القرار الذي أوردته قناة الجزيرة نقلاً عن مصادر أمريكية بشأن استدعاء قاضي المحكمة الفيدرالية في واشنطن ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان و13 شخصاً آخرين للمثول أمام المحكمة في القضية التي رفعها مستشار ولي العهد السابق ربما تكون له تداعيات غير مسبوقة، فما قصة ذلك الاستدعاء؟
في أي سياق يأتي الاستدعاء؟
الأنباء عن استدعاء ولي العهد تأتي في سياق الدعوى القضائية التي رفعها سعد الجبري الذي كان يعمل مسؤولاً في المخابرات السعودية ولسنوات طويلة عمل مستشاراً لولي عهد السعودية السابق محمد بن نايف، والتي ادعى فيها أن الحاكم الفعلي للمملكة حالياً – محمد بن سلمان – قد أرسل فريقاً من القتلة إلى كندا – حيث يقيم الجبري – بغرض تصفيته (تصفية الجبري) على غرار ما حدث مع الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي.
قرار الاستدعاء لم يقتصر على ولي العهد، بل شمل أيضاً 12 مسؤولاً سعودياً آخرين، منهم اثنان مقيمان في الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة لأحمد العسيري وبدر العساكر وسعود القحطاني، وجميعهم من المتهمين باغتيال خاشقجي وتمت تبرئتهم من جانب محكمة سعودية وصفتها المنظمات والهيئات الحقوقية الدولية "بالمسرحية الهزلية".
ماذا يعني استدعاء ولي العهد؟
بروس فاين المساعد السابق للنائب العام الأمريكي قال لقناة الجزيرة الناطقة باللغة الإنجليزية إن "قرار الاستدعاء يجبر المتهمين – بحسب القوانين الفيدرالية الأمريكية – بالرد على التهم الموجهة إليهم خلال 20 يوماً"، مضيفاً أن "ذلك يعني أن القضية بدأت تتحرك بالفعل، فعشرون يوماً ليست مدة طويلة".
واستطرد فاين بالقول إنه "من خلال خبرتي في التعاطي مع قضايا شبيهة تقع في إطار قانون مكافحة التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان، فإن MBS (الاسم المختصر لولي العهد محمد بن سلمان) سيبدأ على الفور حملة ضغط مكثفة على الرئيس دونالد ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو لإصدار خطاب حصانة، وهذا ليس إجراءً يقع في إطار القانون لكنه يطلب من المحكمة أن ترفض القضية على أساس أنها ستتسبب في الإضرار بعلاقات الولايات المتحدة مع دولة أجنبية".
وبحسب فاين، فإن محكمة واشنطن الفيدرالية ليست ملزمة من الناحية القانونية بالعمل بتوصية الرئيس – حال إرسالها للمحكمة – لكن في كل الأحوال فإن الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل تكتسب أهمية خاصة للسعودية في ظل هذا التطور الخطير في القضية.
"فحتى لو أرسل ترامب خطاب طلب الحصانة وقبلته المحكمة، فإن جو بايدن – منافس ترامب – حال فوزه في الانتخابات يمتلك صلاحيات إلغاء تلك الحصانة وإعادة تفعيل القضية مرة أخرى. وأستطيع أن أؤكد لك الآن أن السعودية وولي العهد يتحدثون الآن مع ترامب وبومبيو طالبين التدخل لإنقاذ محمد بن سلمان من ذلك المأزق".
ورداً على سؤال بشأن طبيعة خطاب الحصانة المعني هنا وهل يعني ذلك "حصانة مطلقة" لولي العهد تنسحب على قضية الجبري وأي قضايا أخرى سابقة أو لاحقة، أكد فاين أن الحصانة فقط تخص القضية الحالية وهي قضية مدنية يطلب فيها الجبري تعويضات مادية وليست قضية جنائية، فالحصانة السياسية لا تنطبق على القضايا ذات الطبيعة الجنائية.
