"المستوى الميكانيكي"، "مستوى التخزين"، "المستوى الطبي".. يعلن الصوت بينما يهبط المصعد تحت الأرض. دخلت المبنى من قمته، عند مستوى مساحة انتظار السيارات. إنها ناطحة سحاب، لكنها مقلوبة، تقع ضمن استعدادات أغنياء أمريكا لنهاية العالم.
تجربة غريبة خاضها صحيفة The Guardian البريطانية، فيما يعرف بشقق نهاية العالم المترفة.
إذ يقول "لقد غصت في أعماق المبنى منتقلاً من المستوى الثالث إلى الرابع. بجواري رجل ضخم في أواخر الخمسينات يدعى لاري هول، يقف بجانبي يصفر، وقميصه الأسود محبوس داخل سروال الجينز الأزرق".
وحين انفتح الباب، انفلتت مني ضحكة. فأمامنا، على عمق أربعة طوابق من وسط كانساس بالولايات المتحدة، يوجد سوبرماركت بكل مشتملاته: عربات التسوق، والثلاجات، وماكينة صنع القهوة خلف الطاولة. ابتسم هول لضحكي.
أنا بداخل الحصن الخاص الأكثر تطوراً وبذخاً على وجه الأرض: "شقق البقاء" Survival Condo.
استعدادات أغنياء أمريكا لنهاية العالم.. شقق البقاء بدلاً من تجارة المخدرات
ولاري هول متعاقد سابق مع الحكومة الأمريكية، ويعمل بمجال العقارات، ومهتم بالتجهيز لنهاية العالم، وحاصل على الماجستير في التجارة. يحمل هول المواصفات المناسبة تماماً لبناء حصن بقاء غير مسبوق.
اشترى هول الحصن مقابل 300 ألف دولار في 2008. وبحلول عام 2010، حول هول المبنى الذي يبلغ عمقه 60 متراً إلى حصنٍ فاخر مكون من 15 طابقاً، يمكن أن يسكن فيه ما يصل إلى 75 شخصاً لخمسة أعوام داخل مساحة معزولة مكتفية ذاتياً.
كان ذلك الحصن في أيام الحرب الباردة صومعة صواريخ تابعة للحكومة الأمريكية، تم إنشاؤها في أوائل الستينيات، وكلفت الواحدة منها 15 مليون دولار أمريكي. هي واحدة من بين 72 حصناً بهدف حماية رؤوس نووية تبلغ قوتها 100 ضعف القنبلة التي أُلقيت على ناغازاكي. وقد تم تفجير العديد من هذه الصوامع ودفنها بعد عقودٍ من إساءة الاستخدام. لكن ليس كلها.
إحدى تلك الصوامع في كانساس داهمتها قوات الشرطة في عام 2000، ووجدوا بداخلها منشأة عملاقة لصنع عقار الهلوسة LSD، يخرج منها ثلث المعروض من العقار في الولايات المتحدة. وصومعة أخرى مولها وليام شاتنر، الممثل الذي لعب دور الكابتن كيرك الشهير في Star Trek، لتصبح منشأة بحثية تجارية لدراسة استعمار المريخ.
كيف جاءت له هذه الفكرة؟
بمساعدة عالم نفسٍ متخصص، أعد هول الحصن ليتغلب على أبرز العراقيل التي يمكن أن تنشأ من العيش في مساحة مغلقة تحت الأرض.
قال هول إن مفتاح الحفاظ على الصحة النفسية تحت الأرض هو خلق وهم الحياة الطبيعية. "لذا سيكون هناك أشخاص يخبزون ويعدون القهوة، ويمكن للناس الإعلان عن دروس اليوغا على السبورة السوداء بالمقهى. وسنبيع ثلاثة أنواع مختلفة من أسماك البلطي من المزرعة المائية المركبة الموجودة بالحصن".
