قانون الإقامة الجديد في كشمير، يشبه تماماً المؤامرة التي نفذتها إسرائيل في الضفة الغربية (في إطار صفقة القرن)، لتغيير طابع الأغلبية المسلمة في الإقليم".
بهذه الكلمات عبر المفوض السابق للحكومة الهندية محمد مختار أنصاري، عن صدمة الكشميريين للوضع الجديد الذي أصبحت عليه بلادهم، وهي صدمة لم تعد تقتصر على المطالبين باستقلال الإقليم أو انضمامه لباكستان، بل شكل صدمة كبيرة للنخب الكشميرية المؤيدة للبقاء ضمن الهند.
وقال المفوض السابق للحكومة الهندية محمد مختار أنصاري، إن قرار نيودلهي بتغيير الوضع الدستوري لإقليم جامو وكشمير الخاضع لسيطرتها كان بمثابة انتهاك لـ"ثقة مقدسة".
جاء ذلك في مقابلة أجراها أنصاري مع الأناضول، بالتزامن مع حلول الذكرى الأولى لإلغاء الهند للحكم الذاتي بولاية جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة.
قانون الإقامة الجديد في كشمير انتهك ثقة مقدسة
واعتبر المسؤول السابق أن "القرار المتعجل من الهند، يُنظر إليه على أنه محاولة لتغيير ديموغرافيا (التركيبة السكانية) لإقليم كشمير، لتلبية رغبات الجماعات اليمينية الهندوسية، التي تطالب علناً بتغيير في تركيبة السكان للحصول على مزايا انتخابية".
وتابع "عارض الناس في جميع أنحاء جامو وكشمير تنفيذ قانون الإقامة الجديد، على أساس أن الحكومة عمدت إلى تغيير طابع الأغلبية المسلمة للدولة".
وفي 5 أغسطس/آب 2019، ألغت الحكومة الهندية المادة 370 من الدستور، والتي تكفل الحكم الذاتي في جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة الوحيدة في البلاد ومن ثم تقسيمها إلى منطقتين تديرهما الحكومة الفيدرالية.
ويتمتع الإقليم منذ عام 1954، بوضع خاص بموجب الدستور الهندي، الذي سمح لها بسن قوانينها الخاصة، إلى جانب حماية قانون الجنسية، الذي منع الغرباء من الاستقرار في الأراضي وامتلاكها.
وأصدرت الحكومة المركزية الهندية، تشريعات تمنح مواطنيها، الذين عاشوا في جامو وكشمير لمدة تزيد على 15 عاماً، صفة مواطن محلي لتمكينهم من امتلاك الأراضي والإقامة والعمل، إضافة إلى تقلد المناصب العامة.
مواطنون من الدرجة الثانية
وبينما ادعت الحكومة الهندية أن قراراتها هدفها تحسين الوضع الاقتصادي، فإنها لم تفعل شيئاً يُذكر لتشجيع الازدهار الاقتصادي، بخلاف تغيير القواعد الصارمة للإقامة الدائمة في جامو وكشمير، التي كانت تمنع في السابق غير الكشميريين من شراء الأراضي والممتلكات والاستثمار في المنطقة. وقد مُنح غير الكشميريين حق الإقامة في الولاية منذ شهر أغسطس/آب الماضي.
بالنسبة للكشميريين، كان تغيير وضع الإقامة لغير الكشميريين دليلاً على أنَّ هدف مودي الحقيقي يتمثّل في الدفع لتطبيق الأجندة القومية الهندوسية لحكومة حزب الشعب الهندي، التي ترغب في تحويل الهند من مفهوم الدولة العلمانية إلى دولة هندوسية، من خلال تغيير التركيبة السكانية للمنطقة بعيداً عن طبيعتها ذات الأغلبية المسلمة، عبر ما يمكن تسميته بـ"الاستيطان الهندوسي"، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
قال سيبتان (33 عاماً)، أحد سكان مدينة سريناغار الواقعة في ولاية جامو وكشمير، إنَّه "يجن جنونه من احتمالية أن يصبح مواطناً من الدرجة الثانية".
