على غرار العديد من اللبنانيين، تأثّرت ياسمينا بارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقصها، في الوقت الذي انزلقت خلاله بلادها إلى أسوأ أزماتها الاقتصادية منذ عقود. واليوم تخشى الطاهية (36 عاماً) أنّ الوضع سيزداد سوءاً بعد التفجير الهائل الذي دمّر مرفأ بيروت، شريان الحياة الرئيسي الذي تمر عبره 80% من واردات لبنان. ومات نحو 150 شخصاً فيه، بينما جُرِحَ الآلاف.
وأضافت ياسمينا لصحيفة Financial Times البريطانية، خلال تجوّلها في حي الجميزة المُدمّر بشدة، حيث يزيل المتطوّعون الحطام من الشوارع ومنازل الناس: "سيعاني الناس. الناس جوعى". وأضافت أنّ ذلك سيزيد تأجيج السخط العام تجاه النخبة الحاكمة، التي يُحمّلها الكثيرون المسؤولية عن التفجير. وأردفت ياسمينا، التي رفضت نشر اسمها بالكامل: "أعتقد بشدة أنّنا سنشهد أعمال عنف".
ففي نهاية هذا الأسبوع، اقتحم المحتجون عدداً من المباني الحكومية بعد حملة قمع عنيفة من القوات الأمنية ضد المتظاهرين في قلب بيروت. إذ وضع المحتجون مقصلةً ومشنقة في ميدانٍ بمنتصف بيروت، وتعهّدوا بالانتقام من النخب السياسية في فترة ما بعد الحرب، الذين قالوا إنّهم نهبوا البلاد.
إصلاح المرفأ سيستغرق شهوراً طويلة
وارتفعت أسعار المواد الغذائية بالفعل قبل التفجير، إذ وصلت إلى ثلاثة أضعاف سعرها تقريباً مقارنةً بيونيو/حزيران من العام السابق. ويقول الخبراء إنّ إصلاح الدمار سيستغرق شهوراً لإعادة مرفأ بيروت إلى حالته، حيث كانت صوامع الحبوب الرئيسية في البلاد داخله من بين المباني التي دمّرها انفجار 2,750 طناً من نترات الأمونيوم في الرابع من أغسطس/آب.
وحذّر برنامج الغذاء العالمي، وكالة الغذاء التابعة للأمم المتحدة، في نهاية الأسبوع، من أنّ "الأضرار الجسيمة في مرفأ بيروت قد تحد من تدفّق الإمدادات الغذائية إلى البلاد، وترفع أسعار المواد الغذائية بعيداً عن متناول الكثيرين". وفي يوم الأحد، التاسع من أغسطس/آب، وافق المانحون الدوليون على تمويل مساعدات طارئة.
مرفأ طرابلس
وتأمل السلطات اللبنانية في أن يساعد مرفأ طرابلس، الذي يقع على بعد 80 كم شمال بيروت، في سد فجوة الاستيراد. لكن قدرته على استيعاب السفن والحاويات تساوي نصف سعة مرفأ بيروت، ويشكو رجال الأعمال الذين يريدون تطوير المرفأ من إهماله لسنوات، في ما وصفوه بمثالٍ آخر على سوء الإدارة الحكومية.
وقالت ريا الحسن، وزيرة الداخلية السابقة والرئيسة السابقة لهيئة إدارة المنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس، إنّ المرفأ سيستوعب على الأرجح الحاويات الإضافية فقط في المدى القريب على الأقل، لأنّ الأزمة الاقتصادية قلّصت واردات لبنان إلى النصف بالفعل. وأردفت: "إنّها مهمةٌ صعبة، ولكنّني أعتقد أنّهم سينجحون في إدارتها".
ويُؤكّد الافتقار إلى تطوير البنية التحتية على الإخفاقات عميقة الجذور للدولة، التي تسبّبت في الكارثة وتُؤدّي الآن إلى تفاقم تأثيرها.
بينما قال حسن ضناوي، مدير مركز تطوير الخدمات اللوجستية المجاور لمرفأ طرابلس، الذي يشتكي من الإهمال الحكومي القديم للميناء وخطط توسيعه: "فجأةً، وبسبب هذه الكارثة الهائلة … يقولون إنّ علينا التحرّك بسرعة".