كل هذه الأشياء مدفوع ثمنها بالطبع، فالمال لن تكون له قيمة في شقق البقاء، وهذا منطقي نظراً للأسعار الباهظة التي قد تدفع بك إلى الإفلاس. فشقة تحتل نصف طابقٍ تكلف 1.5 مليون دولار، وشقة تحتل طابقاً كاملاً سعرها 3 ملايين دولار، وسقيفة تحت طابقين سعرها 4.5 مليون دولار. يتسع المكان لـ57 شخصاً في 12 شقة، وكل منهم سيدفع رسوماً قدرها 5 آلاف دولار شهرياً. إحدى تلك الشقق مصممة لتبدو ككوخٍ ريفي، بعلية تطل على موقدٍ زائف، تحيط به ست شاشاتٍ تعرض جبالاً بقمم جليدية في المدى.
نستقل المصعد إلى المستوى الميكانيكي، أسفل السطح مباشرة، حيث يرينا هول نظام الفلترة الأسموزية العكسية. يتم ضخ الماء من آبار على عمق 45 ألف متر، ويمكن فلترة عشرة آلاف غالون من الماء إلى ثلاثة خزانات سعة كل منها 25 ألف غالون.
ثم نهبط مرة أخرى إلى المستوى الثالث، حيث يُدخل هول الكود السري ليفتح باباً سميكاً من الصلب.
ويفتحه هول ليكشف عن شيءٍ شبيه بمشهد من فيلم The Matrix، حيث يجد نيو وترينيتي الترسانة التي لا تنتهي من الأسلحة. يقول هول بفخر: "هذه غرفة من ثلاث غرف. في كلٍ منها تجد بنادق قناصة، وبنادق هجومية، وخوذات وأقنعة غاز، وإسعافاتٍ أولية وأسلحة غير فتاكة مثل رذاذ الفلفل العسكري".
كان هول يخطط في البداية لبناء مركز بياناتٍ محمي، لكنه سرعان ما أدرك أن سوقاً أخرى ناشئة بدأت تزدهر: استعداد الأثرياء ليوم الحساب أو نهاية العالم.
وقد عرف أنه سيجد مشترين لشققه المحصنة. فقد سمع عن نخبة سليكون فالي الذين يدفنون حصونهم في مزارع نيوزيلندا، والأثرياء الروس الذين يشترون جزراً كاملة في المحيط الهادئ ليهربوا إليها، وتعاقد أثرياء مثل بيل غيتس وكيم كارداشيان على حصونٍ من الباطن.
وفي مقال على موقع Wired من 2007، نجد توم كروز يخطط لإنفاق 10 ملايين دولار لبناء حصن تحت قصره البالغة مساحته 298 فداناً في كولورادو. وفي لوس أنجلوس، قرر استوديو لإنتاج الأفلام الإباحية بناء مقره في حصنٍ تحت الأرض، لتستمر المسيرة مهما حدث.
حتى ترامب يستعد لنهاية العالم
وفي ربيع 2020، أدى الغضب الشعبي من وحشية الشرطة إلى اضطرابات في مدن عديدة في أنحاء الولايات المتحدة، من بينها واشنطن العاصمة. وفي أحد تلك المواقف، اختبأ الرئيس ترامب في حصنٍ أسفل البيت الأبيض، هرباً من المصادمات مع عناصر الشرطة والخدمة السرية بالخارج. وبالإضافة إلى الحصون المتوفرة للرئيس، تباهى ترامب بحصونٍ يمتلكها أسفل بيته في نيويورك، وأسفل ملعب الغولف في بالم بيتش والمنتجع القريب، مارالاغو. ذلك الحصن الأخير بنته سيدة الأعمال مارجوري ميريويذر بوست في أوائل الخمسينيات. وأنفق ترامب على الحصن لاحقاً 100 ألف دولار لإصلاحه، وقال إنه يرغب في التواجد فيه إن حلت نهاية العالم.