وأضاف: "أسوأ مخاوفي فقدان كشمير لهويتها، بعد أن تقرَّر إدماجنا في الهند، ذات الأغلبية الهندوسية الأكبر".
من جانبه قال المفوض السابق للحكومة الهندية محمد مختار أنصاري، وهو أيضاً أستاذ في الاقتصاد، إن الحكومة الهندية أصدرت قرارها تحت ذريعة ضمان تطور أسرع واحتواء الأزمة، لكنه لم يحقق أياً من تلك الأهداف، بينما في المقابل عانت القطاعات الاجتماعية والاقتصادية مع وضع متأزم، فضلاً عن زيادة معدلات البطالة.
وتابع أن "إلغاء الحكم الذاتي في الولاية، من جانب واحد وبشكل غير ديمقراطي، أصاب الكشميريين بالإحباط، لأنهم يشعرون بأن الثقة والتفاهم المقدسين بين الحكومتين السياديتين تم خرقهما".
واعترف المفوض السابق للحكومة الهندية أن "العسكرة الثقيلة في الولاية، تثبط جميع أشكال الاستثمارات العامة والخاصة، وتعوق أي مخطط للتنمية، ولا يكاد يوجد أي تطور على الأرض".
ودعا إلى الانفتاح العاجل على المحادثات الثلاثية بين الهند وباكستان والصين، لحل القضايا الخلافية، ووضع اللمسات الأخيرة على الحدود، والتي تعد ضرورة حتمية لضمان السلام والتنمية المستدامين في المنطقة.
واعتبر مختار أنصاري أنه "لا يوجد سبب يمنع حكومة نيودلهي التي تمتلك تفويض وسلطة سياسية مطلقة، من إشراك الجيران لحل القضايا الخلافية".
حتى الطلاب ممنوعون من الإنترنت
وعن تقييم الوضع الراهن في إقليم كشمير بعد مرور عام على القرار، قال أنصاري "لسوء الحظ، فإن الوضع الميداني في جامو و كشمير قد انتقل من سيئ إلى أسوأ".
واستطرد أنصاري "على عكس الوعود، رأينا ارتفاع حدة الاشتباكات والعنف، ما أدى إلى انتهاكات غير مسبوقة لحقوق الإنسان تتناقض مع الأهداف المعلنة باستعادة السلام".
وأشار المسؤول الهندي إلى حرمان سكان جامو وكشمير من خدمات الإنترنت، قائلاً: "عدم استخدام الطلاب تقنيات المعلومات والاتصالات في التعليم، سيؤثر حتماً على سوق العمل".
وقال "هناك فقدان في الثقة بين الحكام والمحكومين، خاصة في ظل حملات الاعتقال التي تزايدت طيلة العام الماضي، وطالت الكثير من الساسة، حتى الموالين لنيودلهي".
وواصل أنصاري قائلاً: "تم وضع العديد من الشباب والعاملين السياسيين من مختلف التوجهات رهن الاحتجاز بموجب قوانين صارمة مثل قانون السلامة العامة، دون إعلان أي سبب".
إجهاض التفاوض رغم نجاحه
وتطرق أنصار إلى تجربة مجموعة المحاورين التي عينتها الحكومة لجامو وكشمير، أوضح "عقدنا جلسات تشاور واسعة النطاق مع جميع أصحاب المصلحة في جميع المناطق الـ22 آنذاك".
وأضاف "شملت المباحثات قوات الأمن أيضاً، وقدمنا بعض التوصيات لمعالجة شكاوى الناس، ونفذت الحكومة معظمها، وهو ما انعكس بشكل إيجابي في انخفاض نسبة التشاحنات إلى أدنى مستوى منذ عام 2011".
وتابع أنصاري "أشرنا في التقرير أيضاً، إلى ضرورة تقليل مسألة عدم الثقة بين نيودلهي وسريناغار(عاصمة جامو وكشمير)، من خلال تعزيز نص المادة 370 وجعلها نصاً مستقلاً دائماً بدلاً من بند مؤقت".
