ترجع قصة تصميم وإنتاج الطائرة الروسية أنتونوف AN-225 إلى العقد الأخير من الحرب الباردة، ورغم ذلك فلا توجد منها اليوم سوى طائرة واحدة فقط، فكَّر البعض في تحويلها لفندق طائر، به أجنحة فندقية وأحواض سباحة ويتسع لـ1.500 نزيل، لكن ذلك لم يتم، فما قصة العملاق الفاخر؟ ولماذا تمثل مشهداً يسرُّ الناظرين؟
شبكة CNN الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "طائرة AN-225: كيف أنتجت الحرب الباردة أكبر طائرة في العالم"، رصد قصة تصميم وتصنيع الطائرة الأضخم في العالم والتي يمثل هبوطها بأي مطار في العالم مشهداً مهيباً يجتذب الآلاف.
العملاق يساعد في مكافحة كورونا
قام الأخوان رايت بأول رحلة بطائرة فوق شاطئ كيتي هوك في نورث كارولينا عام 1903، لمسافةٍ وصلت إلى 120 قدماً (36 متراً). وهذه الطائرة يمكنها أن تدخل بالكامل في كابينة الشحن الخاصة بطائرة أنتونوف AN-225 التي تُعد أكبر طائرة تعمل بشكل كامل في وقتنا الحالي.
وبإمكان هذه العملاقة الفاخرة، المدعومة بستة محركات توربينية وجناح يبلغ طوله تقريباً طول ملعب كرة قدم، أن تنقل حمولة أثقل وأكبر من أي طائرة أخرى، وتعد طائرة فريدة تماماً من نوعها في عالم الطيران، إذ بنوا منها واحدة فقط.
وتجذب هذه الطائرة، المفضَّلة لدى عديد من متابعي الطائرات حول العالم، حشداً من الزائرين في كل مرة تزور مطاراً في أثناء مهمات الرفع الثقيل النادرة التي تؤديها، وتكون مذهلةً عادةً.
ومؤخراً، استُخدمت الطائرة في تخفيف الأحمال خلال فترة جهود مكافحة كوفيد-19، لنقل شحنات قياسية من المعدات الوقائية، لكن وظيفتها الأصلية كانت مختلفة تماماً، إذ وُلدت في الحرب الباردة وصُممت هذه الطائرة لتكون جزءاً من برنامج الفضاء السوفييتي.
كيف بدأت القصة؟
بدأ عصر جديد في استكشاف الفضاء في شهر أبريل/نيسان من عام 1981، عندما أُطلقت أول مركبة فضائية إلى المدار من مركز كينيدي للفضاء التابع لوكالة ناسا الفضائية، وكانت غرفة الشحن سمة في التصميم حرص على وجودها البنتاغون، الذي استخدم المركبة في عدد من البعثات السرية لإرسال أقمار صناعية عسكرية إلى مدار الأرض، ورأى الاتحاد السوفييتي في هذه الإمكانية تهديداً، وأراد مركبة يمكنها فعل الأمر نفسه.
ونتيجة لهذا ظهرت بوران (أو بليزارد بالروسية)، وهي سفينة فضائية سوفييتية تشبه بشكل واضحٍ مثيلتها الأمريكية، حتى في الطلاءين الأبيض والأسود.
ظهرت مشكلة لوجيستية مع سفينة بوران والصاروخ المرافق "إنيرجيا"، وهي كيفية نقل السفينة الفضائية من أماكن التصنيع حول موسكو إلى قاعدة بايكونور الفضائية على بُعد 1300 ميل (2090 كيلومتراً) إلى ما أصبحت الآن جنوبي كازاخستان، التي تنطلق منها البعثات الفضائية الخاصة بالاتحاد السوفييتي.
وبدلاً من بناء طريق سريع جديد عبر الأنهار والجبال، طلب المهندسون السوفييت من مكتب أنتونوف للتصميم في كييف، أن يصمم طائرة نقل جديدة قادرة على نقل المكوك والصاروخ جواً، وكان من المقرر أن تُستخدم أيضاً في إعادة بوران مرة أخرى إلى بايكونور عندما يهبط في مكان احتياطي بدلاً من القاعدة الفضائية إبان عودته من المدار.
الهدف نقل مكوك وصاروخ فضائي
وأعدّ "أنتونوف" التصميم على نموذج موجود، وهي الطائرة An-124، التي كانت بالفعل طائرة كبيرة للغاية وأكبر حتى من طائرة بوينغ 747-400، وازداد الحجم الكلي للطائرة بوضوح، بهدف مضاعفة سعة الشحن، ومن بين التطورات المرئية أُضيف زوج من المحركات، ليصبح العدد الكلي ستة محركات، بالإضافة إلى معدات هبوطٍ أطول زادت عدد العجلات إلى 32 عجلة، وهو عدد ضخم، وأُضيف ذيل مزدوج جديد ومعه مثبّت رأسي كبير الحجم؛ للسماح للطائرة بحمل "بوران" على ظهرها.