مجلس الشيوخ والخارجية الأمريكية على الخط
كان الجبري قد رفع قضية التعويض الخميس الماضي 6 أغسطس/آب، في محاولة من المسؤول المخابراتي السعودي السابق لتسليط الضوء على محاولات ولي العهد التخلص منه أو إعادته إلى المملكة، رغم التزام الجبري الصمت منذ لجوئه إلى كندا في يوليو/تموز عام 2017.
وبحسب الدعوى فإن الجبري يتهم ولي العهد باعتقال نجله ونجلته في المملكة للضغط على أبيهما للعودة إلى السعودية بسبب المعلومات الحساسة التي يمتلكها المستشار السابق لمحمد بن نايف بشأن كواليس العمل داخل البلاط الملكي السعودي، كما يتهم الجبري بن سلمان بالسعي لقتله في منفاه حتى اليوم.
ومن الواضح أن اعتقال محمد بن نايف منذ مارس/آذار الماضي وإخفائه في مكان غير معلوم حتى اليوم، ثم اعتقال طفلي الجبري قد أصاب مستشار ولي العهد السابق بخوف حقيقي على حياته، وهو ما جعله يتقدم بالدعوى المدنية أمام محكمة واشنطن الفيدرالية طالباً التعويض، حيث إن الدعوى الجنائية تكون الإجراءات فيها أكثر تعقيداً وأطول أمداً.
وفي ضوء التاريخ الطويل للجابري ورئيسه السابق محمد بن نايف من العمل مع المخابرات المركزية الأمريكية في عمليات مكافحة الإرهاب، وكون الجبري وبن نايف من أبرز حلفاء واشنطن في مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط منذ أحداث سبتمبر/أيلول 2001، فقد أثارت القضية ضجة كبيرة داخل الأوساط السياسية والمخابراتية في البلاد.
وقال السيناتور الديمقراطي البارز باتريك ليهي إن قضية الجبري توضح "نزوع ولي العهد السعودي لارتكاب أبشع الجرائم بغرض إخراس منتقديه"، فأرسلت وزارة الخارجية خطاباً إلى ليهي قائلة فيه إن الوزارة تواصلت مع السلطات السعودية مطالبة بالإفراج الفوري عن أطفال الجبري، واصفة الرجل (الجبري) بأنه كان دائم الاستجابة الفورية لأي تهديد للمصالح الأمريكية في المملكة والمنطقة.
اغتيال خاشقجي إلى الواجهة مرة أخرى
وكانت صحيفة The globe and mail الكندية قد نشرت تقريراً رصد أن السلطات الأمنية في كندا قد شددت حراساتها على الجبري بعد الكشف عن محاولة جديدة لاغتياله على يد عملاء تابعين لولي العهد السعودي، ونقلت عن مصدر مطلع قوله أن بن سلمان ومستشاريه كانوا يبحثون في مايو/أيار الماضي، إرسال عملاء سعوديين براً من الولايات المتحدة إلى كندا لاغتيال الجبري، وذلك بعد فشل المحاولة الأولى عندما مُنع دخول مُنفذين محتملين لكندا عبر مطار تورونتو.
وفي واشنطن، أعادت قضية الجبري جريمة اغتيال خاشقجي مرة أخرى إلى الواجهة، حيث تناولت وسائل الإعلام الأمريكية تفاصيلها مرة أخرى وأعادت نشر تقرير المخابرات المركزية الأمريكية الذي أشار بأصابع الاتهام لمحمد بن سلمان بينما تولى ترامب الدفاع عن ولي العهد.
ولكون الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني على الأبواب، فإن المعسكر الديمقراطي يركز على علاقة الصداقة التي تربط تربط ترامب وصهره جاريد كوشنر مع بن سلمان وكيف أن تلك العلاقة قد جعلت ولي العهد يتصرف دون القلق من المحاسبة، خصوصاً بعد جريمة قتل وتقطيع الصحفي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول مطلع أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، وهي الجريمة التي أشارت تقارير دولية ومعلومات المخابرات الأمريكية نفسها إلى أنها تمت بموافقة بل وبأمر من ولي العهد، لكنه ينفي ذلك.