعادت الطبقة السياسية وأنتجت حكومة على مزاجها"، والإشارة هنا لحكومة سعد الحريري التي استقالت في أعقاب الاحتجاجات الشعبية منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول (ثورة تشرين، بحسب قادة الحراك).
بينما تقول غيتا مشيك (24 سنة، مشاركة في معظم الاحتجاجات)، إن "استقالة حسّان دياب، كانت معروفة ومتوقعة، وهذا السبب هو الذي أدى إلى زيادة الزخم والضغط على مجلس النواب في الأيام السابقة".
وشهد وسط بيروت، في اليومين السابقين، مواجهات بين المحتجين والقوى الأمنية، أدّت إلى وقوع إصابات من الطرفين، وتضيف مشيك، للأناضول: "سنستمر بالضغط على مجلس النواب، والاحتجاج حوله، إلى أن تتم استقالة كامل أعضاءه، بدءاً من رئيسه نبيه بري".
وفي هذا الإطار، أعلن المحتجون رفضهم أن يعود رئيس الوزراء السابق سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، مشددين على أن الشعب يريد "حكومة مستقلة ذات صلاحيات استثنائية"، كما يجب، بحسب مشيك، "إعداد قانون انتخابي جديد، بغض النظر عن إقامة انتخابات نيابية مبكرة أم في وقتها، لأن الوعي عند الشعب أصبح موجوداً".
يريدون تغييراً وليس كبش فداء
ووفق تحقيقات أولية، وقع الانفجار في عنبر 12 من المرفأ، الذي قالت السلطات إنه كان يحوي نحو 2750 طناً من "نترات الأمونيوم" شديدة الانفجار، كانت مصادرَة ومخزنة منذ عام 2014، ويزيد انفجار بيروت من أوجاع بلد يعاني منذ أشهر، تداعيات أزمة اقتصادية قاسية، واستقطاباً سياسياً حاداً، في مشهد تتداخل فيه أطراف إقليمية ودولية.
ونشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، اليوم الثلاثاء 11 أغسطس/آب، تقريراً حول الوضع بعد استقالة حكومة دياب بعنوان "استقالت الحكومة اللبنانية.. لكن ذلك ليس كافياً"، رصد حالة الشارع اللبناني الثائر طلباً لإجابات تشفي الصدور ومحاسبة المسؤولين عن انفجار المرفأ وليس فقط كبش فداء.
وفي هذا السياق، قال عقيقي للأناضول: "نريد سلطة بكاملها، تكون جديدة وتمثلنا، بدءاً من الرئاسات الثلاثة: الجمهورية، والحكومة، والبرلمان"، ويشير عقيقي إلى أنه "يتوجّب محاسبة جميع المسؤولين الحاليين والسابقين، على ما حصل في المرفأ، وعلى ملفات الفساد الأخرى المستشرية في لبنان"، مضيفاً: "نريد قانون انتخابي عصري وعادل".
وكانت آخر انتخابات نيابية في لبنان عام 2018 قد أقيمت وفق وفق قانون انتخابات نسبي يقوم على الصوت التفضيلي، تحت مظلة المحاصصة الطائفية في البلاد المعمول بها منذ اتفاق الطائف عام 1989، وهو ما أنتج الطبقة السياسية الحالية التي رفع الشارع الثائر شعار الرحيل في وجهها "كلن.. يعني كلن".
استقالة الحكومة انتصار للثورة.. ولكن
وترى ليال سبلاني (24 سنة، متخرجة حقوق) أنّ استقالة حسان دياب "تلبي طموحات الثوار"، وقالت للأناضول: "هؤلاء الوزراء هم الأقل مسؤولية، عما حصل في المرفأ، وعن الانهيار الذي أصاب لبنان بشكل عام"، مضيفة أن "المشكلة الأكبر هي في مجلس النواب ورئاسة الجمهورية"، موضحة أن "هاتين السلطتين، لا تلبيان طموحات المواطنين، فهم مجرمو حرب أهلية ويقودون البلد"، حسب وصفها.
لذلك تقول ليال إن "الهدف الكبير هو محاسبة رئيس الجمهورية (ميشال عون)، ورئيس مجلس النواب (نبيه بري) والنواب، وجميع رؤساء الحكومات السابقين".
والإثنين، أكد نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، في تصريح صحفي، أنّ "هناك جلسة ستعقد الخميس، وستكون لنقاش الجريمة المتمادية بحق العاصمة والشعب، والتجاهل الكبير لعناصر هذه الجريمة".
"كلن يعني كلن"
محمد شما (26 سنة، موظف مصرف)، ابن مدينة طرابلس الذي يقصد بيروت بين حين والآخر للاعتصام، يرى أنّ "هذه الاستقالة جاءت متأخّرة"، ويقول للأناضول: "استقالة حسان دياب، كان يجب أن تحصل ليلة الانفجار، أو في اليوم التالي على أبعد تقدير".
ويشير إلى أنّ هذه الاستقالة "لم تأتِ استجابة لطلب الثوار، بل لأن السلطة السياسية لم تعد تريدها، وبالتالي سقوطها متفق عليه"، ويشدد شمّا، على شعار "كلن يعني كلن"، ويلفت إلى ضرورة إسقاط رئيس الجمهورية والمجلس النيابي.
