تطرح دراسةٌ جديدة أن الأنظمة المناعية لبعض الأشخاص الذين لم يتعرَّضوا لفيروس كورونا المُستجد قد تتمتَّع ببعض المعرفة بالفيروس، وبالتالي ربما تساعد على تقليل حِدَّة المرض إذا أُصيبَ صاحبها بفيروس كوفيد-19.
ووَجَدَت الدراسة المنشورة بدورية Nature العلمية الأمريكية، يوم الأربعاء 29 أغسطس/آب، أنه من بين عيِّنةٍ من 68 شخصاً بالغاً يتمتَّعون بصحةٍ جيِّدةٍ في ألمانيا، ولم يتعرَّضوا لفيروس كورونا المُستجد، هناك 35% منهم لديهم خلايا تائية في دمهم متفاعلة ضد الفيروس.
كيف ذلك؟
تُعَدُّ الخلايا التائية جزءاً من الجهاز المناعي، وتساعد على حماية الجسم من العدوى. ويطرح تفاعل الخلايا التائية أن الجهاز المناعي قد يكون لديه بعض الخبرة السابقة في محاربة عدوى شبيهة، وقد يستخدم هذه الذاكرة في المساعدة على محاربة عدوى جديدة.
كيف إذاً يكون لدى أجهزتهم المناعية خلايا تائية نشطة إن لم يُصابوا بفيروس كوفيد-19 من قبل؟ تقول شبكة CNN الأمريكية، إن الباحثين الذين يعملون في مؤسَّساتٍ مختلفة في ألمانيا والمملكة المتحدة، كتبوا في الدراسة الجديدة أن هذه الخلايا التائية "ربما اكتُسِبَت من إصاباتٍ سابقة بفيروسات كورونا المتوطِّنة". ويُطلَق على استخدام هذه الذاكرة لدى الخلايا التائية من عدوى أخرى، لكن شبيهة، من أجل الاستجابة لعدوى جديدة، اسم "التفاعل المُتقاطِع".
السؤال الأكبر هو كيف نفهم الدور الذي قد تقوم به هذه الخلايا التائية؟
تضمَّنَت الدراسة الجديدة تحليل عيِّنات دم من 18 مريضاً بفيروس كوفيد-19، تتراوح أعمارهم من 21 إلى 81 عاماً، علاوة على مُتبرِّعين أصحاء، من 20 إلى 64 عاماً، في ألمانيا. ووَجَدَت الدراسة خلايا تائية متفاعلة ضد فيروس كورونا المُستجد في 83% من المُصابين بالفيروس.
وبينما وَجَدَ الباحثون أيضاً خلايا تائية موجودة مُسبقاً وذات تفاعل مُتقاطِع لدى المُتبرِّعين الأصحاء، كتبوا في الدراسة أن التأثير الذي قد تمارسه هذه الخلايا على الإصابة بكوفيد-19 لا يزال غير معلوم.
وقال الدكتور أميش أدالجا، الباحث الكبير بمركز الأمن الصحي بجامعة جونز هوبكنز، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، إن نتائج الدراسة تدعو بالتأكيد إلى المزيد من البحث.
يضيف الدكتور أدالجا: "يبدو بالفعل في هذه الدراسة أن هناك نسبةً كبيرةً من الأفراد الذين يتمتَّعون بهذه المناعة للخلايا التائية ذات التفاعل المُتقاطِع من إصابات أخرى بفيروس كورونا، قد يكون لها بعض التأثير على تعاملهم مع فيروس كورونا المُستجَد. أعتقد أن السؤال الأكبر هو تجاوز حقيقة أن لديهم هذه الخلايا التائية إلى فهم الدور الذي قد تقوم به هذه الخلايا".
وأضاف: "نحن نعلم، على سبيل المثال، أن الأطفال والبالغين الأصغر سناً ينجون نسبياً من العواقب الشديدة لهذا المرض، وأعتقد أن إحدى الفرضيات قد تتمثَّل في أن الخلايا التائية الموجودة مُسبَّقاً قد تكون أكثر عدداً بكثير أو أنشط بكثير لدى الأشخاص في سنٍّ أصغر منها لدى الأشخاص الأكبر سناً".
وتابَعَ الدكتور أدالجا قائلاً: "إذا قارنت الناس الذين ربما تكون لديهم أعراض شديدة أو معتدلة، وحاولت النظر إلى الخلايا التائية لديهم، وقلت "هل الناس الذين يعانون أعراضاً شديدة أقل ترجيحاً لأن تكون لديهم خلايا تائية ذات تفاعل مُتقاطِع مقابل الناس الذين يعانون أعراضاً معتدلة، والذين ربما يكون لديهم خلايا تائية ذات تفاعل مُتقاطِع؟"، أعتقد أن هذه الفرضية معقولة من الناحية البيولوجية". وأضاف: "غير أنه من الواضح أن وجود الخلايا التائية لا يقي الناس من الإصابة بالعدوى، لكنه يحدُّ من شدة العدوى. يبدو أن هذه هي الحالة هنا".