واستطرد "طالبنا بإلغاء القوانين القاسية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة للسماح بظهور قيادة جيدة على جميع مستويات الحكم".
وقال المسؤول الهندي السابق لسوء الحظ، لم تهتم الحكومة آنذاك والحكومة الحالية بالنظر في التقرير لقبوله أو رفضه، وبالتالي يشعر الكشميريون أن نيودلهي خدعتهم، وهو السبب الرئيسي للاضطراب في الوادي".
كيف يمكن حلحلة الأزمة؟
ولفت أنصاري إلى أن "التحدي المتمثل في عودة الحياة الطبيعية أمر صعب، ولكنه يتحقق أولاً من خلال الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، ومن ثم التحضير لإجراء الانتخابات".
وتابع "بما أن جامو وكشمير ليس لديهما حدود محددة، فمن المطلوب بشكل عاجل بدء عملية حوار ثلاثي لحل جميع القضايا الخلافية المتعلقة بوضع اللمسات الأخيرة على الحدود الدولية".
وشدد على ضرورة التوصل إلى حل حاسم لضمان السلام المستدام والتنمية في المنطقة، ولا يوجد سبب يمنع حكومة رئيس الوزراء ذات التفويض والسلطة السياسية المطلقة من الإقدام على تلك الخطوة.
كشمير سبب للتوتر بين أكبر دولتين في العالم
وعزا أنصاري تصاعد التوتر بين الهند والصين في منطقة لاداخ (ولاية بالإقليم) إلى إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي، وتقسيم جامو وكشمير، وهو الأمر الذي قوبل بمعارضة من الصين وباكستان في أكثر من مناسبة.
وقسّم حزب بهاراتيا جاناتا، جامو وكشمير في أكتوبر/تشرين الأول 2019 إلى إقليمين "جامو كشمير" و"لاداخ"، معلنا أنهما "إقليمان اتحاديان".
وقال إن التوتر المتزايد على الحدود بين الهند والصين وباكستان يُعزى إلى نزاع حدودي طويل مع الدول الثلاث.
وشدد على أن "التوتر المتزايد على الحدود أسبابه واضحة، حيث إن خط السيطرة على الجانب الباكستاني، وخط السيطرة الفعلية (LAC) على الجانب الصيني، حدود غير مقبولة من قبل أي من الدول النووية الثلاث".
وأضاف أن هناك أجزاء من جامو وكشمير (السابقة) التي يحكمها مهراجا هاري سينغ، الذي وقع على وثيقة الالتحاق بالهند، محتلة من قبل الهند وباكستان والصين".
واختتم أنصاري قائلاً: "يجب على جميع هؤلاء المحتلين تسوية النزاعات المتعلقة بالحدود ودياً، من خلال المفاوضات السياسية والدبلوماسية، بدلاً من استخدام سلطاتهم النووية".
وفي الوقت الذي تسيطر فيه الهند وباكستان على أجزاء من إقليم كشمير، يطالب كل طرف بضمه إليه بالكامل، بينما تسيطر الصين على قطعة صغيرة من المنطقة.
وفي إطار الصراع على كشمير، خاضت باكستان والهند 3 حروب أعوام 1948 و1965 و1971، ما أسفر عن مقتل نحو 70 ألف شخص من الطرفين.
ومنذ 1989، قُتل أكثر من 100 ألف كشميري، وتعرضت أكثر من 10 آلاف امرأة للاغتصاب، في الشطر الخاضع للهند من الإقليم، بحسب جهات حقوقية، مع استمرار أعمال مقاومة مسلحة من قبل جماعات إسلامية ووطنية.
وتقاتل بعض الجماعات الكشميرية في جامو وكشمير ضد الحكم الهندي من أجل الاستقلال أو الوحدة مع باكستان المجاورة، وقُتل آلاف الأشخاص خلال النزاع منذ عام 1989، وفقاً لعدة منظمات حقوقية.