كان الكسكوس جاهزاً للحشد الكبير المتوقع في وقت الغداء عند مطعم ياسين ديكو، بالقرب من واحدٍ أكبر أسواق الخراف في السنغال. لكن باستثناء أبناء العائلة، كان المكان خالياً. ولم يظهر زبائن مدام ديكو المعتادين، رعاة الغنم من موريتانيا. نظرت ديكو بالخارج إلى المساحة الشاسعة، التي انتشرت فيها قطعان قليلة من الغنم، وكان صوت مأمأتها له وقع بشري غريب.
المعتاد في هذا الوقت من العام أن تتكدس حظائر ميسيرا، في وسط السنغال، بالخراف في ذلك الوقت من العام، ومع ذلك لم يظهر من بائعي الغنم إلا قلة نادرة، ومن المشترين كذلك. يقول ديكو: "هذه أزمة حقيقية".
آثار كورونا المدمرة
يقول مراسل صحيفة صحيفة The New York Times الأمريكية، حينها كان يفصلنا 13 يوماً عن التاباسكي، النسخة السنغالية من عيد الأضحى، وهو أكبر احتفال ديني في العام كله في السنغال التي يعتنق 95% من سكانها الإسلام. أن تغيب الخراف عن وليمة التاباسكي يشبه أن تغيب الهدايا عن الكريسماس. وفي الأسبوعين السابقين على عيد التاباسكي، الذي يأتي هذا العام يوم 31 يوليو/تموز، يحدث عادةً سباق على شراء الخراف.
لكن الإجراءات التي فرضتها الحكومة لأشهر بهدف احتواء فيروس كورونا، ومنها إغلاق الحدود وإزالة الأسواق وفرض قيود صارمة على السفر، كانت آثارها المالية مدمرة على الكثير من الناس في السنغال، وجعلت سعر شراء الخروف الذي يحمل أهمية ثقافية واجتماعية كبرى في السنغال خارجاً عن متناول الكثيرين هذا العام.
حتى في الأعوام العادية كان ثمن الخراف باهظاً على العديد من عائلات السنغال، وكانوا يضطرون إلى أخذ قروض بفوائد عالية من أجل شراء الخراف والأطعمة الأخرى والثياب الجديدة، وكلها مراسم أساسية للاحتفال بالتاباسكي.
يحمي ملّاك الخراف مشترياتهم عن قرب، وأحياناً ينامون معها في نفس الغرفة تجنباً لسرقتها. وفي حين تشتري أغلب العائلات الخراف في الشهر السابق على التاباسكي، يشتريها البعض قبل عام أو أكثر ويسمنونها بأنفسهم.
شراء الأضاحي أونلاين
وهذا العام، لمعرفتهم بأن المواطنين سيخافون من التقاط الفيروس في أسواق شراء الخراف، طورت وزارة الماشية موقعاً رقمياً للتوفيق بين المشترين والبائعين، يضع فيه البائعون صوراً جذابة لخرافهم.
بفضل الموقع، يتمكن المشترون من تصفح مئات "حسابات" الخراف على موقع Sama Xaru Tabaski، أو "خروفي للتاباسكي" بلغة الولوفية الشائعة في السنغال، ثم الاتفاق على شراء الخروف الذي يعجبهم، متجنبين بذلك ساعاتٍ من الشراء والمجادلة في الأسعار وجهاً لوجه.
لكن الموقع لم يحصل على الكثير من الزيارات، وحتى إن تمكن المشتري من إيجاد خروفٍ يعجبه، فلن يسعه شراءه. فالخروف الذي كان يكلف 140 دولاراً أمريكياً صار الآن يكلف 170 دولاراً، ويعزي كبار اللاعبين في ذلك المجال الزيادة إلى الآثار المترتبة على قيود فيروس كورونا.