إذ تم الانتهاء من مشروع زيادة سعة مركز الخدمات اللوجستية في طرابلس وتأمين تمويله في عام 2018، لكن الحكومة فشلت في الموافقة على التطوير بحسب ضناوي، الذي يشغل الآن منصب القائم بأعمال الرئيس والمدير العام للمنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس المرتبطة بالميناء. وأردف ضناوي: "هذا هو خير برهان على الدرجة التي لا تُخطّط بها هذه البلاد لأيّ شيء". وقال ضناوي إنّه بحاجةٍ إلى 15 مليون دولار لبدء تنفيذ المرحلة الأولى من خطة تطوير المنطقة الاقتصادية الخاصة، وزيادة السعة اللوجستية لطرابلس.
انخفاض المخزونات
وتنتظر سفينتان تحملان القمح الرسو في مرفأ طرابلس حالياً، بحسب وثائق الميناء. ولكن بعكس بيروت، لا توجد صوامع حبوب متوافرة داخل الميناء مباشرةً بحسب الرئيس التنفيذي لمطاحن الدقيق الوطنية أنس الشعار.
وقال إنّ ذلك جاء نتيجة ضياع فرصة استثمارية أخرى، ففي عام 2013 اقترحت شركته بناء "صوامع على أحدث طراز" بالتعاون مع شريكٍ سويسري، لكن سلطات الميناء لم تُخصّص لهم الأراضي اللازمة للبناء عليها.
وفي أعقاب التفجير، لم تتبق أيّ سعة تخزين تقريباً في مرفأ بيروت. إذ قال مُشغّل بوابة الحاويات في مرفأ بيروت يوم الجمعة، السابع من أغسطس/آب، إنّهم نجحوا في تشغيل رافعتين لنقل الحاويات و"يأملون الآن في استئناف العمليات الطبيعية الأسبوع المقبل".
بينما قال الشعار، الذي حضر محادثات الأزمة مع سلطات المرفأ والمسؤولين الحكوميين الأسبوع الجاري: "هناك نحو 60 ألف طن من السعة الزائدة المتاحة" داخل صوامع الحبوب غير المستخدمة في مختلف أنحاء لبنان. وأردف أنّه لا "يرى خطر حدوث نقص في السعة".
لكن المخزونات منخفضة رغم ذلك، إذ قال الشعار إنّ البلاد اعتادت امتلاك قمحٍ يكفي لأربعة أشهر، لكن نقص الدولار جعلها لا تملك الآن سوى قمحٍ يكفي لنحو شهرٍ ونصف فقط.
ورغم اعتماد لبنان الكامل على شحنات الأرز والسكر والطحين، لكن مدير مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية ميشال أفرام شكّك في أنّ النقص بات وشيكاً: "ما تزال لدينا مخزونات كافية في السوق حتى الآن". واستطرد أنّ الكارثة يُمكن أن "تُؤثّر على أسعار المواد الغذائية".
ارتفاع الأسعار لأضعاف
والأسعار مرتفعةٌ بالفعل نتيجة نقص الدولار. ورغم أنّ سعر الصرف الرسمي مربوط عند 1,500 ليرة للدولار الواحد، لكن السعر وصل في السوق السوداء إلى 7,000-8,000 ليرة مقابل الدولار الواحد. وبينما حاول المسؤولون تهدئة المخاوف من أنّ دمار البنية التحتية سيرفع الأسعار أو يُؤدّي لحدوث نقص، لكنّ مواطني لبنان لم يقتنعوا بالمرة.
إذ قالت ياسمينا إنّها كانت تُعاني من ارتفاع التكاليف والنقص أحياناً حتى قبل الكارثة: "ارتفعت أسعار المنظفات، وكل شيء، بمقدار ثلاثة أضعاف. ولم نكن نعثر على الزبدة لبعض الوقت، كنت أصنع الكعك باستخدام الطحينة، ثم اكتشفنا أنّ الأمر مُكلِّف".
ومع وجود الكثير من الجوعى بالفعل، كانت الجمعيات الخيرية قد بدأت التدخل لمساعدة المتضررين. ويُعَدُّ بنك الطعام اللبناني واحدة من الجمعيات الخيرية المحلية التي تُوفّر المساعدات لمئات الآلاف من الأشخاص الذين شرّدهم التفجير، في غياب استجابةٍ منسّقة من الدولة. وفي النهاية تقول سهى زعيتر، مديرة ياسمينا: "لا يُمكنك أن تثق في حكومتك".