الخلايا التائية لا يمكن تجاهلها
وحتى الآن، خلال جائحة فيروس كورونا المُستجد، انصبَّ الكثير من التركيز على الأجسام المضادة لكوفيد-19، والدور الذي تضطلع به في بناء المناعة ضد المرض.
لكن خبير الأمراض المعدية، الدكتور ويليام شافنر، الأستاذ في الطب الوقائي والأمراض المعدية بكلية الطب بجامعة فاندربيلت، بمدينة ناشفيل الأمريكية، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، قال إن الخلايا التائية لا يمكن تجاهلها.
قال شافنر: "ها هي دراسةٌ تطرح واقعياً أنه ربما يكون هناك بعض التفاعل المُتقاطِع بمساعدة بعض فيروسات كورونا العادية التقليدية، التي تسبِّب نزلات البرد لدى البشر، وربما يكون هناك بعض التفاعل المُتقاطِع مع فيروس كورونا الذي يسبِّب الكثير من الضرر. هذا في حدِّ ذاته مثيرٌ للفضول لأننا كنَّا نعتقد، من منظور الأجسام المضادة، أنه ليس هناك تقاطع على الإطلاق".
وأضاف: "هذا ليس أمراً مُفاجِئاً تماماً، لأن هذه جميعاً فيروسات من عائلة. إنهم بمثابة أبناء عمومةٍ في العائلة نفسها". وتابَع: "الآن علينا أن ننظر ما إذا كان هناك أيُّ تأثيرٍ من هذا في الممارسة السريرية… هل يجعل هذا من الأكثر أو الأقل ترجيحاً أن يُصاب الشخص، الذي كان لديه كوفيد بالفعل، بالمرض؟ وهل لذلك أيُّ تبعاتٍ على تطوير اللقاح؟".
"تقريباً كلُّ شخصٍ في هذا العالم صادف أن تعرَّض لفيروس من عائلة كورونا"
قال أدالجا إنه لم يُفاجَأ برؤية هذا التفاعل المُتقاطِع للخلايا التائية لدى المشاركين بالدراسة الذين لم يتعرَّضوا لفيروس كورونا المُستجَد، الذي يحمل اسم سارس-كوفيد-2.
وقال أدالجا: "إن سارس-كوفيد-2 هو سابع فيروس كورونا تُكتَشَف إصابته للبشر، وهناك أربعة من فيروسات كورونا التي تصيب البشر نقول عنها إنها فيروسات كورونا مُكتَسَبة من المجتمع، وهذه الفيروسات الأربعة معاً مسؤولة عن 25% من نزلات البرد التي تصيبنا". وأضاف: "تقريباً كلُّ شخصٍ في هذا العالم صادف أن تعرَّض لفيروس من عائلة كورونا، وبما أنهم جزءٌ من العائلة نفسها، تتطوَّر بعض المناعة ذات التفاعل المُتقاطِع".
وليست الدراسة المنشورة بدورية Nature هي الورقة البحثية الوحيدة التي تطرح أن هناك مستوى مُعيَّناً من المناعة الموجودة مُسبَّقاً لدى بعض الناس ضد فيروس كورونا المُستجَد.
كَتَبَ أليساندرو سيت وشين كروتي، من جامعة كاليفورنيا الأمريكية، في ورقةٍ منشورةٍ بدورية Nature في وقتٍ سابق من الشهر الماضي، يوليو/تموز، أن "من 20 إلى50% من المُتبرِّعين الذين لم يُصابوا بالفيروس أظهروا تفاعلاً كبيراً في تجميعات الببتيد المُستضَد لسارس-كوفيد-2″، بناءً على بحثٍ منفصل، لكنهما لاحظا أن مصدر التفاعل وأهميته السريرية لا يزالان غير معلومين.
وكَتَبَ سيت وكروتي أنه "قد أصبح من الواضح الآن أن التفاعل المناعي المُسبق لسارس-كوفيد-2 موجودٌ بدرجةٍ ما لدى السُّكَّان بصورةٍ عامة. يندرج هذا في عداد الفرضيات، لكنه غير مُثبَت بعد أن يكون هذا نتيجةً للمناعة المُكتَسَبة من الإصابة بفيروسات كورونا التي تسبِّب نزلات البرد".