لا تمثل صفقة بيع تطبيق تيك توك لشركة مايكروسوفت فقط فصلاً جديداً في الحرب التجارية بين الصين وأمريكا، بل إنها بمثابة نقاط تحول في تاريخ الاقتصاد الأمريكي.
في ديسمبر/كانون الأول 2017، اشترت شركة تكنولوجيا صينية تُدعى ByteDance تطبيق Musical.ly، وهو التطبيق الذي يسمح لمستخدميه بالرقص والغناء مع المقاطع الغنائية، لكن في ذلك الوقت لم يخمن أحد أن هذه الصفقة ستؤدي إلى نشوب نزاعٍ جيوسياسي، حسبما ورد في تقرير لمجلة The Economist الأمريكية.
دمجت ByteDance تطبيق Musical.ly مع تطبيق شبيه يُدعى TikTok، وبدأ ذلك الأخير ينمو بصورة مطردة. اليوم، يتمتع تيك توك بمليون مستخدم في الولايات المتحدة، ويتنافس مع فيسبوك وSnap.
ومع تزايُد شعبيته تزايَد التدقيق فيه وملاحقته، مع انتقال التوترات بين الصين والولايات المتحدة من قطاع التجارة إلى قطاع التكنولوجيا، وبسبب دوافع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ويبدو أن هذه التوترات ستنتهي بإجبار الشركة على بيع عمليات TikTok في الولايات المتحدة إلى مشترٍ محلي.
لكن هذا التحرك الذي يتم الترويج له باعتباره حيوياً لحماية بيانات الأمريكيين هو في الواقع مثالٌ محبط على الانتهازية القومية المتطرفة، التي ستؤدي على الأرجح إلى تراجع الاستثمار في الولايات المتحدة وتلهب القومية الصينية.
ترامب يريد نصيباً صفقة بيع تطبيق تيك توك لشركة مايكروسوفت
يأتي الأساس القانوني لذلك التحرك من لجنة الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة، التي قضت هذا الأسبوع بأن صفقة Musical.ly كانت ضد مصالح الأمن القومي الأمريكي.
وبعد أن لوح الرئيس ترامب بحجب TikTok تماماً، يبدو أنه الآن مستعد للقبول بشرائه بثمن بخس. فشركة مايكروسوفت الأمريكية العملاقة في مباحثات الآن لشراء العمليات الأمريكية الخاصة بـTikTok، وكذلك العمليات في نيوزيلندا وأستراليا وكندا.
ByteDance هي آخر شركة في سلسلة من الشركات الصينية، من بينها Huawei المزودة لمعدات الاتصال، التي تستهدفها إدارة ترامب وسط مخاوف التجسس السيبراني ونشر البروباغاندا. تزعم إدارة ترامب، دون أدلة، أن هذه الشركات تقوم، أو يمكنها أن تقوم، بتمرير البيانات الشخصية للأمريكيين إلى الحكومة الصينية.
وشركة ByteDance لن تكون الأخيرة المستهدفة. فشركة Lenovo، المملوكة جزئياً للحكومة الصينية، تبيع الكثير من الحواسيب في الولايات المتحدة. وشركة Tencent، شركة التواصل الاجتماعي العملاقة، تمتلك حصصاً ضخمة في استوديوهات لألعاب الفيديو يستعمل منتجاتها ملايين الأمريكيين. وفي الثاني من أغسطس/آب، أشار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى أن الولايات المتحدة ربما تتحرك ليس فقط ضد TikTok، بل أيضاً ضد تطبيق WeChat من شركة Tencent، وشركات صينية أخرى "لا تُحصى، تنقل البيانات مباشرة إلى جهاز الأمن الوطني الصيني".
الصفقة تهدد ثقة المستثمرين بأمريكا
إن تهديد البيانات الذي تمثله الصين حقيقي، لكن اللعب العشوائي بالمطرقة الوطنية، مصحوباً بتهديدات المصادرة، ليس الطريقة المناسبة للاستجابة لذلك التهديد.
إن الانفصال الواضح عن أي قواعد أو إجراءات متعارفٍ عليها يهدم ثقة المستثمرين في الولايات المتحدة، ويضع الكثير من الضغوط السياسية على أجهزة تكنوقراطية مثل لجنة الاستثمارات الخارجية، التي ينبغي أن تنظر في القضايا بناءً على الأدلة والشركات المعنية نفسها.
من الأفضل أن تقوي الولايات المتحدة عملية التدقيق في الاستثمارات التكنولوجية الخارجية، وأن تحسن خصوصية البيانات الأمريكية. وينبغي أن تصل تحقيقات لجنة الاستثمارات الخارجية إلى نتائجها مبكراً، فقد استغرقت عامين لتبدأ في التحقيق في صفقة شراء Musical.ly، ما ضمن عملياً أن يكون الناتج فوضوياً. وأيضاً ينبغي تعزيز الاستقلال السياسي للجنة.
إن ترامب يُراقب مباحثات TikTok مع مايكروسوفت وكأنه من سادة الإقطاعيين، بل وأشار إلى أن وزارة المالية ينبغي أن تحصل على حصة من الصفقة التي أتاحت حدوثها، وهذا مطلب لا سابقة له على الإطلاق.
نعم أمريكا بحاجة إلى تشديد الأمن السيبراني، ولكن ليس هدم أصول التجارة العالمية
يجب أن تشدد إدارة ترامب قوانين الخصوصية. فالولايات المتحدة حتى وقتٍ قريب كانت مرتخية في حماية بيانات المواطنين، ومعادية لمفاهيم الأمن السيبراني مثل التشفير. وقانون فيدرالي جديد لخصوصية البيانات والأمن السيبراني سيخلق معايير شفافة للتعامل مع بيانات الأمريكيين ويوقف المخترقين الأجانب. وينبغي على الحكومة الأمريكية أن تجد طريقة أيضاً لضمان جودة المنتجات الرقمية التي تحتوي على خوارزميات غامضة، وتطبق هذه الطريقة على كل الشركات بغض النظر عن مقرها. إن مشروعات القوانين التي تحقق كل هذا تموت على أرض الكونغرس، ولم يفعل البيت الأبيض سوى القليل ليعيد إحياءها.
إن التعارض بين الحفاظ على التجارة العالمية والشك المعقول في الحكومة الصينية حتمي. فالتكنولوجيا الرقمية، بطبيعتها المتصلة التي تفتح الباب أمام الكثير من التلاعب، هي أمرٌ يصعب التعامل معه، لكن الإسراع إلى بيع الأصول تحت تهديد السلاح ليس هو الحل. الولايات المتحدة بحاجة إلى استجابة أقل عشوائية وأقل في الآثار السلبية.