وكان الناتج ضخماً للغاية، حتى إنها علقت في أثناء خروجها من المستودع خلال يوم الافتتاح، وسُميت وقتها باسم مريا AN-225.
وعمِل مكتب تصميمات أنتونوف بسرعة لإنتاج الطائرة منتهية التصميم، خلال ثلاث سنوات ونصف السنة، لكنها لم تتمكن من اللحاق بتطور "بوران"، لذا لجأوا إلى حل مؤقت، وهو تسخير أسطول من طائرات 3M-T القاذفة القديمة لحمل السفينة الفضائية مفككة.
وعندما أصبحت AN-225 جاهزة أخيراً، لم تستطع اللحاق بركب التاريخ، وطارت سفينة بوران وطائرة AN-225 للمرة الأولى في نهاية عام 1988، قبل عام واحد من سقوط حائط برلين، الذي كان نذيراً بانهيار الاتحاد السوفييتي.
سبع سنوات يعلوها الصدأ
ونتيجة لهذا، أُلغي برنامج بوران بعد بعثة رسمية واحدة، وانتهى المطاف بطائرة AN-225 لحمل المركبة على ظهرها عشرات المرات في تجارب الطيران فقط.
وسرق الثنائي الأضواء عند ظهورهما بمعرض باريس الجوي في عام 1989، لكن مهمتها الأساسية لم تعد موجودة، وظهر اقتراح غريب بتحويل الطائرة إلى فندق طائر، به أجنحة فندقية وأحواض سباحة ويتسع لـ1.500 نزيل، لكن المقترح لم ينتقل إلى حيز التنفيذ قط، وانتهى الأمر بالطائرة في مستودع وجرَّدوها من بعض أجزائها وتركوها للصدأ لمدة سبع سنوات.
وفي عام 2001، أُزيل الغبار عن AN-225، وطُوّرت تطويراً شاملاً بمعدات حديثة وعادت للخدمة مرة أخرى، وفي العام نفسه سجلت 124 رقماً قياسياً، وفقاً لـ"أنتونوف". ومن بين هذه الأرقام سعة الحمل، وارتفاع الطيران بالحمولة، ورفع حمولة قياسية إلى ارتفاع شاهق.
وحدث هذا في يوم مأساة 11 سبتمبر/أيلول من عام 2001، ومن ثم لم تُرَ كل هذه الأرقام القياسية، ففي ذلك اليوم كانت الحمولة خمس دبابات حرب، وزن الواحدة منها 50 طناً، ودخلت الدبابات مقصورة الشحن بنفسها.
وأُعيد إحياء الطائرة، لأن خطوط أنتونوف الجوية، أحد أقسام شركة أنتونوف التي تدير مجموعة من طائرات النقل الثقيل، كانت تتلقى طلبات توصيلات شحن تفوق قدرات الطائرة AN-124، المعروفة باسم الأخت الصغرى لطائرة AN-225.
رحلات معدودة سنوياً
ولا تطير AN-225 إلا مرات قليلة، لأن تكلفة التشغيل المرتفعة التي تصل إلى 20 طناً من الوقود في الساعة، أي نحو 6700 دولار بالسعر الحالي، تحدُّ من استخدامها إلا في المهام الأكثر إلحاحاً. وفي العام الماضي، أنهت الطائرة 20 رحلة، وفي عام 2020 أنهت بالفعل 10 رحلات، ويُتوقع 10 أخرى حتى نهاية العام.
وهذا يعني أن الطلب الحالي تُغطيه بسهولةٍ الطائرة الوحيدة الموجودة، وعلى الرغم من أن الشركة لديها كل الأجزاء المطلوبة لبناء طائرة ثانية وموجودة بالفعل في المستودع، فإنها لا تخطط للقيام بهذا في أي وقت قريب، وأعربت الصين ذات مرة عن رغبتها في شراء القِطع وبناء الطائرة، لكن بسبب اللوجيستيات المعقدة لنقلها إلى الخارج، لم يتحقق هذا على أرض الواقع مطلقاً.
ومع ذلك فإن وجود طائرة واحدة من هذا النوع يضيف إلى سحرها، إذ تطورها الشركة AN-225 باستمرار لتتماشى مع قواعد ومتطلبات الطيران الدولي، وتقول الشركة إن الطائرة ستظل في الخدمة 25 عاماً قادمة على الأقل. وهذه أخبار جيدة بالنسبة لمتابعي الطائرات والطيران الذين يحتشدون في كل مرة تظهر فيها هذه الطائرة.