تأتي نصف خراف التاباسكي من مالي وموريتانيا المجاورتين. وحتى أواخر يونيو/حزيران، كانت القطعان كلها عالقة على الجانب الآخر من الحدود، في ما عدا الخراف المهربة. الآن الخراف مرحب بها، ومع أن الحدود فتحت أمام نقل الماشية، إلا أن أعداد الخراف التي عبرت الحدود كانت أقل من المتوقع. من بين أسباب ذلك أن الخراف الآن ينبغي نقلها فقط بالشاحنات، والعديد من سائقي هذه الشاحنات يتقاضون الآن ضعف أجرهم في المعتاد.
أزمة الاستيراد من الدول المجاورة
في كيديرا، بلدة سنغالية على الحدود مع مالي كانت الخراف ترعى فيها، خرج رعاة الغنم بعصيهم ودفعوا بالخراف إلى شاحنة كبيرة، ليسافروا إلى داكار عاصمة السنغال مع الخراف، يركبون على شباكٍ تعلو قطعان الخراف الهائجة في مؤخرة الشاحنة. وكان ألاسان ندونغو، رئيس رابطة رعاة الغنم المحليين، يراقب الرعاة وحمولتهم.
في حين يمكن لثلاثة من الرعاة الركوب في كل شاحنة، قال ندونغو إن ملاك الخراف لا يفعلون لأنهم يسافرون جانب شحناتهم في المعتاد بالسيارات. وبما أن السيارات ممنوعة من عبور الحدود، فضل العديد من ملاك الخراف إبقاء قطعانهم وعدم نقلها إلى السنغال، ما أدى إلى نقصٍ في الخراف المعروضة.
وأضاف ندونغو أن العديد من القطعان كانت تعبر الحدود سيراً، لكن هذا يتطلب الخروج قبلها بأشهر. وفي 2020، تزامن تاريخ بداية الرحلة الطويلة مع إصدار الحكومة أوامرها بأن يلزم الكل بيته.
وفي حين أدت القيود المفروضة من أجل محاربة فيروس كورونا إلى ضررٍ مالي بالغ للكثيرين، فإن السنغال ليست من بين الدول التي ضربها فيروس كورونا ضربة موجهة. إذ لا يتجاوز عدد الإصابات 10 آلاف، وعدد الوفيات 194، وفقاً للأرقام الرسمية.
"ستكون هناك الكثير من الأيام العجاف"
في داكار، عاصمة السنغال حيث تسيل دماء الخراف أنهاراً صباح التاباسكي، يدير أبو غالو ثييلو كاني مركز التسوق الأفخم للخراف، في خيمة واسعة مزينة، مليئة بالحيوانات الرائعة. كاني راقص وكوميديان شهير، ويبيع خرافه لصفوة المجتمع من مشاهير ووزراء في ما يزعم. وبعد 20 عاماً في تجارة الخراف، صار على دراية بما يبحث عنه المشترون.
قال كاني، مرتدياً كمامة بينما مساعدوه يحملون العلف في أرجاء مملكته: "النساء يحببن الخراف السمينة والصغيرة في السن، لأنهن يفكرن في المذاق. بينما الرجال يشترون الخراف من أجل المظهر".
ينشغل الجزارون في داكار بالذبح لمن لا يستطيعون الذبح بأنفسهم، أو من تعلقوا برفيقهم المغطى بالصوف لأشهر، ولا يرغبون في الذبح بأنفسهم. يقول كاني، وهو أيضاً رئيس الاتحاد الوطني للعاملين بتجارة الخراف: "إن الخراف لنا كالكلاب للأوروبيين. إنها تسلينا وتفيدنا، وهي ودودة للغاية".
وعبرت ديكو مالكة المطعم عن قلقها على أصدقائها وجيرانها، الذين يجنون تسع دولارات في اليوم في الظروف العادية وانخفض دخلهم الآن إلى أربع دولارات. إن شراء الخروف الآن صار بالنسبة لهم مستحيلاً، وتنتظرهم أيام صعبة. "ستكون هناك الكثير من الأيام العجاف".