أما لوران يونس (32 سنة، مهندس ميكانيكا)، فيرى أنّ "حكومة دياب كانت حكومة سياسية بحتة، ولم تكن حكومة تكنوقراط"، وهذه الحكومة، بحسب لوران، "فشلت في العديد من الملفات، كضبط سعر صرف الليرة، والتعامل مع أزمة كورونا"، لافتاً إلى أنّ المطالب الشعبية واضحة، وهي "تشكيل حكومة خالية من التمثيل السياسي، إعداد قانون انتخابي جديد، محاكمة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة من خلال قضاء مستقل"، ويشير إلى أنه "ضد إسقاط المجلس النيابي، لأن ذلك سيؤدي إلى انتخابات نيابية على القانون السابق، وستعود الطبقة والوجوه نفسها" حسب رأيه.
القادم يبدو مجهولاً
ويرى محللون أن استقالة حكومة دياب التي كانت قد تشكّلت في 11 فبراير/شباط الماضي جاءت نتيجة سوء تعاطيها مع التفجير، بالإضافة إلى غياب إدارة ومعالجة المشكلات الاقتصاديّة التي تعاني منها البلاد، وقال الكاتب والمحلل السياسي، علي حمادة، إنّ "خطاب استقالة حكومة دياب هو نموذج متجدّد من النماذج التي سبق وقدّمها في محطاتٍ عدّة خلال ولايته كرئيس حكومة".
والإشارة هنا لتحميل دياب جهات لم يحددها مسؤوليّة الفساد، وردّ حمادة بالقول "إنها المرّة الثالثة التي يخاطب فيها الشعب اللبناني ويوجّه اتهامات سطحيّة، من دون تسمية"، مؤكدًا أنه "يتحاشى تسمية الجهات التي تحدّث عنا".
وعن تفسيره إقدام دياب على هذه الخطوة، أجاب: "هناك أكثر من تفسير، الأول هو نوع من الديماغوجيّة الخطابيّة لصرف الأنظار عن فشل الحكومة بمعنى وضع اللوم على الآخرين بالفساد والعرقلة"، أما التفسير الثاني، وفق المتحدث، أن خطاب الاستقالة مجرد "كلام خطابي وليس عملي، لأنّه يتوجه به إلى اللبنانيين من دون حقائق ووقائع ملموسة".
وشدّد على أن "استقالة حكومة دياب التي يجمع الشعب اللبناني على تسميتها حكومة حزب الله أو تحالف حزب الله والتيار الوطني الحرّ، يعني أنها قد انهارت، وانهيارها جاء في أعقاب انهيار البلد اقتصادياً، مرفقاً مع سوء التعامل مع انفجار مرفأ بيروت".
وعن إمكانيّة عودة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، قال: "هناك كلام في هذا الإطار، حزب الله وحلفائه يريدون عودته، ليس محبة به وإنّما يحتاجون غطاء لمنظومة حزب الله في البلاد، ولا يمكن إخفاء أنّ لبنان واقع تحت حكم الحزب".
من هو البديل لدياب؟
وفي السياق ذاته توقّع الكاتب والمحلل السياسي علي الأمين أنه "من الصعب معرفة من هو البديل عن حسان دياب في الوقت الحالي"، وقال للأناضول: "هناك إصرار من المنتفضين على فكرة الحكومة المستقلة وهذا ما ترفضه القوى السياسية الأساسية، وربما هم الأقرب إلى فكرة حكومة الوحدة الوطنية".
وحسب الأمين، فإنّ "دياب لم يكن يرغب في الاستقالة والأقرب بالقول إنه أقيل"، ولدى سؤاله عن من قصد دياب خلال خطاب الاستقالة بالفاسدين، ردّ الأمين: "كلام دياب من دون مصداقيّة لأنّه لم يصل إلى رئاسة الحكومة من خلفيّة نضاليّة، إنما جيء به من خلال هذه المنظومة التي يعتبرها فاسدة".
واستطرد: "دياب لا يسمي الفاسدين لأنه يدرك أساساً أنه وافق على دخول الحكومة من قِبل هذه المنظومة وشروطها وبموقف انقلابي على ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر 2019)"، وكشف الأمين أنّ "دياب يلمّح بالأطراف السياسيّة التي يراها فاسدة وهي سعد الحريري، نبيه بري، ووليد جنبلاط (السياسي البارز)".
وحول المرحلة التي يتجه إليها لبنان بعد الاستقالة، رأى الأمين أنّ "الفترة المقبلة هي فترة ترقب وهي مرتبطة بعوامل عدّة بالدرجة الأولى الحكومتين الأمريكيّة والفرنسيّة وأي حكومة تؤتمن على المساعدات"، وأكمل: "كما ترتبط بمسار الانتفاضة والتحركات في الشارع وإن كانت ستقبل بصيغة التسوية في حال تشكلت حكومة من سياسيين وناشطين"، مرجحاً أن "الحكومة المقبلة لن تنضج بشكل سريع".
من جهته، رأى الصحفي طوني بولس أن "سقوط حكومة دياب هو انتصار لثورة 17 تشرين، لأن هذه الحكومة أتت لتغطية حزب الله والتيار الوطني الحرّ وسقوطها يعني خسارة استراتيجيّة للامتداد هذا".
وفي حديثه للأناضول، قال بولس: "من الواضح أنّ الغطاء الشرعي لحزب الله بدأ يتزعزع في هذه المرحلة، وبدأت الأمور بانكسار الحكومة، وقد تستكمل لاحقاً عبر تقصير مدّة المجلس النيابي أو حتى ضغط باتجاه استقالة رئيس الجمهورية"، وأضاف: "عندما يتحدّث دياب عن فاسدين، هو فقط لإلقاء المسؤوليّة على عاتق غيره، رغم أنه يتحمّل جزءاً من الفساد، سواء بإدارته البلاد لمدّة 7 أشهر، أو بإدارته لملف التعيينات الإدارية".